العدد 4095 - الجمعة 22 نوفمبر 2013م الموافق 18 محرم 1435هـ

«بابكو... سيمفونية البحرين الكبرى»... نبضٌ إنسانيٌ حي بلا توقف

الكاتب البحريني بدر عبدالملك يغوص في الذاكرة الشعبية المحفورة في كل بيت بحريني...

«هي ذاكرة كل بيت بحريني منذ الثلاثينات وحتى هذه اللحظة، فقد نبعت حولها ومن خلالها حياة كاملة لشعبنا الذي عاصر هموم وتحديات التنمية والتطور ضد مجتمع تقليدي كان عليه أن يهجر البحر والغوص وفلاحة الأرض، ليعانق علاقات إنتاج رأسمالية تقوم على أساس العمل المأجور، ونمطاً من العلاقات مهما كانت مرهقة إلا أنها ظلت الخطوة الأولى التي حطمت نظام السخرة والتخلف والعبودية وبعثت في حياة الناس وعياً جديداً ذلك العالم المزدهر زمن الآلة والاكتشافات الكبرى».

تلك الذاكرة هي «بابكو»! والفقرة السابقة وردت في مقدمة كتاب المؤلف والكاتب البحريني بدر عبدالملك (بابكو... سيمفونية البحرين الكبرى)، والذي صدر العام الجاري 2013 وحمل الرقم (39) من سلسلة كتاب البحرين الثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة (إدارة الثقافة والتراث الوطني)، وجاء في ذات الفقرة أيضاً أن النفط كان أحد أهم الإنجازات العظيمة التي ساهمت في نقل حضارة القرن العشرين نحو آفاق التقدم بسرعة مذهلة وبرخاء كبير في شتى مناحي الحياة، ويعتبر النفط أعظم انقلاب كوني، ويضاهي كل الاكتشافات الكبرى التي عرفها الإنسان منذ اكتشاف الفحم والطاقة والعلوم الميكانيكية وعلم البيولوجيا والفيزياء والجيولوجيا ونمو واتساع المدن الجديدة المزدانة بضجيج الأضواء والكهرباء، فبعد منتصف القرن العشرين، غزا الإنسان الفضاء وقاع المحيطات واليابسة بحثاً عن كل جديد في عالم المعرفة المتواصل، وذلك في سباق مع الزمن المليء بالدهشة وبالانبهار.

ويمكن الدخول إلى عالم ذلك الكتاب القيم من خلال الإهداء الذي كتب فيه المؤلف نصاً: «أهدي هذا الكتاب إلى عمال «بابكو» وموظفيها من كل الأجيال... لكل حبة عرق نزفت... ولكل تضحية بُذلت كي تُبقي شعلة هذا الصرح الكبير مستمرة... وكلي أمل أن تظل تلك السيمفونية البحرينية، تعزف نبضها الإنساني الحي بلا توقف لأنه سيمفونية يستحقها شعب البحرين الكادح والطيب».

آلهة ومعبد بابكو

أما عن فكرة الكتاب، فيشير المؤلف في مقدمته إلى أن الفكرة راودته منذ وقت طويل، غير أنها ظلت تطفو فترة على السطح مثل أية فكرة تحركها الحماسة، ثم تدفعها الظروف نحو التراجع ثم الخمول، فتغوص إلى قاع الذاكرة لتنام حتى إشعار آخر، وهكذا ظلت تلازمني تلك الشركة النفطية وموضوعها وسحرها، وهي التي حركت شرايين الحياة في دم البحرين، وضخت فيه النبض والحركة، فصارت «بابكو» معلماً مهماً في تطور البحرين وتنميتها، وقامت على جوانبها وأطرافها وتفاصيلها كل الأنغام الجميلة لمجتمع نهض بعدها من رماد الماضي إلى مجتمع الحداثة والتقدم، لكنه يختتم مقدمته بالقول إن ما يقوم به هو محاولة تطعيم الكتاب بروح المعلومة البحثية مع نوع من السرد الأدبي المرتهن بذاكرة شعبية محفورة في كل بيت بحريني منح لآلهة ولمعبد بابكو الذهبي الجميل ابن بار لذلك الكدح الإنساني، كي يصبح قرباناً للإله النفطي الجديد في المنطقة قبل أي بلد خليجي آخر.

ولعل المؤلف، بعد الإهداء والمقدمة، يفاجأ القارئ في أول فصول الكتاب تحت عنوان: «نبوءة النبهاني وحلم هولمز»، بما استخرجه من كتاب التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية لمؤلفه محمد بن خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي في طبعته للعام 1949 فقال: «وصل العلامة الشيخ خليفة بن حمد النبهاني إلى جزيرة أوال في غرة سنة 1332 هجرية، حسبما جاء في كتابه «التحفة النبهانية»، فقد أشار في بابين إلى مفدرة النفط، وهما: باب «المعادن» وكتب فيه: «يوجد في البحرين معدن الجص والنفط والقير عند جبل الدخان، وباب «المدينة الرابعة الرفاع»، وكتب فيه: «ولم تخلُ أرض الصخير من المعادن لاسيما النفط والقير والجص عند قرب جبل الدخان»، ويواصل المؤلف ليشير إلى أن المنطقة العربية وفارس عرفتا النفط منذ القدم، حيث كانت هناك ينابيع قار في مناطق مختلفة، مثل مسجد سليمان في إيران وكركوك والموصل والبصرة بالعراق والبحرين والظهران، فقد استعمله السومريون كمادة لاصقة ومادة مانعة لتسرب المياه في استخداماتهم في صناعة السفن، كما قام السومريون بتقطير النفط أو الزفت والاستفادة من المقذرات الخفيفة في عملية الإضاءة، أما في البحرين، فكان القار يُجلب من عين القارة التي تقع جنوب البحرين غربي شجرة الحياة بما يقرب ميل ونصف الميل، واستخدم الدلمونيون القار الذي يُجلب من عين القارة كمادة مانعة للتسرب.

