الإصلاح الشامل أصبح ضرورةً قصوى في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بسبب النمو المضطرد والمتسارع في هيكلية المجتمع ووعي أفراده وانفتاحهم على مختلف التطورات من حولهم. إضافةً إلى ذلك فإنّ تعقيد المشاكل الحياتية وتعمقها في نظر معظم أبناء المجتمع يدفعهم دائماً إلى البحث عن مبادرات وخيارات الإصلاح وإيجاد بدائل مستقبلية أفضل.
إن تعطيل مشاريع وبرامج الإصلاح الشامل بكل تأكيد قد يخدم مرحلياً بعض المستفيدين وأصحاب المصالح، وعادة ما تقدم التبريرات والتفسيرات المضادة للإصلاح على شكل القبول بالوضع القائم على أنه أفضل من أوضاع مجتمعات أخرى، وهو أمرٌ لم يعد يقنع أكثرية الناس.
إن حالة اليأس والإحباط التي يعيشها أفراد المجتمع بسبب شعورهم بعدم وجود أفق للإصلاح، أو عجزهم عن التعبير الحر حوله كمطلب، يقود في أكثر الأحيان إلى القيام بوسائل اعتراضية أكثر وضوحاً تقود إلى النظر بسلبية إلى أي منجز وطني.
وبدلاً من خلق وإيجاد قنوات ووسائل مناسبة لمناقشة هذا المطلب الوطني والحوار حوله بكل شفافية ووضوح لاستيضاح أبعاده المختلفة وآفاق الإصلاح المستقبلية، فإنّه تستحدث أساليب ممنهجة للحد من التعبير عن الآراء التي ينادي أصحابها بالإصلاح .
وعليه فإنه ينبغي أولاً التعاطي مع المنشغلين بالعمل الإصلاحي على أنهم مواطنون واعون مهتمون بالشأن العام، ويسعون إلى التعبير عن وجهات نظر وآراء قد تكون غائبةً عن أصحاب القرار، والنظر إليها كاجتهادات في الشأن الوطني قابلة للمناقشة والأخذ بها أو ببعضها.
والإصلاح عندما يُدار بحكمة وبتخطيط سليم، وبمبادرة متأنية وبشمولية ووضوح، فإنّه يؤتي ثماره المبتغاة والتي تخلق حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي، أما إذا جاء بصورة انفعالية وكردة فعل لتطورات داخلية وخارجية فعادةً لا يكون ذا قيمة حقيقية ولا ذا جدوى.
كما إن الإصلاح لا يمكن أن يكون مجتزأ ومقتصراً على بعدٍ محدّد، لأن ذلك الجهد سيضيع في ظل عدم استكمال بقية عناصره التي تشكّل دائرةً متكاملةً ينبغي سدّ كل ثغرة فيها. فلا يمكن أن يحدث إصلاح ثقافي أو اجتماعي ما لم يرافقه إصلاح سياسي واقتصادي وإداري إلخ ..
هناك بالتأكيد العديد من الأنماط والأساليب والتجارب التي يمكن أن تكون نبراساً في عملية الإصلاح ولو مرحلياً، وتتطلب تفعيلاً حقيقياً للمجتمع المدني ومؤسساته كي تكون قادرةً على توظيف خطوات الإصلاح في الاتجاه الصحيح.
وأخيراً فإن برنامج الإصلاح من أجل أن ينجح ويحقق نتائج ملموسة، يتطلب وجود إرادة سياسية خلفه تدعم هذا التحول وتزيل معوقاته، كما تتطلب أيضاً توفير بيئة اجتماعية وثقافية تسمح بطرح وتبادل الأفكار الإصلاحية وتحمي معتنقيها.
مثل هذه الأجواء المنفتحة على آفاق التغيير والإصلاح والداعمة له هي ما يساهم في استيعاب التحولات الاجتماعية واستقطاب الشرائح الجديدة والتنمية في المجتمع وتشركهم في عملية تنموية مستدامة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4109 - الجمعة 06 ديسمبر 2013م الموافق 03 صفر 1435هـ