ذهَبَ أحمدي نجاد وجاء حسن روحاني. الأمر أبعد من اسميْن تناوبَا على موقع الرئاسة، بل هو تبدُّل كبير في مزاج الرأي العام الإيراني، وبالتالي انعكاس ذلك على السياستيْن الداخلية والخارجية. ألفان وتسع مئة وعشرون يوماً قضاها محمود أحمدي نجاد في السلطة، لم يستطع خلالها أن يُؤسِّس لمنهج إدارة سياسية «جاذبة» في حين فعلها روحاني خلال مئة يوم فقط!
عندما خرج محمد خاتمي من السلطة، في الثاني من أغسطس/ آب من العام 2005م (ورغم الاختلاف معه) كان لديه تيار سياسي، وخمسة آلاف موظف «دولة» يمكنهم أن يقولوا اننا «ننتمي» للخاتمية ولذلك العهد. لذا، كان «الظل» مجالاً جامعاً لهم بعد خروجهم من الحكم، وفرصة أكبر للتشكُّل أو الاندماج السياسي، بعد التغييرات التي حصلت في المسطرة الحزبية الإيرانية.
في الحالة النجادية، لم يعد الأمر كذلك، بل على العكس. فعندما خرج أحمدي نجاد من السلطة كانت إدارته «أوليغارشية» تشوبها حالة مُركَّبة من «الشَّلليَّة» الدينية والسياسية والثقافية، التي اعتمدها نجاد كخيار أوحد بَقِيَ له كي يُسيِّر شئون الحكومة، وبالتالي أصبح خروجه «بلا ضوء» ولا «أسف» من جبهة عريضة من الأعداء، تبدأ من الحرس الثوري وتمر بالبازار وفي اليمين ولا تنتهي برجال الدين في حوزة قم.
أكثر من ذلك، فإن جوقة لا يُستهان بها من العاملين معه في السلطة، أثبتوا أنهم قد عَمِلُوا إلى جانبه في ظل أجواء ضاغطة وغير منسجمة، ما بين الآراء السياسية وبين الآلية التنفيذية التي كانوا هم بصددها. وربما كشفت المراسلات المتبادلة ما بين نجاد وروحاني، وما قام به نواب برلمانيون من عمليات تحقيق في ملفات سابقة «اقتصادية» جزءا من ذلك، وبطريقة واضحة جداً.
لذا، فإنه وفي بداية الحقبة، التي تسيَّد فيها حسن روحاني كرسي الرئاسة (أغسطس الماضي)، بدت إيران «الداخل» مزيجاً رجراجاً من الرؤى والانتماءات السياسية «غير المحسومة». لم يعد هناك يمين خالصٌ ولا يسار خالص. وهي اليوم في طريقها نحو الفك والربط وإعادة التشكُّل كلما أبدت حكومة روحاني موقفاً تجاه القضايا الداخلية والخارجية، وكأن خريطة حزبية وسياسية جديدة تطوي خريطة الماضي، في طريقها إلى التموضع فوق أحزاب وتيارات وشخوص الداخل الإيراني.
هامش الحركة الممنوح للرئيس روحاني خلال هذه الفترة (وما سيليها أيضاً) سيكون مريحاً بالنسبة له، وكأنه يحوز على ثقة بلا حساب، في كثير من الأجهزة التشريعية والرقابية وفي الأحزاب وبيوت الصناعة الثقيلة، وذلك بسبب كسبه أصوات محاربيه، وفي نفس الوقت، أصوات الكتلة السياسية الكبيرة التي كانت تخاصم أحمدي نجاد، والتي رأت الأمل في أي بديل عنه.
لذا، فإن من الخطأ ألا تستثمر حكومة روحاني مثل هذه الفرصة التاريخية. فإذا كانت حكومة أحمدي نجاد هي الأغنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية كما قال روحاني (استحصلت على 600 مليار بفضل مبيعات النفط التي كانت أسعاره مرتفعه خلال تلك الفترة) فإن حكومة روحاني هي الأكثر انسجاماً في «الظل والتنفيذ» ضمن مرحلة البناء السياسي الجديد للداخل الإيراني.
أقول هذا الكلام والجميع يراقب الجدل الذي أثيرَ في إيران قبل أسبوعين تقريباً. فقد أثار نقدٌ وجَّهه حسن روحاني لأداء حكومة أحمدي نجاد لغطاً، دفع بالأخير لأن يطلب مناظرة مع الأول «تتضمّن نقاشاً واضحاً ومبدئياً ومستنيراً، من حيث الرأي العام، وتبديد شكوك وتأكيد الحقيقة نقية كما هي» كما جاء في رسالة نجاد لروحاني الذي قَبِلَ المناظرة «شرط أن يكون – نجاد - صادقاً».
