يعد المسلسلان التركيان «سنوات الضياع» و«نور»، اللذان تم إنتاجهما في العام 2000 أول أنواع الدراما الجديدة التي سيطرت على التلفزيون في العالم العربي، بعدما كانت مقتصرة على المسلسلات المكسيكية والفنزولية. إلا أن التركية هي الأخرى ما كادت تطل برأسها في التلفزيون العربي، حتى بدأت تزاحمها المسلسلات الكورية والهندية.
فبعد أن كنا نترقب بشوق المسلسل المكسيكي «ماريمار»، ونتوقع الأحداث بين فرناندو خوسيه وروزليندا في مسلسل «روزليندا»، أصبحنا ننتظر المسلسل التركي فاطمة (الموسم الثاني)، وأيضاً المسلسل التركي «على مرِّ الزمان»، وكذلك المسلسل الكوري حلم الشباب (الموسم الثاني)، بينما غابت الدراما الهندية بعد مسلسل «سجين الحب»، بالإضافة إلى غيرها من المسلسلات.
الدراما بمختلف أصولها وتنوعها أصبحت تحيط بنا بطريقة جعلتنا لا نعي مرور الوقت أمام شاشة التلفزيون، ولا ندرك الأعمال التي يجب أن نقضيها في هذا الوقت. فشغلنا الشاغل طيلة اليوم انتظار الأحداث بين البطلين في أي مسلسل، وكأننا مراهقون تحت الخط الأحمر على رغم عمرنا الحقيقي.
فكم لحظة انتظرنا أن يهدي البطل البطلة وردة أو تمنينا أن يوقف البطل زواج البطلة من آخر، كل هذا وإن لم نلاحظه، نفعله من دون إدراك. فما مدى تقبل المشاهدين لهذه الدراما الجديدة على واقعنا اليوم؟، وهل لها تأثير علينا كمشاهدين تختلف ثقافتنا عنها؟
«الدراما الكورية الأجمل» وجميعها مضيعة للوقت
تقول إحدى عاشقات الدراما الجديدة زينب أحمد: «جميع الدراما الجديدة رائعة، لكني أندمج مع المسلسلات الكورية أكثر، لما تحمله من أحداث جديدة نوعاً مّا وغير متكررة، كما في مسلسل أميرتي، فأنا أعتبره مسلسلاً ناجحاً جدّاً تميز عن كل سابقيه من التركي وحتى الكوري، فعلى رغم المشكلات التي واجهتها الأميرة (King Hena) في حبها للخادم، فإن حبهما كان الأقوى لينتصر على كل الظروف، بالعكس تماماً المسلسل الكوري الذي عرض أيضاً في الفترة السابقة (من أنا؟) فهو في الحقيقة لم يكن على المستوى نفسه».
وتواصل «برأيي هذه الدراما تحظى بمشاهدة كبيرة؛ لأن المسلسلات الخليجية هي واقع نحن نعيشه، فهي متكررة تعالج المشكلات الاجتماعية نفسها في المجتمع، كما أنها خالية من الرومانسية، بعكس الكورية والتركية التي تختلف كثيراً. ولهذه المسلسلات بالطبع تأثير لكن أي مشاهد قادر على التمييز بين الخطأ والصح وإن تأثر به، مثل الملابس وغيرها، وفي النهاية جميعها للتسلية ومضيعة للوقت».
الدراما الجديدة
غير منافسة بل محفزة
من جهته، أكد المخرج البحريني أحمد يعقوب المقلة - الذي أخرج العديد من المسلسلات الدرامية البحرينية والقطرية الناجحة - أن «الدراما الجديدة بمختلف أصولها وليدة تواصل المحطات مع بعضها بعضاً وانتقال المسلسلات بينها، إذ إن الدراما التركية، الهندية، الكورية وغيرها أعطت للمشاهد العربي ثقافة جديدة تختلف عن المكسيكية التي كانت سائدة منذ البداية، حيث إنها تعطي للمشاهد لوناً وثقافة مختلفة من خلال مواضيع وطبيعة مختلفة، بالإضافة إلى العاطفة التي ساهمت في زيادة الإقبال عليها، فعلى سبيل المثال الدراما التركية أدخلت المشاهد البيت التركي وعرفته على البيئة التركية بشكل كبير».
إلا أن المقلة يرى أن هذه الدراما الجديدة لم تكن في يوم من الأيام منافسة للدراما العربية، إنما هي محفزة لها لإنتاج الأفضل. فعندما ظهرت المسلسلات المكسيكية التي كانت الأولى في الظهور خطفت الأضواء عن طريق تقديم المسلسلات المختلفة، إلا أن المنتج العربي لم يقف عن الإنتاج بل سعى إلى تقديم الأفضل ليتناسب مع الجمهور، لافتاً إلى أن «الدراما مؤثرة جدّاً وخاصة على جيل الشباب حيث تكسبهم الكثير من السلوكيات في اللبس والمكياج وغيرها، وهنا تكمن مسئولية المنتجين في تقديم ما يرتقي بالمجتمع لا ما يدمره».
