المتابِع للسياسة، كالمتابِع لفيلم سينمائي «كاذب» لا نهاية له، يتحوَّل فيه الأصدقاء إلى أعداء (والعكس)، والحق إلى باطل، والشريف إلى دنيء! ومادام الحال كذلك، فلا خسارة إن عافها المرء حيناً من يومه. لذا، فإنني اليوم، سأترك الحديث عنها، لأتحدث عن موضوع يبدو أنه أصبح أحد أبرز الأخطار «الطوعية» التي تواجه الأسَر في تربيتها لأبنائها: إنها البرامج التلفزيونية «الكارتونية»!
هذا الموضوع لا يبدو أنه ينطوي على أيِّ قدر من المُزَاح. السبب، هو أنه يمسّ أهم أمريْن في حياتنا: نظام الأخلاق ونظام التفكير. الحجَر الذي قَدَحَ فيَّ نارَ الألم، هو اتصالٌ ورَدنِي من صديق، يستعلم فيه عن أشياء مُحدَّدة، ثم أخَذَنا الحديث إلى نواحي تربية النشء، وتوابعها وتأثيراتها ومؤثراتها، ومن بينها تلك البرامج.
والحقيقة، أن نظرَة سريعة على «العديد» من برامج «الرسوم المتحركة» في هذا الزمان، يجعلك في حالة ذهول نتيجة ما تُعرَض فيه من مادة سيئة. وقد تتبَّعتُ أحدها، وكان الأمر صادِماً جداً، إلى الحد الذي لم ألقَ وصفاً له سوى أنه ماخور تتفسَّخ على أثيره الأخلاق والسلوكيات الآدمية.
لكم أن تتخيَّلوا، أن برنامجاً «رسوماً مُتحرِّكة» صُمِّمَ لتسلية الأطفال «كما يُدَّعى»، يُشجِّع عن «طريق سلوكيات أبطاله» على ممارسات غاية في الانحطاط، كإخراج الريح، ونفث روائح كريهة من الفم، ووضع الإصبع في المنخرَيْن والتجشؤ والبصق والبخل والسخرية وغيرها.
والحقيقة، أن مثل هذا الحَثّ، هو هَدمٌ مفتوح للقيم والأخلاق والسلوك المنضبط. هدمٌ لأنه يُدمِّر، ومفتوح لأنه يأتي من مِخرَز الترفيه، الذي يلجأ إليه الصغار عادةً ليتسلَّوا به. بالتأكيد، هو ليس هدماً يوجهه أناس مُحدَّدون، ولكن هو يحمل صفة الهدم مادام معناه العداوة، والطمع في تسويق أي شيء من أجل المال. والحقيقة، أن تلك عداوة صريحة للأخلاق والقيم والسلوك.
أتذكر، أنه وفي عقد الثمانينيات، كان التلفاز المحلي لا يفتح إلاَّ عند الرابعة عصراً، ولم تكن هناك قنوات فضائية كما هو الآن، ولا شاشات غير ما يحيطنا قرباً «وبالكاد» من تلفزيونات دول الجوار، بعد أن يصعد أحد الصغار فوق سطح المنزل، ليدير رغوة الأسلاك المثبتة في الأعلى بيديه، ثم يصرخ على مَنْ يرقب الشاشة في إحدى غرف البيت، إن كان قد ظَهَرَ له ما كان مخفياً من قنوات خليجية، لكن ذلك الجيل كان في غاية السعادة والمرح، والأهم، أنه كان يرى فيما يُعرَض من برامج ورسوم متحركة الفائدة العلمية والعملية، والحث على الخلق القويم، القادرة على تكوين تصورات جميلة للحياة.
حتى مقدمة الحلقات الفنية كانت تحمل معانٍ راقية، فيها من المشاعر والذوق الرفيع لغة وحساً وصوتاً، إلى الحد الذي كان فيه صغار ذلك الجيل يحفظون عن ظهر قلب كل فواصل المقاطع، وأزمان الانكسارات اللحنيَّة، ونقاط الصمت، ولحظة الانطلاق مرة أخرى. بل وكانوا يحفظون حتى الأسماء الحقيقية للممثلين وأسماء المخرجين، وحتى السيناريست وجهة الإنتاج.
عرفوا كيف يُحبُّون ويُتقنون الخط العربي من خلال تلك البرامج. وعرفوا الرسم من خلال ما تعرضه من رسومات مبدعة، لأبطال، تظهر من خلالهم قسَمَات الوجوه، وكأنها تجاورك حداً بحد. وتعلَّموا استخدامات الأشكال، ومُسمَّياتها وإسقاطاتها على الأشياء الجامدة والمتحركة. وعرفوا اللغة السليمة من خلال ما كان يُنطَق بشكل مُتقَن، وبوتيرة صوت متناسبة، وأفواه ذات بيان.
عرفوا أين تقع بغداد من خلال الرسوم، وعرفوا مرسيليا والهند وأميركا واستراليا وجزر المحيط الهادئ والصحاري والبحار وتحولات أوروبا السياسية والاجتماعية وأنظمة السلامة الشخصية، من خلال تلك الرسوم. تعلَّموا من خلال تلك البرامج الاعتماد على النفس، والحث على العلم والعمل، وحب الوالدين ومداراة الناس، واجتناب الكذب وإعمال العقل والعاطفة معاً. كما عرفوا كيف أن في المجتمع فقراء ومحتاجين يجب السؤال عنهم ومساعدتهم.
وحتى عندما توالت السنون، كان ما يُعرَض للجيل الذي جاء لاحقاً غاية في الإبداع. السبب هو أن ما كان يُعرض في تلك الفترة، صادرٌ عن «مؤسسة تربوية غير ربحيَّة» وهي مؤسسة إنتاج البرامج المشترك لدول الخليج العربي – الكويت (كما يقول الفنان والمسرحي المعروف فلاح هاشم) وليس الأمر متروكاً إلى الحالة التجارية الصرفة، التي لا تنتظر سوى الربح والخسارة دون معايير أخرى.
كانت البرامج تُختَار على أساس «الملاءمة الثقافية»، ثم يُعاد «إعدادها مرةً أخرى من حيث الألفاظ والعلاقات الاجتماعية». وبعد أن يُترجَم النص، «يُنقَّح لغوياً وتربوياً من حيث الألفاظ والاصطلاحات والمضامين، بل يمكن تغيير القصة بأكملها»، كما يقول هاشم، فقط لكي تكون الذائقة مقبولةً في مجتمعاتنا وقيمنا. وهو جهدٌ مضنٍ مقارنةً بإمكانيات ذلك الزمان.
اليوم، عديدٌ من الرسوم، لا تتَّسِم بالجوهر الإنساني، ولا حتى بالأشكال والرسومات الطبيعية، ولا الملامح المتناسقة وكأنها مسْخ، فترى، أنفاً بطول ذراع، وأذناً بحجم خوذة، وفمٍ بحجم قاع قدم، وأسنان بحجم منشار! أشكال لا تدفعك حتى لتذوُّق جمال الرسم فضلاً عن الأصوات النشاز التي يُطلقها الممثلون، بقاموس أسوَد من الكلمات البذيئة، التي لا تُنمِّي ولا تُحفِّز، ولا تَحث، ولا تنهى.
خلاصة القول، هو أن العناية بالجيل الصاعد هو عناية بالمستقبل. وإذا ما استمرّ الحال على هذه الشاكلة، فإننا سننتظر جيلاً مشوَّه الذائقة في كل شيء، ولا يعرف الفصل بين الجيد من الرديء.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4107 - الأربعاء 04 ديسمبر 2013م الموافق 30 محرم 1435هـ
هذا ما يريدونه لجيل القادم
يريدون جيل هش بلا قيم ولا مبادئ ولا ذوق ليرتقي وكلما جلست مع الاطفال لاستمتع بالكارتون ارى الخبث ولا قيمه لها
زمان جميل
اما زماننا تغير قال احدهم لرمز كبير ان المؤمنون عندنا كثير فقال الرمز ايعطف الكبير على الصغير ايساعد الغني الفقير ايتواسون ؟ قال لا فقال الرمز هؤلاء ليسوا مؤمنين
مقال رائع
دمت سالما
ابو حسين
فعلاً هذة الموضوع جداً مهم ارجوا من الكاتب ان لايكتفي بهذة الموضوع فقط بل يطرح الموضوع اكثر من مرا حتى يفهم الناس اهمية متابعة اولادهم وحمايتهم من هذة الرسوم المتحركة الهابطة وهي في قنوات معروفة
إنفلات أمني كما إنفلات أخلاقي وتعدديه لكن الله واحد
يقال هنا بأن التربيه بحاجاه الى رعايه وعنايه ومتابعه كما الزرعه تحتاج الى بذره وتربه صالحه وتغذيه – يعني تسميد وماء وشمس وهواء لكن متى ما لم تعمر لا تخرب ولا تفسد كذلك ! هنا يقال أن أكثر المحطات التي تبث السموم للأطفال متسببه ومقصوده وأكثر هذه القنوا مملوكه لشركات إخوانجيه متأسلمه وتربي لها لحيه إلا أنها متشاركه ولا يعرف لها من المركات أو من المشتركات مع أبوجهل أو مع أبو سفيان! قرعويه تعجب من أمر المسلمون أي من المسلمين إخوان مسلمين إشلون؟
شكراً لكم ..
