العدد 4120 - الثلثاء 17 ديسمبر 2013م الموافق 14 صفر 1435هـ

عبقرية التنمية في البحرين!

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

بدعوة كريمة من الأمين العام لجمعية المنتدى الأخ إبراهيم بوجيري، حضرت ندوة «تجربة البحرين في التنوع الاقتصادي» لأستاذ الجغرافيا الاقتصادية في جامعة البحرين د. بسيوني علي عبدالرحمن، والتي حضرها عدد من المهتمين بالشأن العام من تجار وأكاديميين وباحثين.

ترتكز رؤية بسيوني لتجربة البحرين في التنمية وتنويعها إلى ثلاثة محددات، هي عبقرية المكان بحسب نظرية جمال حمدان (عبقرية المكان لمصر) حيث أن البحرين تتوسط منطقة الخليج وعلى طريق الممرات البحرية التجارية، والمحدّد الثاني هو ما طرحه محمد حسنين هيكل، باستثمار المكان عبر الزمان واستغلال اللحظة التاريخية، أما المحدد الثالث فهو استغلال العنصر البشري الذي تتميز به البحرين، وقد استغلت حكومة البحرين هذه المحددات أفضل استغلال للتعويض عن الفقر في الموارد الطبيعية الزراعية وحتى النفطية، فإنها محدودة جداً في احتياطاتها من النفط والغاز.

وقد عرض المحاضر للمراحل التي مرت بها البحرين للتخطيط والتنفيذ لهذه الاستراتيجية التي تقوم على تنويع الاقتصاد، بحيث لا يكون مرتهناً للنفط، وتحقيق الاستثمار الأفضل للموارد المحدودة من النفط والغاز والأرض، وتطوير التعليم والتدريب بحيث يوفر الأيدي العاملة الماهرة لمشاريع التنمية.

واعتبر المحاضر أن دعامتي التنمية في البحرين، هما الصناعة، القائمة على النفط والغاز واستخداماته في صناعات مشكلة بدورها قاعدة للصناعات منتجة (Downstream Industry)، وهي تكرير النفط والبتروكيماويات والألمنيوم وإصلاح السفن، والتي ولّدت بدورها صناعات خلقت فرص عمل كثيرة للداخلين إلى سوق العمل. وبناءً على ذلك، فإن البحرين نجحت فيما لم تنجح فيه دول عديدة أكثر ثروةً ومساحةً وسكاناً.

أما القاعدة الثانية فهي الصناعة المصرفية، حيث أن هناك أكثر من 400 وحدة مصرفية ترتب على ذلك الناتج الوطني العام بالأرقام الثابتة قد تضاعف خمس مرات تقريباً من 2 ملياري دينار العام 1992 إلى 10 مليارات دينار في 2010، كما تضاعف معدل دخل الفرد من 3311 ديناراً إلى 6600 دينار لذات الفترة. وعزا المحاضر عدم تضاعف معدل دخل الفرد مع نفس وتيرة تضاعف الناتج الوطني العام إلى الزيادة السكانية، حيث تضاعف عدد السكان من نصف مليون (مواطنين وأجانب) إلى 1.2 مليون في العام 2010، وأكّد أن معدل دخل الفرد المرتفع لا يحتمل وجود فقراء بحسب معيار الأمم المتحدة للدخل وهو 1.5 دولار يومياً.

ثم يعرض المحاضر الانجازات المذهلة للبحرين في التنمية البشرية، وهي المفهوم الحديث للتنمية الذي تبنته الأمم المتحدة على نطاق كوني، والذي يستند إلى ثلاثة معايير أساسية هي التعليم والصحة (معدل سنوات الحياة) ومعدل دخل الفرد، حيث تحتل البحرين منذ 1990 مكانها في مرتبة الدول السريعة النمو، حيث لا يقل معدلها التراكمي عن 0.7 من 1 وهو التراكم الأقصى، رغم أن مكانة البحرين تدنّت في سلم التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من 39 العام 2010 إلى 48 في 2012، حيث تعتبر البحرين الثالثة بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد قطر والإمارات، أما عندما نستبعد عامل معدل دخل الفرد حيث البحرين الأقل فيما بين دول مجلس التعاون، فإن البحرين هي الأولى في مقياس التنمية البشرية خليجياً.

