تمثل الأختام الدلمونية المتأخرة أختام إقليم دلمون، وقد عثر عليها بأعداد كبيرة في البحرين وجزيرة فيلكا. والمرجح أن هذه الأختام ظهرت قرابة العام 2000 ق. م. واستمرت حتى قرابة العام 1450 ق. م. وتعتبر هذه الأختام امتداداً للأختام الدلمونية المبكرة التي سبقتها والتي عرفت باسم أختام الخليج العربي.
وعلى رغم التغير الطفيف في الشكل والتغير الكبير في فن النقش الذي طرأ على الأختام المتأخرة مقارنة بالأختام المبكرة، فإن الأختام الدلمونية بصورة عامة حافظت على الشكل العام لها وهو الشكل الدائري الذي له حدبة على الواجهة الظهرية.
وقد اقترح Hojlund في العام 2000م فرضية، مفادها أن شكل الختم هذا اقتبسه الدلمونيون من شكل لباس الرأس الملكي في بلاد الرافدين، والذي يعتبر رمز الملكية، وربما كان هذا الشكل له المعنى نفسه عند الدلمونيين أي رمز للملكية؛ وبذلك يعكس الختم التجارة المنظمة من قبل السلطة الملكية (Hojlund 2000).
بالطبع، لا يمكن الجزم بفرضية Hojlund فلاتزال تحتاج إلى الكثير من المعطيات لكي تتحول إلى نظرية ذات مصداقية عالية.
وعلى النقيض من شكل الأختام، التي لم تطرأ عليها إلا تغيرات طفيفة، فإن فن النقش على الأختام الدلمونية تغير بصورة ملحوظة، وقد تأثر بثقافات متعددة. وقد اعتمد فن النقش الدلموني على انتقاء عناصر فنية من ثقافات مختلفة ودمجها مع بعضها.
فنُّ النقش الدلموني
لقد تمت دراسة فن النقش على الأختام الدلمونية المتأخرة ومقارنته بفنون النقش من حضارات أخرى في عددٍ من الدراسات. وقد أوضحت تلك الدراسات تراجع التأثيرات السندية التي كانت سائدة في الأختام المبكرة وزيادة التأثيرات الأمورية أو السورية الفراتية والتي أصبحت واضحة في الأختام المتأخرة (Buchanan 1965) و(Kjaerum 1986).
وبالإضافة إلى التأثيرات الأمورية، فإن هناك تأثيرات من سوسة، والثقافة العيلامية (في إيران)، وتحديداً ما قبل عيلام Proto-Elamite والتي امتدت من حدود بلاد الرافدين، وكانت تضم معها سوسة، وحتى حدود شبه القارة الهندية (Amiet 1986) و(Winckelmann 2000). وكذلك توجد تأثيرات من ثقافة بكتريا - مارجيانا؛ حيث أثبتت الدراسة التي أجريت على فن النقش في دمغات الأختام الدائرية التي عثر عليها في منطقة Gilund في الهند (يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد)، بوجود رابط كبير بينها وبين فن النقش في حضارة بكتريا - مارجيانا، وكذلك، بينها وبين أختام دلمونية متأخرة تعود إلى العام 1900 ق. م. عثر عليها في البحرين وفيلكا (Ameri 2010) و(Potts 2005).
ومن خلال دراسة فنون النقش في عدة ثقافات يلاحظ وجود ثقافات معينة، كبلاد الرافدين والسند وغيرها، أصبحت مركزاً لإنتاج فنون النقش، بل إنها تعتبر مراكز انتشرت منها فنون النقش.
وفي المقابل كانت هناك ثقافات «مستقبلة» أو «طرفية»، مثل دلمون، اقتبست فنون النقش من تلك المراكز. وعند دراسة فن النقش في «مراكز الانتشار»، على سبيل المثال في بلاد الرافدين، فإنه يلاحظ أن لكل حقبة زمنية فن نقش معين له مواضيعه ورموزه وأشكاله وفنياته، وبتغير الحقبة تتغير أو تختفي مواضيع ورموز معينة من فن النقش لتظهر مواضيع ورموز أخرى؛ أي أن لكل حقبة من حقب بلاد الرافدين تكون فيها لفن النقش خصائص ومميزات معينة تختلف عن غيرها. بينما في دلمون والمناطق المجاورة لبلاد الرافدين، تتم عملية انتقاء لمواضيع وعناصر معينة من فنون النقش المعروفة في «مراكز الانتشار» ويتم استخدامها على الأختام الدلمونية.
