ليس من السهل التطرق إلى موضوع الموروثات الموجودة في المجتمعات العربية التي غلفت بغطاء ديني حتى لا يتم تغييرها أو تبديلها وذلك لأكثر من مبرر وسبب. ولعل أكثر هذه المورثات تعقيداً عندما يأتي الحديث عن حقوق المرأة لأن ذلك يعد تعدياً على النظام الأبوي الذي نشأت عليه المجتمعات العربية وتحديداً في الخليج.
ففي منطقة الخليج يختلف الأمر في هذا الجانب مع درجة الوعي والتطور الذي صاحب النظام السياسي والاقتصادي، وهما بدورهما أحدثا طفرة في العقلية والوعي الثقافي والسياسي والحقوقي، حتى أصبح مصدر قلق لبعض دول الخليج، وأخرى شكّل عبئاً لها في تحسين الصورة الخارجية فيما يتعلق بموقع وحقوق المرأة التي يجب أن تساق بصورة تخدم النظام السياسي ضمن حزمة من الإصلاحات الشكلية وليست الجوهرية.
ويأتي مثلاً موضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة على قائمة ما تنادي به المرأة في بلد ما زال لا يعترف بذلك الحق، بل ويُعتبر البلد الوحيد في العالم الذي يحرّم هذا الحق في مقابل البحرين مثلاً، وهو بلد جار قريب جداً من السعودية تقود فيه المرأة البحرينية كافة أنواع المركبات دون حظر، وهو نقيض ما هو موجود ويُروج تحت عذر الخصوصية والموروثات الكثيرة.
هذه الأعذار انتقدت في فيلم «وجدة» المرشح حالياً لجائزة الأوسكار للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، القادمة من بلد لا توجد به حتى صالات عرض سينمائية.
طرحت فكرة هذا الأمر بطريقة جريئة وذكية لا تخلو من الثورية باتجاه تلك الموروثات التي تحتاج إلى تغيير جذري، وهو أمر قد يتحقق مع المرأة السعودية التواقة للتغيير. ويكفي أن نرى على مدى ثلاثة أشهر متواصلة استمرار حملة قيادة المرأة للسيارة في شبكات التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، وهو دليل حي على أن المرأة في السعودية بإمكانها أن تحدث التغيير من خلال ثورة ثقافية عارمة لن تجد من يوقفها ولا حتى جماعات القتل المجاني التي تموّل من أجل استمرار الإرهاب الفكري والجندري والمذهبي.
ما زالت الناشطات والنشطاء الداعمين لهذه الحملة يتعرضون لشتى أنواع القذف والتهديد لمجرد أن المرأة طالبت بهذا الحق، والأمر لا يتوقف عند موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية، ولكن المطالب المتمثلة في الحقوق السياسية والمدنية، التي ينادي بها نشطاء الخليج حتى تحولوا إلى مصدر إزعاج للحكومات.
وهي نتيجة طبيعية أفرزتها تلك المتغيرات السياسية والاقتصادية من عالم اليوم الذي تحول إلى قرية كونية صغيرة تتناقل المعلومة بالصوت والصورة بكل سهولة.
وفي خبر نشرته وكالة الأنباء الفرنسية (16 ديسمبر/ كانون الأول 2013) ناشد ناشطون من أجل الديمقراطية في الكويت بمنتدى منظمات مدنية، دول الخليج إلى ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واسعة لتبني دساتير وإنشاء برلمانات منتخبة تتمتع بسلطات فعلية وإجازة الأحزاب السياسية.
بيان المنتدى، الذي شارك فيه ناشطون ليبراليون وجامعيون ومدافعون عن حقوق الإنسان من دول الخليج، أكدوا أهمية تشريع الأحزاب السياسية وإنهاء سياسة الاحتكار بالمناصب في الوزارات السيادية والعمل على تعزيز حرية التعبير.
هذا جانب آخر من تطور الحراك المجتمعي في دول الخليج، وهو أمر طبيعي للتطورات التي صاحبت هذه المجتمعات منذ الطفرة النفطية وتأسيس الدولة الحديثة.
وما يحدث اليوم ما هو إلا جزء من تلك المتغيرات، ولا يمكن التصدي لذلك لفترة طويلة تماماً، نفس الأمر على موضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة، كون أن السياسيات القديمة أصبحت غير مناسبة.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4120 - الثلثاء 17 ديسمبر 2013م الموافق 14 صفر 1435هـ