اتفق العُجْمُ مع العَجَم والعَرَبُ يرقبُون. ملفٌ أنهَكَ الدبلوماسية الدولية، وأتعب أذهان العالم وسياسييه. إنه ملف إيران النووي. كنتُ في السيارة، عندما أعلنت مفوَّضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي كاثرين آشتون عن التوصل إلى اتفاق بين القوى العظمى الست وإيران. كانت الساعة قرابة السادسة والنصف صباحاً، ما يعني، الرابعة والنصف بتوقيت جنيف التي عُقِدَت فيها المفاوضات وانطلق منها المؤتمر الصحافي للبارونة آشنون.
العالَم، كلُّ العالم، اشرأبَّت أعناقه إلى عاصمة الدبلوماسية العالمية جنيف، وشُنِّفَت الأسماع إلى ما كان يُقال، وحُملِقَت أعيُن فيما يُدوَّن. تُرى، لماذا كل هذا الاهتمام؟ الجواب باختصار: لأنه ملفٌ مُستَولَد بملفات سياسية واقتصادية وأمنية تخص مهجَع النفط، حيث منطقة الخليج العربي، فضلاً عن غرب آسيا ثم أيضاً «إسرائيل»، التي تمثل عنوان النفوذ والتواجد الغربي في الشرق.
دعونا نتحدث بشيء من التفصيل لكي نفهم حقيقة ما جرى: على ماذا كان الإيرانيون والغربيون يختلفون؟ وما هي السقوف التي كانت وحانت الظروف للتحدث عنها وفقاً لمنطق الزمن؟ وماذا حقق الجانبان من هذا الاتفاق؟ ومَنْ كَسبَ الجولة؟ حسناً، هنا وللإجابة عن كل تلك التساؤلات، يتوجب علينا الإشارة إلى مسألة تخصيب اليورانيوم، التي اعتُبِرَت أهم زاوية من زوايا المفاوضات النووية بين إيران والغرب، بل ربما كانت هي الوحيدة.
لو رَجَعنا بالذاكرة قليلاً، سنجِد، بأنه وفي العام 2009 طَلَبَ الغرب من إيران أن يُصفِّر مخزونها من اليورانيوم ذي النسبة 3.5 بالمئة والبالغ 1200 كيلوغرام من أصل 1500 كيلوغرام كانت في حوزتها، كي يمنحها 116 كيلوغراماً من يورانيوم مُخصَّب بنسبة 20 بالمئة كي تستخدمه في مفاعل طهران للأبحاث الطبية.
فنِّيُّو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أخبروا القوى العظمى، أنه ومن الناحية العلمية، فإن الـ 116 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20 بالمئة، يحتاج إلى 800 كيلوغرام من يورانيوم مُخصّب بنسبة 3.5 في المئة. لذا، فهم عَمدوا للطلب من طهران، كي تشحن لهم الـ 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض (ثمانون في المئة من مخزونها) أي بزيادة وقدرها 400 كيلوغرام على الكمية المفترضة، كي لا تتحصَّل سوى على 300 كيلوغرام، وبالتالي (وحسب اعتقاد الغرب) لا تكون قادرة على إنتاج يورانيوم مرتفع التخصيب.
أضِف إلى ذلك، فإن المُدّة الفعليّة لإنتاج الـ 116 كيلوغراماً من اليورانيوم بنسبة 20 في المئة هي ثلاثة أشهر، إلاّ أن الغرب، حدَّدَ سنة وثلاثة أشهر كمدة يلتزم فيها بتزويد إيران بتلك الكمية، أي بزيادة زمنية وقدرها أربعة أضعاف المدّة. رَفَضَ الإيرانيون الاتفاق، وانتهى الحديث عند هذا الحد.
في تلك اللحظة، لم يكن الإيرانيون عاجزين عن تسليم الكمية التي طلبها الغرب من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 3.5 بالمئة، والبالغة 1200 كيلوغرام، كونهم كانوا قادرين على إنتاجها عبر سبعة آلاف جهاز طرد مركزي، يُنتِج الواحد منها 0.214 من اليورانيوم في أقل من عام، أي إنتاج 1498 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب في بحر عام واحد، ولكنهم كانوا يُصرُّون على الرفض، وذلك باتباع سياسة كسب الوقت المزدوج بالتسريع بلا كوابح في مشروعهم النووي.
المشكلة أنه وما بين نوفمبر 2009 ونوفمبر 2013، وحسب آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن مخزون طهران من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 3.5 في المئة، قد وصل إلى 7154 كيلوجراماً وليس 1500 كيلوغرام كما كان، وهو ما يعني أن إيران لم تعد تملك سبعة آلاف من أجهزة المركزي، بل ثمانية آلاف وأربعمئة جهاز طرد مركزي، أي بزيادة 1400 جهاز (رغم أن وزير الخارجية الإيراني قال في كلمة له خلال احتفال بيوم التعبئة أن إيران لديها 19 ألف جهاز طرد مركزي). لذا، بدا واضحاً أن الإيرانيين كانوا يريدون دفعاً ببرنامجهم، كي يفرضوا واقعاً جديداً على أي اتفاق طويل الأمد.
ففي الاتفاق الأخير، لم يكن هناك حديث عن التخصيب بنسبة 3.5 في المئة، بل كل الحديث كان على مخزونها من اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وهو ما كانت تريده إيران. فالفرنسيون طلبوا أن تُحوِّل إيران مخزونها من اليورانيوم بنسبة 20 في المئة والتي تقدَّر بمئتي كيلوغرام إلى أوكسيد أو إعادة مزجه بيورانيوم غير مخصب لخفض مستوى نقائه. وهم بالتالي تفاوضوا ليس على أساس التخصيب بل على نِسَبِهِ العليا والدنيا.
وحسب تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قبل التوقيع على الاتفاق بثلاثة عشر يوماً، فإن فرنسا تريد «أن تتخلى إيران نهائياً عن التخصيب» بجميع مستوياته المنخفضة والعالية، مضيفاً أن «هناك أطرافاً تتقبل احتفاظ إيران بحق التخصيب ولكن بنسبة ضعيفة». هذا الانقسام في الرؤية بين الدول الغربية كان من أهم الأهداف التي سعت لها طهران خلال الفترة الماضية، حيث نالت ضمنيًا في الاتفاق الأخير حقها في التخصيب بمستويات 5 في المئة.
بعد التوقيع على الاتفاق، خرج وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليلقي تصريحاً لافتاً: «الفشل في التوصل لاتفاق كان من شأنه دفع طهران للتشدد». أي نموذج لكوريا شمالية في منطقة الخليج العربي. الولايات المتحدة كانت تدرك، بأن مفاعل أراك يعمل بالماء الثقيل، وسيُشغَّل رسمياً في الربيع القادم، وهو مُعَد لإنتاج البلوتونيوم، المُمَكِّن لليورانيوم عالي التخصيب (90 في المئة)، وبالتالي السير بسرعة نحو إنتاج قنبلة نووية، وهذا ما لا تريده.
كما أن الأميركيين يعلمون، أن امتلاك إيران لمئتي كيلوغرام من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20 في المئة، يعني أنهم ليسوا قادرين على إنتاجه فقط، بل إنهم باتوا قادرين على طي ثلثي المدة التي تُمكِّنهم من الوصول إلى اليورانيوم المشِع (90 في المئة)، وبالتالي صنع قنبلة نووية. لذا، فهم قبِلوا أن يُدرَج في «مكانيْن من البيان الذي تم الاتفاق عليه، أنه لا يوجد أي حل دون التخصيب»، وبالتالي الاعتراف ضمنياً بأن إيران دولة نووية بكوابح.
في المقابل، تلتزم إيران بـ: وضع منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية. وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة. تحييد مخزونها من ذلك اليورانيوم. تجميد العمل في مفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل المنتِج للبلوتونيوم. (وللحديث صلة).
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4100 - الأربعاء 27 نوفمبر 2013م الموافق 23 محرم 1435هـ
سلمت يداك بما كتبت
هكذا تزدهر الدول وتعيش الامم
في الخليج لا يوجد بحوث او صناعات متطورة
وليس من حق الشعوب التفكير لصالحها
لكن ايران حطمت هذه النظرية امام العالم
ننتظر قدرات دول الخليج !!!
نريد تعليقك سيدي الكاتب
شكرا
تحليل ممتاز
مقالات متناقضة
استريح لو سمحت ولا تعب نفسك بمقالات اخرى، راجع مقالاتك السابقة وستعرف السبب
افضل موضوع
قرأته لك لحد الآن
مقدمة جميلة..
المهم نريد من الاستاذ محمد بصفته مراقب ممتاز للاوضاع في عمان وايران ان يكون المقال الآتي عن دور عمان والسلطان قابوس تحديدا في في توصل طهران وواشنطن إلى اتفاق تاريخي ينهي حال القطيعة بين العُجْمُ مع العَجَم في نهاية المطاف..وان غدا لناظره قريب
ايران نووية
المهم هو ختام الامور وختام جنيف هو ايران نووية
واعتراف بدورها الاقليمي
واعتراف بدورها الاقليمي الاوسع
مقال مفيد
مقال مفيد جدا انصح بقراءته لانه يجيب على الاسئلة المثارة حول اتفاق الجمهورية الاسلامية في ايران والدول الاستعمارية شكرا اخ محمد