وعرض المحاضر السياسات التي تتبعها البحرين، بحيث يعم الرفاه جميع أبنائها من خلال مجانية التعليم والصحة ودعم الإسكان، والتدريب والتمكين، والمساعدات الاجتماعية وضمان التعطل.

بعد ذلك فتح باب النقاش، حيث أبدى جميع من تحدّثوا استغرابهم لطرح المحاضر وكأننا لا نعيش في البحرين التي نعرفها، بل في بحرين افتراضية. أحد المتحدثين أوضح أن الزيادة في الصادرات الصناعية غير النفطية ازدادت بمقدار 27 في المئة طوال عقد، وأن الصناعة النفطية في انحدار، وأننا نعتمد اعتماداً شبه كلي على السعودية من خلال الجسر والنفط الخام المصدر والمكرّر، وعرض إلى معاناة الصناعيين البحرينيين حيث تم تملك جميع الأراضي وليس هناك من أراضٍ للمشاريع الصناعية الخاصة. كما عرض إلى تخلف البنية التحتية في البحرين مثل ميناء خليفة ومطار البحرين، وتراجع البحرين كحاضنة لشركات الطيران والترانزيت، وتراجع طيران الخليج مقابل ما يماثلها في دبي مثلاً، أي أن البحرين فقدت دورها الريادي في كل شيء بما في ذلك الخدمات المصرفية.

متحدثٌ ثانٍ طرح أن ما عرض أمامنا دغدغة لعواطفنا، حيث أن فرضية العبقرية هذه إن كانت صحيحةً في الماضي، فإنّها لا تصح اليوم في عالم معولم الاقتصاد، فالموقع الجغرافي المميز لا يعد امتيازاً، حيث أن بلداناً في أقاصي الأرض مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وحتى نيوزيلندا، هي اقتصادات عملاقة في قلب الاقتصاد العالمي.

أما بالنسبة لاستثمار النفط والغاز فقد جرى استثماره بطريقة غير اقتصادية، فمثلاً الغاز شبه مجاني لشركة «ألبا»، ومنتجات النفط شبه مجانية للبتروكيماويات، ما ترتب عليه استنزاف مخزون الغاز بحيث سنضطر لشرائه من الخارج (روسيا مثلاً) بأضعاف مضاعفة. كما ان التنمية والتوسع العقاري تم على حساب تدمير البيئة ومصادرة الأراضي والسواحل.

وإذا قسنا النتائج لهذه التنمية على المواطنين، فقد أصبحوا أقليةً في وطنهم، والبطالة في حدود 15 في المئة، وليس 4 في المئة كما تدّعي الحكومة. والتفاوت الطبقي يزداد بحيث أنه مقابل الكثيرين ممن هم دون خط الفقر، هناك تزايد في المليونيرية والمليارديرية. وفي حين تزدهر المشاريع العمرانية الخاصة، هناك ما يزيد عن 55 ألف أسرة بانتظار السكن المدعوم حكومياً، والهوة تزداد بين العرض والطلب، وتساءل: أي نجاح هذا إذاً؟

متحدّثٌ ثالث نبّه المحاضر إلى أن الرقم المعطى لمعدل دخل الفرد 6600 د/سنوياً هو رقم مضلّل، مثله مثل معدل دخل فرد بمليون وآخر بألف، فالمعدل هنا 5500 د/سنوياً، والأفضل هو تصنيف المواطنين بحسب فئات دخلهم، وأن الفقر في البحرين حقيقة واقعية.

تداخل آخرون عن تشريح التنمية في البحرين، حيث أنه رغم تنويع نشاطات الاقتصاد، إلا أن النفط والغاز والألمنيوم والبتروكيماوات تشكل كما ذكر أكبر جعفري 70 في المئة من الناتج الوطني العام، ولذلك فالتنويع محدود. كما أن أكبر فشلٍ للتنمية هو عدم التوجّه لاقتصاد المعرفة، مستفيدين من القوة البشرية المتطورة للبحرينيين، ومفاقمتها للتفاوتات الطبقية والاجتماعية والبطالة والإسكان.

