العدد 4116 - الجمعة 13 ديسمبر 2013م الموافق 10 صفر 1435هـ

أكبر عصف ذهني عربي لحل أزمة البطالة

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أتيحت لي فرصة المشاركة في مؤتمر (فكر 12) بمدينة دبي في الفترة ما بين 2-3 ديسمبر/ كانون الأول 2013، والذي اكتسب هذه المرة العديد من المزايا، أهمها أنه استقطب 13 شريكاً معرفياً دولياً من بينها منظمة العمل الدولية والبنك الدولي ومنظمة الهجرة الدولية، وممثلين من جهات حكومية كوزارات العمل ودوائر التنمية الاقتصادية والشركات ومنظمات المجتمع المدني.

في تقديري أن أهم ما في المبادرة وما هو جدير بدفعها نحو الأمام، هو ربط المعرفة بالتنمية حيث يلامس شعار المؤتمر الحاجة الماسّة لمواجهة مشكلة البطالة التي يعاني منها الشباب العربي، والتي تمنعهم من تحقيق طموحاتهم وبناء مستقبلهم، باعتبار الشباب العربي المحرّك الأساس للتنمية نتيجة لعددهم الكبير والمتزايد والبالغ نحو (70-80) مليون بنسبة (1 إلى 4) من التعداد السكاني.

لأول مرة تقوم مؤسسة الفكر العربي بإطلاق استفتاء حول البطالة في الوطن العربي، واستحداث فرص عمل جديدة للشباب على أمل أن يتم تجاوز مرحلة إصدار التقارير وإجراء الدراسات والرصد الميداني، إلى مرحلة خلق وظائف حقيقية تضمن مستقبل الشباب خصوصاً أن عنوان المؤتمر «تحدي سوق العمل في الوطن العربي: 80 مليون فرصة عمل بحلول 2020».

لقد تعودنا في الوطن العربي أن تصدر القرارات قبل أن يتم (أو حتى دون أن يتم) أخذ رأي الشعب في تلك القرارات؛ مع أننا في جلسات وقاعات التدريب نكرر نظرية الهرم المقلوب في صنع القرارات، حيث ينبغي أن يستفتى الناس أولاً ثم يصنع القرار. نعم، يجب أن لا تبقى القضايا المهمة حبيسة الصندوق الأسود لا يعلم عنها أحد شيئاً؛ بل يجب استنهاض المواطن العادي للمشاركة في صناعة الخطط، ومن هذه الزاوية فإن المؤتمر وبمشاركة مختلف الأطياف يعتبر واحدةً من تجليات الممارسة الديمقراطية.

توفير 80 مليون فرصة عمل تحتاج إلى تضافر جميع الجهود لابتكار نموذج اقتصادي يسمح بخلق هذه الفرص، وهي جهودٌ ينبغي أن لا تقتصر على الحكومات فقط بل إن هناك أدواراً ومسئوليات يتسع مداها ليشمل القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني أيضاً. ففي جميع الدول المتقدمة يتم الحوار على أساس الندية والاعتراف بدور الآخر بين ثلاثة مكونات هي: الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

والمؤتمر حاول أن يوفر أرضية لتلاقي الأفكار والآراء بين جميع الأطراف المعنية، من مفكرين ومثقفين وخبراء ورجال أعمال وصنّاع القرار وممثلين عن شرائح مختلفة من نشطاء الشباب العربي الذين قاموا بدور ريادي في طرح محاولاتهم ومبادراتهم لإيجاد فرص عمل للشباب أنفسهم. ففي جلسة عنوانها «فكر وأفكار» عرضت على سبيل المثال تجارب متنوعة وعديدة لهؤلاء الشباب، وهي رغم بساطتها، تطوّرت بعد ذلك لتتحوّل إلى مشاريع عمل. وكانت كل تجربة تقدّم إحصائية ميدانية بعدد الوظائف التي هيأتها، وعدد من استفادوا بالحصول على وظائف من خلال تلك الفكرة، بمعنى أن الأفكار خرجت من الحيز النظري إلى حيز التطبيق الفعلي.

وفي هذا المجال أتقدّم بتوصيةٍ إلى المسئولين بأن يتم الاهتمام بالمبادرات الشبابية في جميع البلدان، على أن تحتضن وتتحوّل إلى عمل مؤسسي إذا أثبتت جدواها وأثرها في حل أزمة البطالة. فالمواطن العربي لم يعد يثق باللقاءات والمؤتمرات، وله العذر في ذلك، نتيجة الإخفاقات التي تسبب بها اللجوء إلى التنظير فقط دون أن تتحوّل التوصيات إلى نتائج ملموسة. وتفاعلاً مع هذه التجارب الشبابية، فقد أعلن عن تأسيس نواة بمسمى «مرصد الإبداع»، يهتم بعملية البحث عن الأعمال المبدعة لإيجاد فرصة عمل للشباب.

