قبل يومين، افترضنا «غَلَبَة» الأسد في الصراع السوري. قلنا حينها، أن غَلَبتَه ستُفضِي إلى قبضة أمنية أكثر تطرفاً ضد معارضيه في الداخل والخارج، دون أن يعني ذلك تأييدنا لعسكرة المعارضة ضده (والتي عارضناها منذ أول يوم لظهورها وتشكلها)، كون إشباع القاع الأهلي بالسلاح، يمثِّل كَعب أخْيُل التحوُّل السياسي في الدول والأنظمة الحاكمة. وربما الأمثلة لدينا ليست ببعيدة، لا زمنياً ولا جغرافياً، لكي نعضِّد قولنا.
اليوم، سأفترض العكس. ماذا لو غَلَبَت المعارضة السورية «المسلحة»؟ ولإنصاف العقل والضمير، لا يمكنني إلاَّ أن أستخدم ذات المصطلح «غَلَبَة» المعارضة المسلحة على «انتصارها» لذات الأسباب التي سقتها في المقال السابق. فما يجري اليوم ما هو إلاَّ ميزان عبثي للأخلاق والقيم، ولم يعد هناك برزخ يفصلهما بشكل حاد أو حتى نسبي، لكي نفاضل بين الحاليْن.
نأتي الآن لافتراض اليوم: ماذا لو غَلَبَت المعارضة السورية «المسلحة»؟ الجواب باختصار: لن يكون الحال أفضل مما كان، والسبب، أن المعارضة السورية المسلحة، «تعلم ما لا تريد لكنها لا تعلم ما تريد» كما قال المفكر العراقي غسان العطية. إنها اليوم معارضة، تتسلَّى بالمسمَّيات لحد الإسهال، وبالانتماءات الفرعية لحد التشظِّي، وبالرغبات لحد السَّفَه، وبالتطرف لحد الطفولة، أكثر من كونها معارضة تمتلك مشروع دولة، حتى ولو كانت بمستوى «طغيانٍ مستنير»!
هي لا تعلم، أنه كلما انشطرت الشرعية، شاخت أوعيتها، سواء أكَانت دولاً أو حركات أو سياسات. وكلما انشطرت هوياتها، ضاع جامعها، وأصبحت سَهلة المضغ في أفواه الدول المحيطة. وهو ما يحدث اليوم في سورية دون زيادة. ففي حاضرها، لم تعد هناك معارضة واحدة، بل معارضات، ولا شِرعة واحدة بل شِرَع، ولا هوية واحدة بل هويات، لذا، فإنها لم تعد ترى في غيرها سوى أنه خصم، لا حق له في أن يبقى حياً، فضلاً عن أن يشاركها حكماً، أو يزاحمها فيه.
ما يخيف في الأمر أكثر، هو أن المشهد السوري المعارض في جانبه المسلَّح، وإن كان يعترك في الجغرافيا السورية إلاَّ أنه يُسرِّج خيوله عبر الرئة العالمية للأفكار المتطرفة المتدفقة إليه من كل صِقع. فضلاً عن وضع عديد من الدول (عبر أجهزة استخباراتها) أنوفها في تلك المعركة، لتدير بها مصالحها الخاصة، وهو ما يزيد من أوار النار، ويجعلها كالمواقد التي لا تنتهي بإطفاء رؤوسها، وبالتالي يصعب حتى التكهن بمدى القدرة على إطفائها، أو المدى الزمني الكفيل بإنهائها.
ذلك الأمر، يعيد إنتاج الاستبداد ولكن من خلال مِخرزٍ آخر. الصوت الأوحد. الرجل الأوحد. الفكر الأوحد. كلها مظاهر الاستبداد التي عانت منه سورية لعشرات السنين، ليأتي هؤلاء، فيُكرِّسونه عبر أثير المعارضة المُدَّعاة! وإذا كان النظام المستبد قد قَبِلَ بتطعيم نظامه بأسماك زينة كي يُقال عنه بأنه يقبل الرأي الآخر، فإن هؤلاء لم يعودوا قادرين حتى على هذا النهج المتخلف!
لنا أن نتخيَّل، بأن جماعة معارضة في سورية، تقوم بقطع شجرة بلُّوط في ريف حلب، عمرها مئة وخمسين سنة، والسبب أنها تعتبرها صنماً يُلهِي عن ذكر الله! تُرى، أين هؤلاء من مفهوم الدولة المدنية والنضج السياسي؟ لنا أن نتخيَّل، أن جماعة سورية معارضة تطلق النار على صبي لم يبلغ الحلم، فترديه قتيلاً، متهمة إياه بالتطاول على الرسول الأعظم (كذباً)، كيف لها أن تذعِن لاحقاً لمراتب القضاء والأمن، وتلتزم بغير قانون الغاب الذي تُسيِّره الآن في شوارع حلب والرقة؟
لنا أن نتخيَّل، بأن مقاتلين ينتمون إلى جماعة «داعش» يقومون بقطع رأس مقاتل منهم، ثم يُبرِّرون فعلتهم بأنهم سمعوه وهو في حالة التخدير بعد إصابته في المعارك، وهو «يردد اسمي الإمام علي وابنه الحسين» وكأن الإمام علي ليس خليفة المسلمين، وزوج بنت نبيهم، ولا أن الإمام الحسين، هو سبط نبيهم ولا سيد شباب أهل الجنة! تُرى، كيف سيتعامل هؤلاء الهَمَج مع أربعين طائفة ومنهجاً وعرقاً في سورية «الجديدة» وهم غير قادرين على التعامل مع الظنون؟
اليوم هناك أربعمئة فصيل مسلح في سورية. هؤلاء، حوَّلهم الصراع شيئاً فشيئاً إلى أمراء حرب، يستولون على المناطق فيُحوِّلونها إلى مشروع حكم بائس، همُّه الأول، تحطيم تمثال السيدة العذراء، وهارون الرشيد، وأبي العلاء المعرِّي، والحرية ومراقبة اللباس. هؤلاء لا يمكنهم أن يُبشِّروا بجمهورية «موز» فضلاً عن أن يُلزمهم «رايخستاج» أو «مجلس تأسيسي» بقرارات الدولة الديمقراطية.
قبل أيام، أصدر أبو عبد الرحمن المصري، ممثل الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» في مدينة الباب بريف حلب فتوى تقول: «كل من يؤيد الائتلاف الوطني (السوري المعارض) أو يثبت التعامل معه، سيفصل رأسه عن جسده»! دققوا: الائتلاف الوطني، وليس حزب البعث! هذه هي اللغة السائدة اليوم عند المعارضة المسلحة! لا يستطيع أحدٌ أن يقبل أحداً، ولا يستطيع أحد أن يُمثِّل أحداً، ولا يستطيع أحد أن يُلزِم أحداً، وبالتالي لا مستقبل مع هذه العدمية السياسية والفكرية ومع هذا الانفلات!
هذا المسلك، لا يُبشِّر إلاَّ بصومال جديدة! إنها الصَّوْمَلَة المبكِّرة على الطريقة السورية، وعلى أيدي أرَعن الخلق! وبالتالي، لا أحد يعتقد، أنه في ظل غَلَبَة مثل هذا النوع من المعارضة السورية، ستنال سورية وسينال السوريون الدولة التي قدّموا من أجلها آلاف الشهداء ومثلهم من المعتقلين، بل سينالون مزيداً من الخراب، ما دام أولئك النفر هم المهيمنين على القرار.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4097 - الأحد 24 نوفمبر 2013م الموافق 20 محرم 1435هـ
الاستاذ محمد يكتب كمراقب للاوضاع ولكن البعض من القراء سامحهم الله قبل الانتهاء من قراءة المقال ...
