لنقرأ معاً هذه العبارة أولاً: «إذا نصحك أخوك بقسوة لا تقاطعه واستفد من ملاحظته، فوراء قسوته حب عميق، فلا تكن كالذي كسر ساعة منبهه التي لم يكن لها ذنب إلا أنها أيقظته»!.
لقد أثارت بعض الكتابات التي تطرق فيها كتابها لجانب من فعاليات موسم عاشوراء، هذا العام وككل عام؛ حفيظة البعض من المشاركين أو الذين وضعوا أنفسهم في موقع الدفاع عن بعض الممارسات التي اعُتبرت مبالغاً فيها وتضرّ بالعقيدة والدين.
ولنتفق هنا بأن هذا الأمر لا علاقة له بأي خلاف داخلي، أو تضعيف لجانب على حساب الآخر، بل أنه حالة طبيعية جداً في أي مجتمع غير ملائكي، فتجد من يبتدع ومن يرفض البدع، ومن يعود يدافع بقوةٍ عمّا أحدثه أو أحدثه غيره، والآخر يفند المرافعة السابقة، وهكذا يبقي السجال والمناقشات بين المؤيدين والرافضين. إلا أن الأهم أن تبقي الصدور منشرحة، والعقول واعية ومدركة لما يدور حولها، وأن القصد من وراء الملاحظات الودية، ليس ذات العقيدة أو العلماء والمراجع؛ بل ممارسات بعض العامة ليس إلا، والخوف من أن تصبح تقليداً يترسّخ ضمن العقيدة ولا يمكن الفكّاك منه بعد ذلك حتى بفتاوى العلماء والمراجع العظام.
ولا ننسى أن القرآن الكريم أول من نبّهنا لمثل هذا الأمر، وأعطانا أمثلةً عديدةً لتفكير الناس وولائهم وسرعة تغير أفكارهم وتلونها بحسب ثقافتهم وعلمهم وإدراكهم، وكيفية دخول البدع إلي تفكيرهم حتى ولو كانوا أتباع نبي الله مباشرة. وفي قصة أتباع النبي موسي (ع)، والسامري بعجله، عظة وعبرة. مع أن كل المدة الزمنية التي ترك موسى (ع) فيها قومه هي أربعين يوماً فقط، وانحرفوا عن الجادة والنبي وأخوه هارون موجودان معهم، فكيف استطاع سامري، وهو بشرٌ مثلهم، أن يضحك عليهم بقصة العجل الذهبي؟ وما قوم النبي نوح (ع) ببعيدين في المثل، فهو عاش معهم حوالي ألف سنة، ومع ذلك لم يرتدعوا عن رفضهم للعقيدة وبدعهم القديمة، ولم يتبع طريق الحق معه سوي ثلة قليلة. كما لكم في قصة النبي عيسي روح الله (ع) أسوة طيبة في المثل الثالث، فمن الذي شوّه عقيدته الربانية سوى أتباعه، وبعضهم كانوا من المخلصين كما ادّعوا؛ فكيف بنا ونحن بعيدون زمنياً عن فاجعة كربلاء بحوالي 1374 عاماً!
إذن هي صفة الإنسان، ونحن لسنا استثناءً فيما يحدث من حولنا وفي بيتنا. فالصنمية المحسوسة، والجاهلية الممدوحة، هي ديدن معظم بني البشر الذين تأبى نفوسهم وعقولهم إلا أن تتعبّد بها مع وضوح شمس رب العباد الحقيقي أمامهم، حتى لتكاد تُغشي الأبصار. ولأن هذا الأمر أقلق بعض الحريصين على وحدة البيت، فقالوا لماذا تشغلون أنفسكم بحلية أو تحريم هذه الممارسة أو تلك، دعوا الخلق للخالق ورفقاً بالعلماء. فردّ عليه آخر، بأنه لم يذكر أحد العلماء أو زجّوا باسم أحد منهم هنا أو هناك، بل الحديث هو عن ممارسة مجموعات معينة لتقليدٍ ما. ولا يمكن بدافع الحفاظ على البيت المحب لأئمة آل البيت أن يُسكت كل صوت يسعي للإصلاح من الداخل دون الاستعانة بالخارج، تأسياً بنفس دعوى الإصلاح الأولى على لسان الإمام الحسين (ع)، وإلا لماذا نعزّي أنفسنا والعالم من حولنا باستشهاده، ونبحث في مسيرته الإصلاحية وليس في مقتله فقط؟
فهو ليس نقداً كما يتصوّر البعض، بل هو محاولة طيبة للتطهير، ولتصحيح ما يجري من تحريف ليس إلا، ولا يقولن أحدٌ دعوا كل شخص برأيه وممارساته، لأن القضية ليست رأي آحاد وممارسة فردية في زاوية بيت أو غرفة مغلقة، بل هي ممارسة جماعية لهذا التقليد وعلى الفضائيات التي تنقله حباً فيه، أو بغضاً وتشفياً منه!
فما أجمل أن نحذف أولاً من صدورنا كل غل، ونأتي لننشط عقولنا لتقبل كل رأي ومناقشته باحترام، وبأسانيد، وإثباتات عالية الجودة، ومتينة المصدر، لنسير في طريق التفكير العلمي السليم، مع الحرص على حذف الفيروسات الخطيرة والإبقاء على الملفات النافعة وغير الضارة بجهاز العقيدة وآليات ممارساتها. فالدين الذي يدعمه حُسن التفكير يصبح حياة البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة، أليس كذلك؟
بناءً عليه، نعود لنخاطب مرةً أخرى كل عقل فطين يتحرى الحق ولو كان في الصين، بالقول الرصين. فمن يتتبع مفاصل التاريخ وبعض جذور البدع في الدين الإسلامي، دون استثناءٍ لأية طائفة، يجد أن معظمها جاءت من مناطق المشرق التي دخلها الإسلام متأخراً بعض الشيء، سواءً في مجاهل صحاري المغول والتتار (وهم بدو آسيا)، وأرمينيا، أو من سكان الجبال على حواف صحاري وسط آسيا من أوزبك وبخاريين وتركمان وسلاجقة وغزنويين. هؤلاء وهم من الأصول القبلية الآرية، كانوا يعبدون الطوطم وطقوسه المتنوعة قبل دخولهم الإسلام، ولذا عندما دخلوا الإسلام نقل بعضهم، للأسف، أسوأ ما لديهم من رموز عبادة الطوطم، فتعبدوا بإسلامٍ محمدِ المظهر، طوطمي الممارسة، وهذا انعكس في سلوكياتهم حتى اليوم. ومما زاد الأمر سوءاً؛ أن القبائل الآرية كانت تجهل القراءة والكتابة عندما ظهرت على مسرح التاريخ أول مرة، وما المغول والتتار الذين دمّروا الحضارات التي زحفوا إليها إلا مثلاً بائداً منهم... وللحصاد بقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4098 - الإثنين 25 نوفمبر 2013م الموافق 21 محرم 1435هـ
لاتزال..
لا تزال يا اخ محمد تتهم الشعائر بأنها مستورده من هنا ومن هناك كل الشعوب وعظماء التاريخ هم الذين استفادوا من الحسين وكل الشعائر الحسينيه التى تمارس الان لها صبغه وظلال من كربلاء وما يقوم به المواسون سوى التعبير عن اللوعه والمواساة لما اصاب ال الرسول(ص) واستحضار بعض مشاهد الواقعه , وهذه الاشكالات لا تطرح الا ايام عاشوراء..حتى انهم استشكلوا على العباس لماذا لم يشرب الماء حتى يتقوى ولايموت واستشكلوا لماذا حمل الاطفال وزجهم فى المعركه وهكذا لم يدركوا الحكم والاسرار لمعركة الطف وجرح الجبهه قليل جدا.
ممارسات تشوة مذهب اهل البيت عليهم السلاتم
مع الأسف الشديد بعض العلماء والمراجع وخطباء المنبر من التيار المتعصب !!!! يباركون ويفتون بجواز هذة الممارسات بأنها من الشعائر المباحة و المستحبة غي احياء عاشوراء الحسين مثل المشى على الجمر و....وغيرها من الممارسات التى لا هدف لها ولا تخدم اهداف الحسين لا من قريب ولا من بعيد وهل خرج الحسين وضحى بنفسة واهل بيتة عليم السلام لاجل هذة الخزعبلات والممارسات الرخيصة هدفة كان اسمى وارفع ولأجل الأصلاح ابحثوا جيدا عن حقيقة هذة الممارسات من اين اتت وكيف وسوف تجدون الجواب وكفى وكفى تشوية
الفقهاء والعامة
الكاتب يحاول الفصل بين بعض الممارسات التي يقوم بها العامة والفقهاء، غير أنه نسي أو تناسى أن العامة تمارس الشعائر التي أجازها الفقهاء أنفسهم.. كالتطبير والزنجل والمشي على الجمر.
الحل ببساطة لا يعدوا كونه تعبير عن فكرة وعاطفة، فلا تحاواوا استخراج النار من الماء.