وقد منحت مؤسسة الفكر العربي (برئاسة الأمير خالد الفيصل) خلال اللقاء مجموعة من الجوائز لمستحقيها منها «جائزة الإبداع الأدبي»، «جائزة الإبداع العلمي»، «جائزة الإبداع الإعلامي»، «جائزة الإبداع الفني»، «جائزة الإبداع المجتمعي»، علماً بأن جائزة الإبداع لهذه السنة جاءت برعاية حصرية من الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك). وقد فاز بجائزة الابداع الأدبي الكاتب واسيني الأعرج من الجزائر عن روايته «أصابع لوليتا». كما فاز بجائزة أهم كتاب عربي 2013 كتاب «الشباب ولغة العصر: دراسة لسانية اجتماعية» لمؤلفه اللبناني نادر سراج (وهو كتاب جدير بالقراءة)، وقد أهدى المؤلف الكتاب إلى الشباب الذي أنتج في بلدان الربيع العربي (بلغته الخاصة) شعارات استطاعت أن تغيّر أنظمة.

ومن بين المشروعات النوعية التي أطلقها المؤتمر أيضاً مشروع «لننهض بلغتنا»، وهو مشروعٌ انطلق من تشخيص المشكلات الواقعية في اللغة العربية. وكذلك مشروع للترجمة بعنوان «حضارة واحدة»، وهو مشروع للترجمة من اللغة الانجليزية إلى العربية والعكس.

وفي أثناء المؤتمر أيضاً أطلقت المؤسسة «التقرير العربي السادس للتنمية الثقافية»، وبقراءة سريعة للتقرير نلمس محاولةً جادةً للإجابة على السؤال المحوري والمهم: هل التعليم والبحث العلمي في الوطن العربي هاجس أم حقيقة؟ حيث ناقش التقرير التكامل بين حلقات أربع هي: التعليم، البحث العلمي، أسواق العمل، والتنمية. وفي ظنّي أن هذه الحلقات الأربع هي في الوطن العربي الأكثر احتياجاً إلى الترابط والتخطيط حتى لا تحصل فوضى في النتائج.

مشروع مؤسسة الفكر العربي، من زاوية حضارية، هو منجزٌ لا يقل أهمية عن الفوز التاريخي لمدينة دبي باستضافة معرض (أكسبو 2020)، وفوز قطر باستضافة مونديال كأس العالم (2022). فقد وفّر هذا المؤتمر منصةً فريدةً لشباب الوطن العربي تسمح لهم بالتفاعل والتشبيك مع القادة الحكوميين وصانعي القرار ورجال الأعمال والأكاديميين والمثقفين وهيئات المجتمع المدني، وأتاح التواصل المباشر مع الناس في الميدان والساحة والشارع لفئة الشباب لصياغة خارطة طريق للمستقبل على نحو جماعي، وهي بمثابة فضيلة وطنية تتجاوز الاكتفاء بالتعليقات السلبية لكل خطوةٍ في الاتجاه الصحيح.

نحن لسنا بحاجةٍ إلى أن نضع الحصان أمام العربة، بل أن ندفع العربة إلى الإمام، مع ضرورة وضوح الرؤية. ويحضرني هنا ما قام به رجل الأعمال الأميركي تيد تيرنر، حين تبرّع بمليار دولار وخصّصها لنخبةٍ من المفكّرين والقادة للتباحث في إمكانية إنشاء ما أطلقوا عليه لاحقاً اسم «الإعلان العالمي لواجبات الإنسان».

نحن بحاجة إلى صرف الأموال بسخاء في مثل هذه اللقاءات وفي مثل هذه الجهود المتوجهة إلى تنمية الأوطان البعيدة عن الحزبية والطائفية والملتزمة بمبادئ الأمة وأخلاقها، وبنهج الحرية المسئولة. فهي قطعاً أجدى نفعاً من المليارات التي تصرف في تغذية الحروب وبثّ ثقافة الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد والشعب الواحد.

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 4116 - الجمعة 13 ديسمبر 2013م الموافق 10 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:24 ص

      جميل جداً فهل نراه متحققا على ارض الواقع؟

      مقالة جميلة جداً وأتمنى ان نرى نتائج هذا المنتدى على ارض الواقع. عالمنا العربي يزخر بالطاقات الخلاقة وهي بحاجة الى من يحفزها لتتحول الى منتج يأخذ المجتمع الى مستوى ارقى. سلمت وسلم يراعك المستنير والمعطاء عزيزي الدكتور منصور القطري.

    • زائر 1 | 3:49 ص

      يا أخي الكريم لا يراد لها عصف ذهني ولا جسمي

      كلما يراد لها عدالة وانصاف و حكمة من ذوي المسئولية ، كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، هذا قول نبينا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام والمفروض يطبق من المسلمين . و مثل ما علينا واجبات لنا حقوق ، وكلما يراد لها توزيع الأدوار بعدالة وضمير لا غير .
      ودام قلمكم الحر
      س ع

اقرأ ايضاً