العنوان أعلاه مقولة تجبر من يؤمن بنيلسون مانديلا، الذي أطلقها لتكون دستوراً للأحرار ذات خطاب على الإيمان بها؛ فهي تمثل معنى الإنسانية التي لا تقبل عزلة المرء عن ألم من حوله، ولا تقبل إهانة بشريٍّ، ولا العيش بذلٍّ أو عبودية؛ فمن لا يستطيع دفع الأذى عمّن حوله، لابد وأنه يعيش ذلاً ضامراً أو ظاهراً، ولا يتمتع بكامل حريته.
أن تكون جزءاً من المنظومة البشرية من حولك، يتطلب منك أن تشعر بكل فرد بها، وتحاول أن تجنّبه الأذى ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فلا تكون ضدّه في فعلك أو قولك أو صمتك حين يحتّم عليك الموقف التكلم بالحق؛ فهناك مواقف مصيرية يكون فيها الصمت جريمة أيضاً كما الحياد أو الانحياز للظلم.
تلك المواقف التي تعصف بالبشر في كل ظرفٍ غير عاديٍّ تستطيع أن تفرز الناس ببساطة، فتعلي الإنسان الذي يتمتّع بكامل حريته وهي النتاج الطبيعي لمحافظته على ضميره وقلبه وانسانيته، بينما تضع ألف علامةٍ على من يتنصّل من فطرته الإنسانية التي ينساها أو يتناساها أو يغتالها بيديه كي يحظى بما هو ماديّ يتلاشى مع الزمن حين يختفي السبب، أو تتغير الحال، فلا يتذكره الناس إلا فيما اقترفته يديه من أذىً وسوء.
المؤمن بحريته وحرية الآخرين لا يُنسى مهما طال عليه الزمن، وهو ذاته ما أثبته التاريخ الإنسانيّ الطويل، حين خلّد المدافعين عن الإنسان باختلاف أعراقهم ودياناتهم وأيديولوجياتهم وأفكارهم وثقافاتهم، بينما أهمل الظالمين منهم وأغلق على ذكراهم باب النسيان، فما كاد يذكر منهم إلا أفعالهم التي قد تُسْتَحْضَر باستنكارٍ دون فاعليها ممن قد تذكر أسماءهم لينالوا العار أو الخزي.
وفي بلادي لم تكن الحرية عنوان شريحةٍ ليست بالقليلة، ولم تكن سمة من يجب أن يتمتعوا بها، ففضلوا العبث بكرامة شريحة واسعة، وفضلوا الصمت إن لم يكن الرقص عندما أهين من أهين من الشعب، بل وصفّقوا لمن سكب الدماء على الأسفلت وعلى العشب الأخضر الذي يبس من هول ما شهد، ونكأوا الجراح بالملح والفلفل، وهم يبتسمون على كل دمعة ويضحكون لكل صيحة ألم.
في بلادي نسي بعضهم معنى كلمة حرية حين تعلق الأمر بالمطالبة بها لتتساوى الفرص للجميع، لأنهم لم يفتحوا أعينهم ولا عقولهم إلا لما يمليه عليهم أسيادهم الذين لا يريدون إلا من يكبل نفسه بيديه ويسجد لهم تسبيحاً وحمداً.
في بلادي تجزأت الحرية لدى بعضهم، فصارت مطلباً واقعياً وبديهياً عندما تعلق الأمر بشعوب البلدان الأخرى، بينما كانت عبثاً وإرهاباً برغم سلمية المطالبين بها حين نادى بها كثير من أبناء شعبهم.
في بلادي نسي بعض البشر قول مانديلا: «الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حراً أو لا يكون».
في بلادي تذكر الجميع مانديلا حين رحل، وكتب معظمهم له عبارات الترحم وأبدى انزعاجه لموته، لكنهم لم يكونوا جميعاً متفقين على مبادئه على أرض الواقع، خصوصاً حين يتعلق الأمر بحرية الجميع في بلادنا.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4109 - الجمعة 06 ديسمبر 2013م الموافق 03 صفر 1435هـ
صدقتي يا عزيزتي
لكن هناك من تجرد من كل القيم الإنسانية وصاروا دون العبيد في حياتهم ومعاشهم...
..
في بلادي يسجن المرء لمطالبته بالحريه ويهان أمام أعين الناس لجرمه بمطالبة حقه
للاحرار فقط
هذا الكلام لا يفهمه الا الاحرار الذي تربوا على الحرية ،..............