العدد 4095 - الجمعة 22 نوفمبر 2013م الموافق 18 محرم 1435هـ

الأختام الدلمونية الوسطية وتطور السلطة المركزية في دلمون

ارتبطت الأختام الدلمونية بالهوية، وعكس تطور هذه الأختام التطور في الهوية الدلمونية التي انتقلت من التأثيرات السندية في الأختام المبكرة إلى التأثيرات الأمورية في الأختام المتأخرة. كذلك، يعكس تطور الأختام تطوراً في السلطة أو الحكومة المركزية في دلمون؛ فالأختام المبكرة، على رغم أن أبعادها (الحجم والشكل) متقاربة، فإنها لا تتبع نموذجاً ثابتاً أو زخرفة معينة تميز هويتها. وقد رجح البعض أن هذا ناتج من عدم خضوع صناعة الأختام لحكومة مركزية تحدد معايير واضحة لصناعة الأختام (Laursen 2010).

على سبيل المثال؛ نقوشات الوجه الأمامي لا تتميز بالدقة والجمال، وكذلك الوجه الخلفي الذي لا توجد عليه زخارف، ما عدا، وجود خط يحفر في الحدبة الظهرية. وهذا الخط، أيضاً، ليس ثابتاً؛ فأحياناً لا يوجد هذا الخط، وأحياناً يوجد اثنان أو ثلاثة، بمعنى أنه لا يوجد شيء ثابت.

وعلى خلاف ذلك، فإن الأختام الدلمونية المتأخرة تتبع نموذجاً معيناً، فالواجهة الخلفية تكون دائماً متميزة بوجود زخرفة الأربع دوائر التي توجد في وسط كل دائرة منها نقطة، وهذه الزخرفة يتم عملها بمثقاب خاص تم استحداثه لعمل هذه الزخرفة. كذلك، فإن الحدبة الظهرية دائماً يحفر فيها ثلاثة خطوط متوازية. بالإضافة، أيضاً، إلى الرسومات الجميلة التي توجد على الوجه الأمامي والذي استخدم في رسم بعضها مثقاب خاص. وهذا المثقاب الأخير استخدم في رسم رؤوس الحيوانات. كل هذه دلائل على تطور الحكومة المركزية التي أخذت تشرف بنفسها على صناعة الأختام (Laursen 2010). وليس هذا فحسب، بل توسعت سلطة هذه الحكومة المركزية لتشمل شرق الجزيرة العربية وجزيرة فيلكا التي عثر فيها على هذه الأختام المتأخرة ولم يعثر فيها على الأختام المبكرة.

ولشدة ثبات نموذج الأختام الدلمونية المتأخرة أسماها Beyer الأختام «المعيارية» (Beyer 1989). واعتبرت هذه الأختام، من قبل بعض الباحثين، الأختام التي تمثل دولة دلمون الحقيقية؛ وعليه سميت الأختام المبكرة باسم «أختام الخليج العربي» (Kjaerum 1994)، ولم يربطوها بدولة دلمون، على اعتبار أن «دولة دلمون» لم تصل إلى مرحلة النضج بعد، فهويتها وسلطتها المركزية لم تصلا إلى مرحلة النضج إلا قرابة 2000 ق. م. وقد تميز ظهور «دولة دلمون» بظهور أختام ذات نموذج ثابت (أختام معيارية) ما يعكس التطور في الهوية والتطور في السلطة المركزية.

بالطبع، هناك باحثون آخرون، يرون أن هذه الأختام تمثل تطوراً في الهوية والسلطة لكنها، أيضاً، تعتبر امتداداً للأختام السابقة؛ بمعنى أن هذه الأختام تمثل ظهور حقبة جديدة في «دولة دلمون» وليست بداية النضج (Beyer 1989) ،(Nayeem 1992)؛ وعليه، فإن المجموعة المبكرة هي أختام دلمونية مبكرة، وهذه الأختام هي أختام دلمونية متأخرة. وهذا الخلاف ناقشناه بالتفصيل في فصل سابق.