جودة العمل هي
التي تفرض وجوده
ويرى المخرج البحريني الشاب محمد إبراهيم - الذي أنتج مؤخراً سادس أفلامه القصيرة «صبر الملح» - أن «الوضع الدرامي لا علاقة له بدولة معينة أو بثقافة معينة، فالإبداع برأيه موزع في هذا العالم حول الفن السوري، التركي، الهندي، الكوري، الروسي، الإيطالي، الأميركي، الإيراني، والخليجي»، فالإبداع بالنسبة إليه وجهات مختلفة، وجودة العمل هي التي تفرض وجوده دائماً بغض النظر عن البلد المنتج. بينما يرجع أسباب الإقبال عليها إلى ما تحتويه من إبداع وأحداث ومشكلات مختلفة، بالإضافة إلى الجانب الترفيهي في بعض المسلسلات.
ومن وجهة نظره، فإن الدراما متفاوتة، فهناك الجيد وهناك الرخيص وهناك المتميز، مشيراً إلى أن لكل مادة تعرض على التلفزيون تأثير إيجابي أو سلبي؛ لأنها تصل إلى الطفل، المراهق، الرجل والعجوز، ما ينعكس على تصرفات المشاهدين في مجتمعاتهم في المستقبل. خاتماً حديثه بقوله: «الدراما قد تخلق جيلاً واعياً من خلال الأعمال الفنية المهذبة، وقد تخلق العكس».
عدم وجود اهتمام وقاعدة مهيأة
ويتحدث المدير التنفيذي والمخرج في إحدى مؤسسات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في البحرين، ومخرج لعدة أفلام قصيرة وأعمال تجارية ووثائقية، حسن الإسكافي، عن رأيه فيقول: «أفضل الدراما بين الموجودين حاليّاً هي الهندية، والتنويع فيما يعرض في الدراما العربية سبب الإقبال عليها، وما نفتقده في الدراما العربية هو عدم وجود اهتمام وقاعدة مهيأة للعمل تجعلنا نصل إلى مستوى هذه الدراما نفسها. وعلى رغم حقيقة نجاح البعض منها، فإنها تنقل إلى بلدنا الإسلامي ثقافات غربية مثل طريقة اللبس وعادات الحب المباح من دون قيود أو شروط».
حب الفضول والمعرفة نحو الثقافات الأخرى
من جانبه، قال مقدم بعض البرامج في هيئة شئون الإعلام ومن ضمنها برنامج «ديرتنا» خلال شهر رمضان الماضي، عيسى علي: «إن كل أنواع الدراما التي ظهرت في الفترة الأخيرة لها قبول معين من قبل المشاهدين؛ لأنها تأتي من مدارس فنية قديمة ومختلفة التوجه، وذلك لتنوع ثقافة وعادات كل أمة من الأمم، إلا أنني شخصياً أفضل الدراما التركية؛ لاقترابها منا كأمة عربية فكراً نوعاً مَّا».
ويضيف «حب الفضول والمعرفة لدينا كمشاهدين نحو الثقافات الأخرى هو سبب إقبالنا على هذه الدراما الجديدة حتى وأن لم نعِ ذلك أثناء مشاهدتها، فالاطلاع بشكل عام على حياة الآخرين شيء مشوق ويضفي لحياتنا الكثير، والأهم من ذلك وجود وقت فراغ لدينا، كما أن قلة الموازنة المخصصة للمسلسلات العربية أهم سبب في عدم قدرة الدراما العربية على الارتقاء إلى مستوى منافسيها، إلى جانب عدم دعم القطاع الخاص للمنتجين، فكثير من الأعمال العربية الناجحة والراقية في نهاية الأمر لا تلقى مردوداً ماديّاً كبيراً بسبب عدم التعاون بين القطاع الخاص والمنتجين والشركات أو القنوات الفضائية التي تبث الأعمال، بالإضافة إلى الأمور الفنية التي تتعلق بحساسية ومراقبة النصوص المكتوبة والتي تمثل هموم وحياة المواطن العربي، فهذه الرقابة تخسر الأعمال واقعيتها وقربها من المشاهد»، مؤكداً وجود تأثير سلبي أو إيجابي لجميع الأعمال الدرامية».
الفتيات لا يردن إلا شبيه
مهند والفتيان إلا نور
بينما لا يعطي أحد المهتمين ببعض أعمال الإذاعة والتلفزيون مصطفى أحمد، الأفضلية لأي من الدراما الجديدة، وذلك لمتابعته مسلسلاً تركي واحد صدم من حجم المعطيات الموجودة فيه، والتي لا تتناسب مع البيئة العربية بشكل عام. إلا أن توافرها برأيه يعود إلى قلة تكاليف شرائها وتوافرها على الدوام بعكس الانتاجات العربية التي لا توجد بكثرة إلا في شهر رمضان.
