العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ

الأختام الدلمونية ونموذج التطور الثقافي في إقليم دلمون

تناولنا في الفصول السابقة بصورة تفصيلية أنواع الأختام الدلمونية وتطورها وقد تناولنا بالتحديد أختام دلمون المبكرة وأختام دلمون الوسطية، وقبل أن نتناول أختام دلمون المتأخرة، سنتوقف قليلاً لمراجعة أهم النقاط في علاقة تطور الأختام ونموذج التطور الثقافي في إقليم دلمون والذي تطرقنا له سابقاً.

الأختام الدلمونية

غالبية الأختام التي عثر عليها في البحرين تنتمي لأختام الدمغ الدائرية والتي تعرف باسم «الأختام الدلمونية». ويبلغ أعداد الأختام التي تم نشرها من هذا النوع قرابة 454 ختماً. وتتميز هذه الأختام بشكلها الدائري، ولها وجه أمامي مسطح منقوش عليه، ووجه خلفي محدب وبه ثقب بحيث يمر منه خيط لكي يتم تعليقه. ويتميز الوجه الخلفي أيضاً بحفر ونقوش معينة يصنف على أساسها الختم. وقد قسم Kjaerum هذه الأختام زمنياً وفنياً، بحسب الزخرفة الظهرية والزخرفة الأمامية، لثلاث مجموعات أساسية، نذكرها هنا مع تغيير بسيط في مسمياتها وهي تعديلات ابتدعها كل من Beyer و Nayeem.

1 - أختام دلمون المبكرة:

وقد أسماها Kjaerum أختام الخليج العربي، ويرجح أنها ظهرت قرابة العام 2100 ق. م. وقد عثر منها في البحرين على ما لا يقل عن 93 ختماً من هذا النوع، بالإضافة لأعداد بسيطة عثر عليها في وادي الرافدين وشرق الجزيرة العربية، والمرجح أن هذه الأختام تم تطويرها في البحرين اعتماداً على نسخ أختام حضارات وسط آسيا وإيران (Kjaerum 1994 ،Parpola 1994 ،Laursen 2010). يذكر أنه عثر على أربعة أختام شبيهة بهذه الأختام في جزيرة فيلكا إلا أنها اُعتبرت أختاماً أحدث من أختام دلمون المبكرة وتُعتبر تقليداً لها، ولم يثبت للآن وجود هذا النوع من الأختام في جزيرة فيلكا.

2 - الأختام الوسطية:

وقد أسماها Kjaerum أختام دلمون الأولية أو أختام ما قبل دلمون Proto-dilmun. وتعتبر هذه الأختام حلقة وصل ما بين أختام دلمون المبكرة، السابقة الذكر، وأختام دلمون المتأخرة التي سنذكرها لاحقاً. وقد تم العثور على قرابة 20 ختم تنتمي لهذه المجموعة في البحرين. وتعتبر هذه الأختام نادرة في جزيرة فيلكا حيث إن هذه الأختام نشأت وتطورت في البحرين.

3 - أختام دلمون المتأخرة:

وقد أسماها Kjaerum أختام دلمون، حيث إن هذه الأختام تمثل إقليم دلمون، وقد عثر عليها بأعداد كبيرة في البحرين وجزيرة فيلكا. وقد ظهرت هذه الأختام بعد العام 2000 ق. م. وقد قسم Kjaerum هذه الأختام زمنياً وفنياً إلى ثلاث مجموعات: الطراز الأول ويقسم إلى قسمين، الطراز الأول أ (style IA)، الذي تنتمي إليه غالبية أختام دلمون المتأخرة، والذي تطور لاحقاً ليعطي الطراز الأول بـ IB، والذي يختلف عن السابق في بعض الفنيات، وهو طراز نادر؛ حيث لم يعثر في البحرين إلا على قرابة ستة أختام تنتمي لهذا الطراز الأخير.

أما الطراز الثاني II فقد ظهر بعد الطراز الأول، مع وجود فترة زمنية يتداخل فيها الطرازين. ولهذا الطراز ميزات فنية سنناقشها في فصول لاحقة. وأعداد الأختام التي نشرت من هذا الطراز ربما لا تتجاوز العشرة أختام.

وأما الطراز الثالث III فقد ظهر متأخراً، ويعتقد أنه استمر لفترة قصيرة في البحرين لكنه استمر لفترات أطول في جزيرة فيلكا وتطور عليها. والمرجح أنه ظهر في العام 1700 ق. م. واستمر استعماله وتطوره حتى العام 1450 ق. م. وقد عثر في فيلكا على 22 ختماً وبالإضافة إلى دمغة على الطين تنتمي لهذا الطراز، بينما في البحرين عثر على 12 ختماً فقط (Denton 1997).