يبادرون بارسال تعليقاتهم رأسا ولا ضرر في هذا ولكنهم ينسون محوي وموضوع الرسالة ويركزون علي المرسل وشخصنة الرد مع انه يكتب بشكل مهذب ولغة عربية سليمة ومفردات منتقاة و ببنظرة موضوعية متجردة ؛ ولكن هناك من لايعجبه العجب ولا الصيام في رجب. المهم نريد من الاستاذ محمد بصفته مراقب ممتاز للاوضاع في عمان وايران ان يكون المقال الآتي عن دور عمان والسلطان قابوس تحديدا في في توصل طهران وواشنطن إلى اتفاق تاريخي ينهي حال القطيعة بينهما في نهاية المطاف..وان غدا لناظره قريب
وجة نظر
اختلط الحابل بالنابل فيما يسمى بالمعارضه السوريه ولم تعد تمثل احد في سوريا ..لان معظمهم ان لم يكن غالبيتهم جاءوا من الخارج لاهداف طائفية ليس لها علاقه بالمطالب المشروعه للشعب السوري الذي لا حول له ولا قوة خصوصا بعد تسليحه من قطر والسعوديه وتركيا والدعم اللوجستي من امريكا وبريطانيه وفرنسا ....فلو انتصر التكفيريين القتله لاصبحت الارض السوريه بحار من الدم السوري
ابو حسين
يا استاذ محمد عبدالله المحترم,, من الشعب السوري وجميع الشعوب العربية
المطالبه بحقوق المشروعة من حرية والكرامة وديمقراطية حقيقي والعدل
والمساواة بين كافة مكونات المجمع الاسلامية وغيرها ولكن مع الاسف الشديد
الخطاء الكبير عسكرة الثورة ودخول كل من هب ودب من جماعات ومنطمات
جهادي تكفيري ارهابية مسلحة لاتعترف بحقوق الاخرين ومع دول وحكومات عربية
لا تعترف بحقوق شعوبها ولا تقر بالديمقراطية والتعددي انما لاسباب سياسية
خاصة بها كانت النتجية خسارة الشعب السوري ودمار البلاد
عجبا منك
المعارضة السورية بكافة فصائلها وأحزابها وتنوعها الفكري أكبر من أن تجمعها أنت كما فعلت في مقالك وتعمم عليها حوادث فردية يشمئز منها السوريون قبل غيرهم والذي تأكد بأن أغلبها مجرد اشاعات أو ردات فعل على مجازر الطاغية .. الشعب السوري الذي يدك ليل نهار بالسكود والصواريخ والأسلحة الثقيلة والكيماوي والذي يعاني من الاحتلال الإيراني وإجرام مرتزقة حزب الشيطان ومرتزقة العراق له الحق في اختيار مستقبله كما يحق لباقي الشعوب .. وتأكد بأن الناس أعقل من استبادل طاغية بآخر حتى لو تستر بعباءة الدين
أحسنت القول ونعم المقال
حقيقة مرة ومستقبل مظلم ودمار شامل في حال استمرار الإرهاب في سوريا. البعث لن يستطيع استيعاب الديمقراطية ولا المعارضة ولكن الناس مضطرة الى ان تقبل به بدل اهل الارهاب والقتل العشوائي.
صبااح الخير
دائما مااقوول بأن مقالاتك واقعيه وهذا ماتعودنا عليك أستاذ محمد هنااك تطرف وهنااك عمل وحشي بدون تردد يعجبني في مقالاتك عدم التناقض ولا تميل لأي فصيل بوركت سيدي اتمنى في مقالاتك القادمه أن تشخص الوضع في البحرين من الجانبين معارضه وحكومه دوون أسفاف وشكرا
علي نور
مقالك اليوم ينظبق عليه تماما القول الذي ذكرته (تعلم ما لا تريد لكنك لا تعلم ما تريد) فانت تعلم ان مقالاتك هي اشبه ما تكون بمقالات وظيفية ذات تراكيب لغوية منمقة لا وظيقة لها سوى التاجيج ،ولعمري انك لا تعلم ما تريد منها سوى (واسمح لي في هذه ) استعراض قدراتك اللغوية على حساب الموضوعية والانصاف. المعارضةالتي ايدتها وشجعتها هي التي اوصلتك الى مقالك اليوم واخشى من اليوم الذي تصل فيه لحد ان تكتب مقال تقول فيه انك لا تدري ما تريد يتبع
هنيئا لك يا علي نور
هنيئا لك يا علي نور ببشار الأسد الديكتاتوري الوحشي الذي أدخل للعراق عشرات الإرهابيين ليفجروا المساجد والحسينيات والأسواق منذ العام 2006!! استمتع بالعبودية وعبادة الفرد
تعلم لغة عربية يا ولد نور أبرك لك
إذا انت عاجز ياولد نور عن فهم كلمات المقال روح تعلم لغة عربية ابرك لك الا اذا انت تعتبرها ليست لغتك الام . والسلام
hassan
ونعم الرد، رؤية سطحية من بداية الازمة، و اتذكر كلام السيد نصرالله، سيأتي يوم و تعرفون اهمية تدخل الحزب ،،،
علي نور
والان بعد ان تكشفت لك المعارضة بوجهها الحقيقي القبيح ، اين انت منها اليوم وهل مازالت معارضة شرعية في نظرك تستحق المدح والتاييد والثناء كما كنت تفعل لها سابقا؟ وهل مازال النظام يكذب حتى في نشرات الاحوال الجوية كما كنت تقول ويستحق الهجوم والانتقاد؟ اليس من الخير لو انك وظفت مقالاتك في الدعوة الى الحوار حقنا لدماء الابرياء وهاد ما كنا ندعوك اليه منذ بداية الازمة عبر تعليقاتنا التي كانت تنشر والتي تحجب لكنك اذن من طين واذن من عجين ! يتبع
علي نور
طيب ادا كان الحال هو كما تقول(نظام سوف يدمرالبلد لو غلب ، ومعارضة سوف تخرب البلد لو غلبت) مالحل في نظرك؟ يبدو لي انك في مقالاتك يصدق عليك القول «تعلم ما لا تريد لكنك لا تعلم ما تريد» لقد كنا ننادي عبر تعليقاتنا هنا سواء التي تنشر او التي تحجب الى توظيف قلمك في الدعوة الى الحوار بين السوريين بدل من ان تشمر عن ساعديك في الهجوم على النظام لانك تعلم ان الازمة لا يصلح لها التفنن في استعراض مقالات ليس لها نصيب الا في تاليب معارضة ايدتها ضد نظام هاجمته والنتيجة هي ما وصلت اليه الاوضاع يتبع
ثورة سوريا لو كانت فعلاثورة الشعب لانتصرت
ولكن دخلها اشرار القوم فاكثروا فيها الفساد
لا بشار و لا معارضة الدولار
كشخص زرت سوريا في ثلاث حقب مختلفة (الثمانينات، التسعينات و عام الفين وعشرة) اتألم لما يجري في هذا البلد فشعبة بين نار نظام البعث القمعي الدموي و بين نار جماعات التكفير و القتل على النيات. سوريا بحاجة لمعارضة وطنية قرارها من الداخل و ليس لاي دولة سلطة عليها اما الوضع الراهن فهو كما قال الكاتب مشروع صومال جديد.
محرّمات
في ظل حكم بشار الأسد، ستأمن على نفسك لو ابتعدت عن الحديث في السياسة فحسب، اما في ظل داعش والنصرة واضرابها، فلن تأمن على نفسك حتى ولو بالحديث عن نفسك فقط .. المحرّمات .. تبدأ من الحديث في الدين ولا تنتهي بالحديث عن الطبخ!!
فهل تعتقدون ان السوريين ينتظرون منكم ان تقرّروا أنتم من يحكمهم؟
قبل يومين
قبل يومين عندما كتبت ضد بشار الأسد تهجموا عليك واليوم سيمدحوك ويرفعوا من شأنك لأنك كتبت ضد المعارضة السورية! من تناقضات مجتمعاتنا