أمام سيل هذه التفنيدات، حاول المحاضر أن يقدّم تبريرات غير مقنعة، ما جعل إحدى مسئولات المنتدى تسأل: هل عندكم رؤية مختلفة؟ رددت عليها: نعم، عندنا رؤية مختلفة، ولكن هل أنتم مستعدون لسماعها في ندوةٍ أخرى تنظمها جمعية المنتدى. والتحدّي مطروح على المنتدى وأمينه العام الصديق أبومروان.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4120 - الثلثاء 17 ديسمبر 2013م الموافق 14 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:04 م

      مرحبا د بسيوني!!!!

      قالها مرة بسذاجة في محاضرته لطلبة الجغرافيا ايه ده سايبين البحرين كلها ومتجمعين في ربع البحرين بس؟ وبتشتكوا من الزحمة؟!!
      لايدري ان اغلب البحرين املاك خاصة

    • زائر 9 | 7:26 ص

      انظر لحالي وحال من حولي

      راتب 250د وكثير من هم مثلي وهذا يقول دخل الفرد السنوي 6600د كيف اصدق ما يقول وانا ارى بعيني ولا عتب انه مصري ولو قال غير ذلك لطار لام الدنيا

    • زائر 7 | 5:44 ص

      يستطيع...

      يستطيع بسيونى(2) ان يصدر تقرير مفصل عن هذه المحاضره الفريده فى معلوماتها و التى صدمت كل الاقتصاديين بمختلف تخصصاتهم واتجاهاتهم وان يرسل هذا التقرير للأمين العام للأمم المتحده بشرط ان يلحق جميع التعليقات والتفنيذات لهذه المحاضره , فعبقرية المكان ستدل على فضيحة الزمان واوهام الخيال لاترسم واقع الحال و الاسترسال فى الكلام بدون بيان يؤدى الى الضياع والاهمال.

    • زائر 6 | 5:12 ص

      تنمية بدليل

      ان لليوم ما سلموا الاسر المنظوية بالضمان الاجتماعي مخصصهم الشهري والعادة ينزلونه كل 15 الشهر الا شهر الاعياد للحين مانزلوا لهم شيء هالفقارة الاسر تعاني من التنمية الماشية بالمعكوس فمن يتحمل عبء هالاسر المحتاجة ويصرخون ليل نهار تنمية وتنمية

    • زائر 5 | 5:05 ص

      البحرين للبحرينيين ولا يهم طائفتة ولا مذهبة

      العنصرية و الطائفية وعدم تطبيق القوانين على الجميع هو السبب الرئيسي في تخلف البحرين اقتصاديا فترى ان الاجنبي يعمل في وظيفة يستطيع المواطن شغلة و مثال المستثمر الاجنبي ك اليمني او الهندي او الباكستاني فقط يوظفوا مواطنين بلدانهم و لايحترم قوانين البحرين في المساواة و توطين الوظائف

    • زائر 3 | 1:46 ص

      محاضر في برجه العاجي

      أعتقد أن المحاضر مهووس بقراءة التقارير الرسمية والصحف الحكومية.

    • زائر 2 | 12:16 ص

      صباح الخير د.بسيوني

      الدكتور بسيوني عاش في البحرين ما يقارب العشرين سنة تقريبا عضو هيئة تدريس في جامعة البحرين ولكنه على ما أظن لم يعش في جوانبها وبطونها فهو كما يبدو منعزلا عن البحرين وشعبها ورغم أنه أكاديمي ويرى الواقع المتخلف والفقر الذي يبدو واضحا على وجوه الطلاب في الجامعة إلا أنه يكابر ويصف البحرين بأنها واحة لا مثيل لها في العالم ، ونموذج يجب أن يحتدي به ، ربما يكون الدكتور بسيوني بحاجة إلى مراجعة مواقفه ومصارد بياناته وكذلك نظارته ليرى الأشياء على حقيقتها وليست كما وردت في مصارد بياناته التي عفى عليها الزمن.

    • زائر 1 | 10:39 م

      الوهم والتخلف

      من عوامل تخلفنا ان نبقى نمدح الواقع المتخلف ولا نسمي الاشياء باسمائها وننتقد القصور. سياسة المبالغة في وصف المنجزات يقضي على فرص تصحيح الخلل والتطور

اقرأ ايضاً