والحقيقة، أن روحاني سيجانبه الصواب إذا ما قرَّر المضي قدماً في مجاراة مثل تلك المناظرات التي كان يُفضلها أحمدي نجاد، كونها الفضاء الرحب لتطبيق «الإلغائية السياسية» وتسقيط الخصوم، كما فعل في المناظرات التلفزيونية مع خصومه أثناء الانتخابات، وكذلك، خلال الخطابات التي تعرَّض فيها مباشرة إلى شخص «هاشمي رفسنجاني» و «محمود شاهرودي».
لقد طَوَت إيران صفحة من غياب الانسجام السياسي، وما أفضت إليه من انفجار الوضع الداخلي عام 2009 بُعيد الانتخابات الرئاسية والذي شبَّهه قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري في وقت سابق على أنه «أخطر من الحرب العراقية الإيرانية»، وبالتالي لا حاجة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وخلط الأوراق، لتُعاد الساقية من جديد إلى حيث ما توقفت عنده.
إيران، وبعد توقيع الاتفاق النووي المبدئي في جنيف مع القوى الكبرى (وتستعد إلى اتفاق شامل بعد عام حول ذلك الموضوع) لا تحتاج إلى شرخ سياسي داخلي، ولا إلى استغراق في الشعارات والتقييمات الجاهزة في الداخل، والتي قد تُضعِفها وتعيدها للطوباوية، بل هي تحتاج إلى تكريس الاعتدال السياسي والخطابي، وبناء ما هَدَمته الإلغائية السياسية خلال ثمانية أعوام.
مئة يوم، بدت فيه إيران مختلفة جداً، في السياسات والخطاب، ومد خيوط، وإبعاد التوترات، وأصبح داخلها أكثر انسجاماً إلى الحد الذي قَبِلَ بمفاوضات حكومته مع الغرب وبالتحديد مع واشنطن «علناً» بالتالي، فهي تحتاج إلى ما يُعضِّد من ذلك النهج، لا إلى مَنْ يخلط حابلها بنابلها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4111 - الأحد 08 ديسمبر 2013م الموافق 05 صفر 1435هـ
تحليل غير صحيح
تبعات ما سبق تم قطفه الآن...حينما فشل مخطط التركيع.
متابع ( 2 )
نرجوا من الكاتب أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟
نعم هو كذلك
حكومة أمير المؤمنين عليه السلام لم تعجب الكثيرين و السبب ارتباطها بالسماء
فلا عجب أن تقر عيون الكثيرين بعد نجاد ،لقد قرت عيوننا بنجاد و بروحاني و غيره لأنها خيار الشعب.
أحب الجمهورية
شموووخ أنف الجمهورية كان بعناد و صمود نجاد الذي هيأ الأرضية الخصبة التي يبني عليها روحاني المرحلة الجديدة
و صلح الحسن عليه السلام أدّى إلى انتصار ثورة الدم الحسيني و هكذا هذه الجمهورية بالنسبة لأحرار العالم هي امتداد للنهج و العطاء الحسيني.
اخي
طوال 8 سنوات من رئاسة نجات تطورت الصناعات العسكريه والطبيه والتكنولوجيه اوجاء روحاني ليكمل القصور في الجانب السياسي ، ونحن نبني القصور ونتسابق بالخيول ونطور الخرافات والاوهام فنوما هنيئا وخل يسمع العالم تطورنا في انواع الشخير
ايران الديمقراطيه
يحبيبي ايران بلد ديمقراطيه وبلد المؤسسات يعني كل رئيس يستلم أكمل خطة الآخر علما بان التقارب الإيراني الأمريكي في عهد احمد نجاة وخرج للعالم في عهد الشيخ روحاني عرفت الحين
الله يهديك
يحليلك زين اذا عندهم ديمقراطيه
المشكله الشيعه العرب و السنه العرب هناك مالهم وجود و انت تقول ديمقراطيه
السياسة الفخفخية
أرجو من الكاتب المحترم، الكتابة عن مخرجات التعليم في اقليم الاهواز في عهد احمدي نجاد، وسيكون من المفيد الاستشهاد ببعض الابيات لعمر الخيام وفردوسي.كما نامل منه كذلك التحدث عن دور الحوزة العلمية في التأثير على اسعار صرف التومان..
اتعلم
ما قلنالك بضيع واي السياسة الايرانية ،يبي لك سنين حتي تعرف.
انصحك بالكتاب عن الخليج او عن الرياضة احسن لك
سؤال
هل احمدي نجاد فوق النقد؟؟؟؟؟
نعم
روحاني مكمل الى خطه احمدنجا
رئيس الفقراء والمسحوقين
أحمدي نجاد رئيس الفقراء والمسحوقين
متابع
نرجوا من الكاتب أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟
متابع
نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب لنا مقالات تتناول الأمور التالية : 1- قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) ...... 2- سوريا : الواقع الميداني ، أين تسيطر المعارضة تحديدا و أين يسيطر النظام ؟ بغض النظر عن التهويل الاعلامي لكلا الطرفين ، و أيضا من يتقدم الآن عسكريا و سياسيا ؟ أم أن الوضع شبه ثابت ؟ نسبة الاراضي التي يسيطر عليها الطرفين ؟