ويقول: «لا أحبذ ولا أدعو لمشاهدة الرومانسية منها بشكل خاص؛ لأنها مبالغ فيها بشكل كبير جدّاً، ولا تعكس واقعنا، فالمضمون الرومانسي هو سر انجذاب المشاهدين لهذه الدراما ولاسيما الشباب والشابات، بالإضافة إلى أن هذه الدراما تصور في بيئة إنتاجية حديثة ومغايرة عما هو مطروح في الإنتاج العربي. فاليوم التأثر بهذه الدراما أصبح قريب المدى، فالفتيات لا يردن الزواج إلا بشبيه مهند والشباب لا يريدون إلا نور».
الكفاءة العربية المفقودة
تعتبر أم زهرة الدراما التركية الأفضل بين الدراما، وذلك لما تحتويه من حب وغرام وقتال، وترى أن «الإقبال عليها يعود إلى القصص الجديدة فيها، بالإضافة إلى حب التعرف على ثقافة مناطق جديدة غير العربية، بينما تفتقر الدراما العربية إلى وجود ممثلين ومؤلفين ومخرجين يمتلكون الكفاءة والقدرات العالية، إلا أن هذه الدراما ممتازة ومسلية وفي الوقت نفسه لها تأثير من ناحيتين، الأول إيجابي يتمثل في الاستفادة من قصص المسلسلات لكونها عبرة، والآخر سلبي في تقليد المشاهدين للعادة غير الجيدة فيها».
الترجمة البسيطة والسلسة
إلى ذلك، يرى أحمد الحداد أن «الدراما الكورية أفضل الدراما الجديدة من النواحي كافة، وخصوصاً إذا كانت ترجمتها بسيطة وسلسة وتحتوي على الكثير من الطبيعة وبعيدة عن التصنع»، فيما يرجع أسباب الإقبال عليها إلى «حب الفضول لمشاهدة الدراما غير الخليجية، والتي تكون بالعادة أكثر مصداقية، أما بالنسبة إلى صعوبة منافسة الدراما العربية إلى الدراما الجديدة فهي لأسباب عديدة كقلة النصوص الواقعية لدى الخليجيين وقلة الاهتمام بالممثلين».
حياة المسلسلات اليوم
تنعكس على حياتنا
وترفض جليلة الحايكي متابعة الدراما بمختلف أجناسها في القنوات التلفزيونية، وذلك لاقتطاع أجزاء مهمة من المسلسلات لدرجة تؤدي إلى التغيير من قصتها بدرجة كبيرة. فالمشاهدون يفهمونها بشكل وهي شيء آخر. على عكس مواقع عرض المسلسلات على شبكة الانترنت، والتي نشاهد فيها المسلسلات على حقيقتها من دون أي قطع أو حذف.
وتواصل حديثها قائلة: «المشاهدون يتابعون اليوم هذه الدراما؛ لأنهم ملوا من المسلسلات الخليجية الميتة التي لا تحتوي على أي تطورات على عكس الأجنبية».
وفيما يتعلق بتأثير هذه الدراما على المدى البعيد، فهي ترى «إننا بالفعل نأخذ الكثير من عاداتهم، فعلى سبيل المثال الحب أصبح عاديّاً جدّاً في دولنا الإسلامية كما في المسلسلات التي نتابعها، فالمسلسلات سابقاً كانت تعكس حياتنا، أما الآن فإن حياة المسلسلات هي التي تنعكس على حياتنا».
مواقف مضحكة ومسلية
وأخيراً ترى الطفلة نور محمد (8 سنوات) أن الدراما الأحلى (كما وصفتها) هي الدراما الكورية، وذلك لما تحمله من مواقف مضحكة ومسلية.
وسط ذلك، يتضح أنه على رغم أن هذه الدراما جديدة نوعاً مّا علينا، فإننا في الواقع تابعنا الكثير منها لأنها أعجبتنا، ولاسيما الكورية التي أجمع الجميع على أنها الأفضل بين الدراما التي تعرض حاليّاً، بينما اختلفت الآراء فيما يتعلق بالأسباب التي تدفعنا إلى الإقبال على مثل هذه الدراما بين الرومانسية، وبين التسلية وتجدد وتنوع الأحداث فيها.
أما بالنسبة إلى تأثير هذه المسلسلات، فهو ما أكده الجميع بأنه سلبي بالدرجة الأولى، حيث ينقل إلينا ثقافات غربية تتمثل في الملابس والعادات والتقاليد، ولاسيما المشاهد الغرامية التي تختلف مع العادات والتقاليد وفق عقيدتنا الإسلامية.
العدد 4108 - الخميس 05 ديسمبر 2013م الموافق 01 صفر 1435هـ