نبوءة وحكايات عن النفط

وبذلك، يكون النبهاني كمؤلف تراثي من أوائل الناس في بداية القرن العشرين ممن أشاروا إلى وجود النفط في تلك المنطقة، فهل أثارته بقع الزيت السوداء الطافية على قشرة الأرض وسطحها نتيجة التدفق من القاع إلى الأعلى، أم حكاية التابوت وعين القارة؟ وإلا فمن أين له القدرة على تلك الإشارة، والنفط لم يكن حينها قد اكتُشف، إنما اكتشف بعد ثمانية عشر عاماً من تلك النبوءة، أي في سنة 1932؟ أم أن النبهاني سمع حكايات عن النفط، وربط بين ما شهده وبين الحكايات التي كانت متداولة يومذاك؟ وفي عام 1914 اتخذ الشيخ عيسى قراراً بعدم التنقيب عن النفط أو إعطاء الامتيازات النفطية إلا بموافقة الحكومة البريطانية، فيما راح النيوزيلندي الميجور فرانك هولمز الذي قرأ في تقرير جاي بليكرم والذي يعتبر هو أبو النفط وليس هولمز كما ذكر بلغريف، إذ تضمن التقرير معلومات عن إمكانية وجود النفط في المنطقة، حيث قامت بعثة بمسح هذه المنطقة وببذل كل جهوده من أجل تحقيق حلمه كمغامر باحث عن النفط، منذ أن كان ممثلًا لشركة نفطية بريطانية صغيرة نجحت في الحصول على حق التنقيب في إقليم الإحساء نهاية سنة 1922 حس مذكرات بلغريف المشبعة بعدم الدقة.

أكثر من 300 صفحة وصور صامدة

بعد موضوع نبوءة النبهاني، تتوالى الموضوعات على امتداد 386 صفحة من الكتاب لتشمل 52 عنواناً لموضوعات مختلفة يمكن سردها تباعاً هكذا :»خروج المارد من قاع الأرض، وداعاً أيها البحر، الجيل الأول ومرحلة التدشين، البحرين تولد مرتين، حلم الالتحاق ببابكو، حمارة وصخين وعشر آنات، فتوى المرجعية، بابكو محور الحياة، الشيطان الملعون، لم لم ينبثق الذهب الأسود، من كل فج عميق، السفرطاس، الفقراء يقطفون السعادة، الظرف المثقوب، الدفتر نصف الشهري، العيش والشكر «الميرة»، مرحباً صاحب، دخان الجبل، المدارس الليلية، ياك التفنيش (الفصل الاستغناء)، عوالي الفردوس الصحراوي، بيت سكينر، نادي بابكو، الأوروبيات المدللات، فريق بابكو، بنطلون الجينز، مايوهات ساحل الزلاق، النجمة الأسبوعية، الانضباط الصناعي، بابكو مدرسة الحياة، صبية ابرنتيس، طالب ابرنتيس مجيد مرهون، الريفاينري «المصفاة»، بابكو في زمن الحرب، القرى البعيدة، بابكو تصهر الوطن، سالم الخطر «التنين»، الزام «شفت المناوبة»، حضور بابكو، الشرهة والنفط، إضراب المطبخ، سندويتشات بابكو، صفارة الشركة، سينما بابكو، الكامب، مستشفى بابكو، الوجه الآخر لبابكو، الحركة الوطنية وبابكو، ضجيج الاحتجاجات، الأوتوقراطي الإنجليزي وبابكو، بابكو بين مرحلتين «قبل الاستقلال وبعده»، وأخيراً، بابكو ستارة لم تُسدل.

وبالإضافة إلى التوثيق الدقيق لأحداث كثيرة، اشتمل الكتاب على مجموعة من الصور القيمة والنادرة للأحداث والشخصيات والمواقع، فيما تأتي فقرة المؤلف على الغلاف الخلفي لتقول إن الحياة في البحرين قبل اكتشاف النفط، في مجمل علاقاتها الداخلية والخارجية بطيئة ومحدودة، ولكن مع ظهور بابكو واستخراج النفط، دخلت البلاد مرحلة جديدةً، فقد كانت تلك الشركة سبباً كافياً كي تتحول الحياة وتتمحور حولها بالكامل، وهي التي باتت توفر حياةً رغيدةً نسبياً وأجوراً للموطنين البحرينيين، والتي وفرت لهم بدورها فرص استبدال أنماط معاشهم وطرائق تفكيرهم، وباتت توجههم نحو الحداثة المحيطة، ونحو التعاطي مع البضاعة الجديدة والثورات الجديدة والاكتشافات الحديثة، فالمقاهي الرتيبة تحولت مع الفونوغراف إلى عالم غنائي فرح، ما تحولت الإذاعة والمذياع والسينما إلى دُنى أخرى للقادم البعيد من القرية.

العدد 4095 - الجمعة 22 نوفمبر 2013م الموافق 18 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:47 ص

      رائع هذا الكتاب

      كتاب قيم جدا يستحق القراءة و يحفظ تاريخ البلد في مرحلة هامة جدا

اقرأ ايضاً