ويوجد ما بين مجموعة الأختام الدلمونية المبكرة والأختام الدلمونية المتأخرة، مجموعة وسطية من الأختام تمثل المرحلة الانتقالية. اختلف في مسمى هذه المجموعة من الأختام منهم من أسماها proto-dilmun، أي أنها تعتبر أختام ما قبل تأسيس دولة دلمون (Kjaerum 1994)، ومنهم من أسماها الأختام الدلمونية الوسطية (Beyer 1989)، معتبراً أنها تمثل أختام مرحلة انتقالية من دولة دلمون المبكرة إلى دولة دلمون المتأخرة التي تأسست قرابة العام 2200 ق. م وانتهت قرابة العام 1600 ق. م.

أيّاً تكن المسميات التي أعطيت لهذه المجموعة من الأختام؛ فإنها تمثل مرحلة انتقالية بين حقبتين، وكذلك تمثل شكلاً وسطيّاً من الأختام تجمع في صفاتها بين مجموعتين من الأختام المبكرة والمتأخرة. وتبين هذه المجموعة من الأختام عملية تطور مهمة في هوية دلمون وفي تطور سلطتها المركزية. وسنعطي هنا أهم ما يميز هذه الأختام من الناحية الشكلية وكيف أنها ترتبط بكلتا المجموعتين من الأختام المبكرة والمتأخرة.

بداية ظهور الزخرفة الظهرية

من أهم التطورات في هذه المجموعة الوسطية من الأختام هو استخدام المثقاب، الذي يعمل على شاكلة الفرجار، والذي استخدم لعمل الزخرفة على الواجهة الظهرية للختم، وهي أربع دوائر في كل دائرة نقطة. أما الحدبة الظهرية فلايزال عدد الخطوط المحفور بها غير ثابت؛ حيث يتراوح بين 1 و 3 خطوط.

رؤوس الشخوص والحيوانات

تقنية رسم رؤوس الأشخاص والحيوانات في هذه الأختام لم تتطور، لاتزال بسيطة كما كانت في صناعة الأختام الدلمونية المبكرة؛ حيث إن رؤوس الحيوانات ترسم رسماً، بينما في مجموعة الأختام الدلمونية المتأخرة فإن رؤوس الحيوانات تحفر كدائرة بها نقطة وذلك باستخدام مثقاب خاص.

رسومات خاصة مميزة

يجب التفريق هنا ما بين الأشكال التي تنقش على الواجهة الأمامية للختم، وبين المنظر العام للواجهة الأمامية. على سبيل المثال، هناك مناظر تتشابه في أكثر من مجموعة من المجموعات الثلاث من الأختام (المبكرة والمتوسط والمتأخرة)، كمنظر الإبحار، ومنظر الخصوبة ومنظر شرب البير، وغيرها. إلا أن طريقة رسم الأشكال المختلفة المكونة للمنظر تختلف في كل مجموعة عن الأخرى؛ فطريقة رسم الحيوانات، والقوارب، والعقارب، والرجال، والكراسي، والدروع والأشجار، والأشكال الفلكية وغيرها من الأشكال تختلف من ختم إلى آخر. وقد عرضنا في الفصل السابق طريقة رسم هذه الأشكال في الأختام الدلمونية المبكرة، وفي الصورة المرفقة هنا يمكن مشاهدة طريقة رسم تلك الأشكال على الأختام الدلمونية المتوسطة. ومن خلال ذلك يمكن ملاحظة التطور الملحوظ في فن النقش الدلموني. وباستخدام هذه الرسومات التي أعدها Kjaerum في العام 1994 (Kjaerum 1994)، أمكننا تحديد على الأقل 17 ختماً تنتمي إلى أختام دلمون المتوسطة، في كتاب خالد السندي «أختام دلمون» والذي صنف هذه الأختام ضمن أختام دلمون المتأخرة. وأرقام الأختام، بحسب ترقيم السندي، هي: 1، 45، 46، 47، 52، 53، 55، 56، 59، 61، 62، 64، 112، 139، 175، 210، 224. بالإضافة إلى ثلاثة أختام أخرى عثر عليها في قلعة البحرين (Kjaerum 1994)، ومعابد باربار(Kjaerum 2005)، ومستوطنة سار (Crawford 1999).

العدد 4095 - الجمعة 22 نوفمبر 2013م الموافق 18 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً