ظاهرة العزوف الجماهيري في ملاعبنا الرياضية المحلية لا شك في أنها ظاهرة مقلقة وتستدعي تحركا عاجلا من أجل العمل على علاجها كونها باتت تمس صلب الحركة الرياضية، إذ من دون الجماهير تتحول الملاعب إلى ما هو أشبه بالمساكن المهجورة.

الجمهور ينعش الجميع من لاعبين ومدربين وإداريين ووسائل إعلام وحكام وغيرهم، فالجماهير تشجع وتقيم وتعطي الدافع المعنوي المطلوب للعطاء والتقدم.

لا شك في أن هذه الظاهرة التي تفاقمت في المرحلة الأخيرة تم التطرق إليها كثيرا في وسائل الإعلام المحلية، ولكن لأهميتها وتأثيرها على مجمل الرياضية البحرينية لا بد من طرحها دوما واقتراح الأسس العلمية لعلاجها.

لا شك في أن اللجنة الأولمبية البحرينية باعتبارها المظلة العليا للرياضة المحلية هي المسئولة عن دراسة هذه الظاهرة بشكل علمي ووضع الحلول المناسبة لها، غير أننا سنحاول في هذه العجالة إيجاد الأسباب التي تقف خلف هذا العزوف ونقترح بعض الأساليب للعلاج.

فمن أبرز أسباب العزوف الجماهيري باعتقادي هو ما حصل للصناعة الوطنية بدءا من السبعينات من القرن الماضي وإلى الآن والمتمثلة في الغزو الصناعي الخارجي الذي قضى على أي إمكانية لقيام صناعة وطنية منافسة.

فالبحرين بلد صغير وسوقه محدودة ومع الدخول الواسع للبضائع الأجنبية الرخيصة الثمن والعالية الجودة أصبحت صناعتنا الوطنية في مهب الريح بل شارفت على الاندثار وهذا يشمل أيضا القطاع الزراعي والقطاع الحيواني والسمكي وغيرها من القطاعات.

الرياضة ليست استثناء، وإنما هي تأثرت بشكل كبير بموجة البث الفضائي للدوريات العالمية التي تجذب المشاهد بمتعتها وجماهيريتها ونجومها وأموالها وهي كالصناعة الأجنبية التي غزت سوقنا المحلية.

معظم الجمهور الرياضي الآن بات يميل لمتابعة الدوريات العالمية بأسعار باتت في المتناول بعد حصول قناة الجزيرة على معظم الدوريات الرئيسية، حتى أن كل النقاشات في المقاهي والتجمعات باتت تنصب على هذه الدوريات وليس الدوريات المحلية.

وأما السبب الرئيسي الثاني فيعود إلى الظروف التي مرت على البلاد في السنوات الثلاث الأخيرة والتي دفعت القلة المتبقية من الجماهير في ملاعبنا المحلية إلى الابتعاد هي الأخرى لسبب أو لآخر.

المستغرب بالنسبة لي أن حتى جمهور المحرق المعروف بعشقه لفريقه وحضوره الكبير بات منقطعا بشكل غير متوقع عن المدرجات وهو ما انعكس على تراجع نتائج فريق كرة القدم في النادي.

المنامة في كرة السلة وعلى رغم عودته إلى سابق عهده إلا أن جمهوره لم يعد كالسابق وبات حضوره أقل بكثير مما كان عليه.

وقس على ذلك جمهور الأهلي وجمهور الرفاع وجمهور الحالة وجمهور سترة وجمهور المالكية وغيرها من جماهير أنديتنا المحلية.

ملاعب كرة الطائرة واليد ليست أفضل حالا إن لم تكن في حال أسوأ من ناحية العزوف الجماهيري.

هذا الواقع يتطلب تدخلا حقيقيا من اللجنة الأولمبية ومن الاتحادات الوطنية ومن الأندية، فلا رياضة ومنافسة من دون جمهور.

هناك تجارب مفيدة يمكن الاستفادة منها من دولة الإمارات العربية ومن المملكة العربية السعودية اللتين تشهد ملاعبهما حضورا جماهيريا معقولا.

كما لا بد من التوسع في استقطاب فئات الجماهير وعدم الاقتصار على شريحة واحدة باتت مبتعدة بشكل كبير عن ملاعبنا المحلية، ففي أوروبا الملاعب أشبه بالمهرجانات والأسواق ويحضرها جميع أفراد العائلة في رحلة نهاية الأسبوع.

نحن لدينا تجربة الفورمولا1 في استقطاب الجمهور حتى الذي ليس له علاقة برياضة السيارات، فالجو هناك كرنفال كامل بكل ما للكلمة من معنى.

قد نكون الآن في وقت متأخر للعلاج ولكن المحاولة والسعي أفضل من ترك الأمور حتى تندثر الجماهير كما اندثرت غيرها من قطاعاتنا الوطنية.