إلتفاته موفقه .. هناك الكثير من الكرتون الجميل و المسلي و التربوي و العلمي .. لكن مع الأسف لا يعرضون بل أختفوا و لا يوجد لهم أثر على النت أو غيره .. و القنوات تعرض الكرتون الفاشل في هذا الزمن ..
أعتقد هذا الموضوع يصب في جانب الغزو الفكري و الثقافي القادم من الغرب .. و لو لا ذالك لماذا لا يعرض الكرتون العلمي ذو الفائدة للمشاهدين و للفائدة و الإستمتاع بالكرتون ..
ما ليك إلا طه
قناة طه و بس هههههه
أحسنت
فعلا الرسوم المتحركة التي تعرضها بعض القنوات مأساة
جلست يوما اتابع بعض هذه القنوات مع ابنتي واذا:
واذا اسمع كلمات نابية وسفيهة تخرج من المتحدث في الرسوم المتحركة والكل يرمي الكلمات على بعضها وابنتي تسترق الكلمات دون مبالاة
بعدها أبعدت هذه القناة المشهورة بعيدا وعندما سألت ابنتي عنها أخبرتها أن ترددها ضعيف ولا يظهر في التلفزيون نرجو من البقية اتباع هذا الأسلوب أو مسح القنوات المسيئة لعقول فلذات أكبادنا وشكرا لكاتب مقال التذكير.
زمان راح
رحم الله رسوم زمان . أوسكار / سالي / توم سوير / بيبيرو / سندباد / ريمي / سنان / بشار / فلونة / افتح يا سمسم / بومبو / لبلبة / جورجي / احلى الايام / عدنان / جونغر / حكايات عالمية /
ولا عاد جازورا
الي اذا جاع مد السانه الى السيارة وبلعها ويقعدون الجهال يضحكون عليه او لعبة الاتاري ماريو الي يعجزون يبون يقتلون الوحش وهو يرميهم بالنيران الي تطلع من بوزه وما يقدرون عليه ويعيطون عليي منقهرين فيه ابويي مانقدر عليه واقوم اجرب وهم انا بعد ما اقدر عليه اه يازمان المسلسلات والرسوم والالعاب الحلوة حتى الاباء كانو يحبون يقعدون وي اولادهم يشاهدون وعن نفسي اشتريت ليهم حلقات توم سوير وليالي الاجازة اشاهد وياهم
غزو بصري
والمشكلة الأكبر أن الغزو تعدى نطاق التلفزيون ليصل إلى كل متعلقات الحياة فتذهب للسوق لترى هذه الشخصيات مرسومة على كل المشتريات بدءاً من الدراجة والحقيبة وصولاً إلى العلكة. فتصبح عينك متشبعة بهذه المناظر لتزاحمك حتى في أحلامك.
مقال متميز
مقال متميز اخ محمد دمت دائما موفق
احسنت
للاسف كثير من الآباء يثقون في هذه القنوات لمجرد انها مخصصه للأطفال وهم لايعلمون ماذا تبث من سموم .
اضافه للألفاظ الغريبه هذه القنوات تعرض الكثير من الأفكار الغربيه التي لإتمت بصله لديننا و لمجتمعاتنا و قيمنا ومع تكرار المشاهده سيبدو للطفل ان هذه العادات طبيعيه وسليمه.
للعلم كثير من الابلءفي الدول الغربيه يمنعون أطفالهم من مشاهده سبونج بوب على سبيل المثال وفي الدول العربيه كل مايعرض في قنوات الكرتون لا باس بمشاهدته .!!
مشكلة
فعلا مشكلة نتلمس آثارها البعيدة على الأ طفال و أفكار هدامة و سلوكيات رديئة
فعلا غزو فكري خطير
المشكلة عند إكتشاف الخطأ و أثرها يجب توفير البديل لها و لكن أين الحل ?????????????
صحة اناملك
كلام سليم وعين الصواب حقيقه اشكال ممسوخه للرسوم واصوات نشاز وخاصه قناة ام بي سي 3 وقد شفرناها ووغير القنوات
وهو المطلوب
وهذا ما تريده بعض حكومات الدول العربية تريد شعب نائم لا يفكر بشيء من اجل ان ينشغل بمشاكل تافهه ويبتعد كل البعد عن أمور السياسه و الحرية و المعتقدات الدينية للأسف وهو المطلوب
انحدار
المجتمع الانساني يتخلى عن القيم