وقد انتقيت مواضيع وعناصر من ثقافات مختلفة: بلاد الرافدين، سوسة، وما قبل عيلام (في إيران)، والسند. وقد أدت عملية الانتقاء هذه إلى ظهور مواضيع تلاشت في موطنها الأصلي، كما أدت عملية انتقاء عناصر فنية من مواضيع مختلفة ودمجها، إلى ظهور مواضيع مركبة تتكون عناصرها من عناصر سندية وإيرانية وأمورية في آن واحد؛ وهذا ما جعل الأختام الدلمونية تنفرد بأشكال وتركيبات خاصة بها (آل ثاني 1997، ص 159 - 164).
وبالتالي، فإنه ليس من الضرورة أن يكون هناك تزامن في المواضيع المنقوشة في دلمون وفي بلاد الرافدين أو المنطقة التي يرجح أنه أخذ عنها النقش، وليس بالضرورة أن يكون المشهد المنقوش في الأختام الدلمونية مطابقاً لتلك الموجودة في الأصل. وما ينطبق على الأختام ينطبق على أمور أخرى في ثقافة دلمون، على سبيل المثال، إعادة تقليد رمز رأس الثور السومري الأصل، وكذلك بناء معبد باربار الأول بنمط سومري، وكذلك تقليد عدد من العناصر من ثقافة سومر وثقافة بكتريا - مارجيانا والتي تناولناها بالتفصيل في فصول سابقة من هذه السلسلة ويمكن الرجوع إليها.
تصنيف الأختام الدلمونية المتأخرة
قسم Kjaerum هذه الأختام زمنيّاً وفنيّاً إلى أربعة طرز هي: IA, وIB, وII, وIII. وفي البحرين يعتبر غالبية الأختام التي عثر عليها تنتمي إلى الطراز IA، أما بقية الطرز فتعتبر نادرة، والمرجح أن هذا الطراز ظهر بين العامين 2025 - 1975 ق. م. واستمر استخدامه حتى قرابة العام 1850 ق. م. (Kjaerum 1980, 1986, 1994). وبعده ظهرت الطرز الأخرى، وهي طرز لا تختلف كثيراً عنه؛ حيث يصعب التفريق ما بين الطراز IA والطرز IB وII، فهي شديدة الشبه فيما بينها، بينما يمكن تمييز الطراز III عن بقية الطرز بصورة أسهل.
وهناك صفات مميزة لكل من الطرز IB، وII، وIII وتميزها عن الطراز IA. فالختم الدلموني من طراز IB يتميز بوجود صورة شخص جانبية غير متقنة الرسم؛ حيث يظهر شكل غريب لرجل أحدب الظهر، بالإضافة إلى ذلك تكون صور الحيوانات في الطراز IB أصغر حجماً من تلك الموجودة على الطراز IA. ويرجح أن هذا الطراز ظهر في العام 1870 ق. م. واستمر استعماله حتى بعد العام 1770 ق. م. (Kjaerum 1980, 1986).
أما الطراز II فيتميز بتصميماته الهندسية ونقش الوردة التي يتم نقشها باستخدام مثقاب مستدق. ويرجح أن هذا الطراز ظهر بعد العام 1750 ق. م.؛ حيث إن المثقاب المستدق لم يستخدم إلا قرابة هذا التاريخ في الأختام الأسطوانية في بلاد الرافدين والشمال السوري (Kjaerum 1980).
أما الطراز III فيعتبر أيضاً من الأختام النادرة في البحرين، وقد وصفت Denton هذا الطراز بصورة مفصلة في بحث مستقل، ومن أهم مميزات هذا النمط عدم وجود زخرفة الدائرة والنقطة على الوجه الظهري. والمرجح أن هذا الطراز ظهر في العام 1700 ق. م. واستمر استعماله وتطوره حتى العام 1450 ق. م. وقد عثر في البحرين على 12 ختماً فقط (Denton 1997).
العدد 4109 - الجمعة 06 ديسمبر 2013م الموافق 03 صفر 1435هـ