نماذج التغير الثقافي في إقليم دلمون

فيما بين الأعوام 1600 و1500 ق.م. سيطر الكشيون (أو الكاشيون) على إقليم دلمون الذي يتكون من البحرين كمركز ويحيط بها جزء من شرق الجزيرة العربية، وتمتد شمالاً حتى جزيرة فيلكا؛ ونتيجة لذلك حدث تغير ثقافي وحضاري واضح لهذه المناطق التي كانت تسود فيها ثقافة دلمون. ويمكننا أن نميز نمطين لهذا التغير: الأول حدث في البحرين والثاني في جزيرة فيلكا.

ففي البحرين حدث تغير فجائي في الهوية، حيث تراجعت هوية دلمون المتميزة بفخارها وأختامها وظهرت الهوية الكشية؛ فقد لوحظ تغير فجائي في الطبقات الأثرية حيث تناقص فخار باربار المميز لثقافة دلمون وظهر فخار جديد ومنتشر بكميات كبيرة وهو الفخار الكشي، بالإضافة لاختفاء الأختام الدلمونية الدائرية وظهور الأختام الفراتية الإسطوانية الشكل. ومن الواضح أن الكشيين عملوا على طمس هوية دلمون؛ فالفخار الكشي صنع محلياً ولم يستورد من الخارج، يدلنا على ذلك طريقة عجن الطين قبل تصنيع الفخار منه والذي تميزت به الجماعات التي صنعت فخار باربار (أي الدلمونيون) حيث يتم خلط نسبة من الرمل بالطين بعدها يصنع منه الفخار. ويبدو أن هذه العادة في خلط الرمل تحولت لبصمة خفية تخص الدلمونيين الذين صنعوا فخارهم الخاص بهذه الطريقة (Denton 1991، p. 108)؛ وبالتالي، فإن المرجح، أن الفخار الكشي قد تم تصنيعه في البحرين بإيعاز من القيادة الكشية.

أما على جزيرة فيلكا فقد تأسست عليها حضارة قرابة العام 2000 ق.م. من قبل سكان وافدين لها من جزر البحرين (بالإضافة لأعداد أقل وفدوا من بلاد الرافدين)؛ وبذلك كانت تلك الحضارة شبيهة بحضارة دلمون - البحرين ولكن تختلف عنها بوجود تأثير فراتي. وعبر الزمن أخذ التأثير الفراتي في ازدياد مع تراجع تأثير حضارة دلمون حتى أصبح التأثير الفراتي هو الغالب، وذلك في عهد الدولة البابلية القديمة (بوتس 2003: ج1 ص461). وقد لاحظ Larsen من خلال دراسته للفخار في جزيرة فيلكا تغير متسلسل واضح في نمط الفخار؛ حيث يبدأ بفخار باربار المميز لحضارة دلمون، وبعدها يبدأ الفخار يميل نحو أنماط الفخار الخاص بالحضارات الفراتية حتى يتحول تماماً لفخار فراتي. وبدخول الفترة الكشية ينتهي فخار باربار تماماً من فيلكا ويبقى الفخار الكشي، ويبقى الرابط الوحيد بين الهوية الفراتية الجديدة التي تكونت فوق جزيرة فيلكا والهوية الدلمونية القديمة، التي كانت سائدة على هذه الجزيرة، هي الأختام الدلمونية والتي حافظت على شكلها الدائري (Larsen 1983، p. 249). إلا أن الرموز والنقوش التي توجد على هذه الأختام بدأت تتغير تدريجياً لتأخذ طابع فراتي. هذا النوع من التغير التدريجي شبيه تماماً بالتغير الذي حدث للأختام الدلمونية في بداية ظهورها في البحرين؛ حيث كان الوجه الأمامي ينقش عليه رموز حضارة وادي السند، ثم بدأ يتغير تدريجياً ليأخذ هوية مستقلة هي هوية دلمون المتأثرة بالثقافة الأمورية. وفي حين توقف تطور الأختام في دلمون - البحرين، استمر في جزيرة فيلكا هذا التغير التدريجي في النقوش، ولكن، باتجاه التأثير الفراتي. حتى أصبح الختم شبيهاً شكلاً بأختام دلمون الدائرية بينما نقوشه الظاهرية فراتية، فظهر الطراز الثالث من أختام دلمون الذي أستمر حتى قرابة العام 1450 ق. م. والذي عثر عليه بكميات أكبر في جزيرة فيلكا.

العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً