أضحى هجاء الربيع العربي ووصفه بأقذع العبارات وتحميله كل مصائب العرب والعجم، الشغل الشاغل للحكام العرب الخائفين وبطاناتهم وحوارييهم. فالربيع العربي يوصف بأنه الربيع الدموي والشتاء العربي والخريف العربي، وأنه السبب في بحور الدم التي جرت في ليبيا وتجري في سورية، وهو السبب في الخراب الاقتصادي، وهو السبب في سيطرة القوى الإسلاموية المحافظة والمتطرفة ووصول بعضها إلى الحكم كما في تونس وليبيا ومصر والتي شهدت ثورات الربيع العربي.
كل هذا الهجاء وكأن بلاد العرب الممتدة من المغرب حتى البحرين، كانت تعيش في بحبوحة وهناء وسلام، فالحريات شائعة والاقتصاد مزدهر، والأمان سائد، والعلاقات ما بين الحكام وشعوبهم علاقات مودة، والعلاقات ما بين الدول العربية أفضل ما تكون من تعاون وانفتاح وحدود مفتوحة. والحقيقة ألا حاجة لنا لدحض كل هذا الهراء، فمنذ استقلالات الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية، وحال العرب من سيء إلى أسوأ، باستثناء فترات قصيرة كالحلم في بعض البلدان العربية، وهدنات متقطعة لعلاقات احتراب ما بين الدول العربية والتي مكنت العدو الصهيوني من أن يحتل كل فلسطين، ويصول ويجول على امتداد الوطن العربي، حتى فرض الاستسلام والإذعان على البلدان العربية المحيطة بفلسطين المحتلة بدعم وإسناد من حليفته الولايات المتحدة، وتواطؤ المجتمع الدولي ومنه منظومة الدول العربية وجامعتها العتيدة وبدرجات متفاوتة ما بين الرفض اللفظي، والعلاقات الخفية، حتى العلاقات العلنية الكاملة بما في ذلك معاهدات السلام واتفاقيات التعاون والتبادل الدبلوماسي والتجاري والثقافي بما في ذلك بعض دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب العربي.
لا حاجة لنا لاستعراض الأوضاع المأساوية في معظم البلدان العربية والتي ما أن أشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على صفعة وجهتها شرطية تونسية حتى أشعل الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه لتخرج الملايين من العرب نساءً ورجالاً، شيباً وشباناً، وغالبيتهم غير منتمين لأحزاب المعارضة، ولا متبحرين في السياسة، خرجوا بشجاعة نادرة كاسرين المحرمات وجدار الخوف، ومجتازين كافة الخطوط الحمراء من ساحة الفنا في مراكش، عبر القصبة في تونس، وميدان التحرير في القاهرة، حتى بعض دوارات اللؤلؤ في الخليج العربي، غير مبالين بالموت الذي ينتظرهم من قبل أنظمة لم ترحم.
الربيع العربي بكل ما أثاره من آمالٍ للشعوب المطحونة عانقت السماء، وعاشت هذه الجماهير في مساحات الاعتصام أياماً وليالي سعيدة تجاور فيها من لا يعرفون بعضهم كأخوة متحابين، لا يسألون عن نسبهم أو حسبهم أو دينهم أو مذهبهم أو أيدلوجيتهم. كلهم يحلمون بوطنٍ تصان فيه الكرامة والحرية والعدالة.
لن أنسى عندما سألت أحد المعتصمين في دوار اللؤلؤة عمّا يعني له الدوار، فردّ بعفوية: «إذا كانت الأرض فراشك والسماء لحافك وكل من هم حولك أصدقاءك، فأنت في دوّار اللؤلؤة». وهو قولٌ وجدت تعبيراً له في كلّ الساحات التي زرتها في المغرب وتونس والقاهرة، وصنعاء والكويت والبحرين. وآسف لأنني لم أحضر ساحة الكرة الأرضية بصحار ولا الجامع العمري بدرعا.
وبالطبع لم تسر الثورات كما حلم بها ملايين العرب، فمن كانوا هم مادتها وقياداتها ومنهم سقط الشهداء والجرحى والمفقودون، وهم الذين دمرت بيوتهم وفقدوا ممتلكاتهم، وهم اليوم الذين يدفعون ثمن الأزمة الاقتصادية الطاحنة في بلدانهم. لماذا حدث ذلك؟ الأسباب عديدة وقد عرضها العديد من الباحثين. هذه الملايين الثائرة تفتقر إلى التنظيم والخبرة السياسية، كما أنه حتى بعض القوى الشبابية ذات التنظيمات والخبرة السياسية فشلت في التحالف، وتشكيل شكل جديد من التنظيم الذي يضمن قيادة سفينة الثورة في وسط البحر الهائج لأي ثورة. كما أن قوى الإسلام السياسي من إخوان وسلف وأصوليين وغيرهم، ورغم اضطهادهم من قبل الأنظمة الاستبدادية السابقة، ظلوا الأكثر تنظيماً وانتشاراً في أوساط الجماهير البسيطة من خلال شبكة المساجد والمعاهد الدينية وغيرها، حيث ظلّ الكثير منها بمنأى عن سيطرة أنظمة الاغتراب والاستبداد العربية. هؤلاء في تونس ومصر واليمن وليبيا مثلاً، لم يكونوا هم الذين فجّروا الثورات وانتفاضات الربيع العربي، بل انتظروا حتى يتأكّدوا من تطور الأحداث حتى تأكد لهم أن الثورات والانتفاضات تتطوّر بهم ومن دونهم، فسارعوا إلى ركوب قطار الثورة، وزجوا بأنصارهم واستخدموا إمكاناتهم الكبيرة، المدعومة من قبل دول النفط الخليجية والإعلام الخليجي، في أكبر عمليةٍ لحرف الثورات وسرقتها واحتواء الأنظمة الهجينة الناتجة عنها، ولذا ليس غريباً عن قيادات تدّعي أنها نتاج هذه الثورات، أن تسارع إلى طمأنة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، بل وطمأنه «إسرائيل» على الالتزام بالتحالف، وطمأنه الأنظمة الخليجية على التحالف الراسخ لتكريس النظام العربي، وإدارة الظهر للثورات والانتفاضات في البلدان العربية الأخرى، بل والهجوم عليها واعتبارها حركات مذهبية وفوضوية، والتنكر لمن قاسموهم غربة المنافي، والزنازن المظلمة.
ليس غريباً على الأنظمة الاستبدادية وحوارييها هجاء الربيع العربي، فقد ارتعبوا من رياحه العاتية التي تكنس في طريقها ركاماً من العفن، وتحرّر الملايين من عقودٍ من الخضوع والاستعباد، والتحوّل من رعايا إلى مواطنين كاملي الأهلية والحقوق.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4096 - السبت 23 نوفمبر 2013م الموافق 19 محرم 1435هـ
بدأت ثورات وانتهت في يد أمريكا والعملاء من الانظمة الرجعية
في اعتقادي أن أفضل ناتج عن هذه الثورات هو الاطاحة بالاخوان المجرمين
فهؤلاء هم عملاء ووباء بثوب اسلامي. ملؤا العالم العربي حقد وكراهية، تكلموا بنفس طائفي بعيض.
نحمد الله على دحرهم وهذه ان شاء الله خطوة في الاتجاه السليم.
عبرة
ادارة الظهر للثورات الاخرى ماهو الاعلامة توجه المتسلقين ومهاجمتها ما هو الا بداية نهايتهم بعد انكشاف ظهورهم المدارة
الأنظمة
الأنظمة العربية الرجعية مستعدة لإنفاق الأموال الطائلة للتشويه الربيع العربي