أوضحت معلومات رسمية أن 9 مساجد من المساجد التي هُدمت في العام 2011، أُعيد بناؤها بالكامل، وذلك بعد عامين من صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، الذي وثّق هدم 30 مسجداً في مناطق مختلفة في البحرين.

وذكرت المعلومات الصادرة عن إدارة الأوقاف الجعفرية أن 21 مسجداً ما زالت «قيد التنفيذ»، بعد أن تم توقيع اتفاقيات بنائها خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري (2013)، إذ من المقرر أن يتم الانتهاء من أعمال البناء في أواخر العام المقبل (2014).

وفي جولة لـ «الوسط» على بعض المساجد المهدمة، والتي قالت إدارة الأوقاف إن العمل بدأ فيها، تبيّن أن هناك عدداً من المساجد لم يجرِ عليها أي شيء حتى الآن، ولا توجد معدات وأدوات تشير إلى قرب بدء العمل على إنشاء هذه المساجد، ومن بينها مسجد أمير محمد البربغي في عالي، ومسجد الكويكبات في توبلي.

هذا، وبيّنت المعلومات الرسمية أن المساجد التي أُعيد بناؤها هي: مسجد الإمام علي في سلماباد، مسجد الإمام علي في صدد، وفي النويدرات أعيد بناء 7 مساجد، وهي: أبوذر الغفاري، الإمام الجواد، الإمام الهادي، الإمام الباقر، الإمام الحسين، الإمام الصادق، الشيخ يوسف، إضافة إلى مسجد الصحابي سلمان الفارسي، الذي بني بواسطة أهالي القرية.

واحتفل أهالي النويدرات يوم السبت (12 مايو/ أيار 2012)، بافتتاح مسجد الصحابي الجليل سلمان الفارسي، وهو واحد من 10 مساجد في النويدرات، هُدمت في يوم واحد خلال حالة السلامة الوطنية، التي شهدتها البحرين في أعقاب أحداث شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام الماضي (2011). وبدأ أهالي النويدرات بإعادة بناء المسجد المذكور، في مطلع شهر أبريل/ نيسان الماضي (2012).

ومن بين المساجد التي أُعيد بناؤها بجهود أهلية، مسجد الإمام الصادق في سلماباد، إذ قام مواطنون بإعادة بناء المسجد بعد هدمه.

ومنذ هدم المساجد في العام 2011، تكررت التصريحات الرسمية بإغلاق ملف «دور العبادة»، بعد إعادة بناء بعضها وتخصيص مواقع لأخرى، إلا أن عدداً من المساجد لم يبدأ البناء فيها حتى الآن، وسط مطالبات مستمرة من قبل العلماء ورجال الدين، بضرورة إعادة بنائها فوراً، وفي مواقعها الأصلية.

وقامت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي رأسها محمود شريف بسيوني، بمعاينة 30 مكان عبادة، واتضح للجنة أن 5 منها فقط صدرت في شأنها أوامر ملكية وتراخيص بناء، وأن أماكن العبادة الأخرى جميعها مخالفة للمرسوم الملكي رقم 19 للعام 2002، واتضح للجنة كذلك أن 19 مكاناً للعبادة كانت أقيمت على أراض مملوكة للدولة، ولم يصدر لها ترخيص بناء أو أمر ملكي، وبالتالي كانت تلك الأماكن مخالفة للمرسوم الملكي رقم 19 للعام 2011، الذي ينص على أنه «يجب على كل مسجد الحصول على تصريح وأمر ملكي على الأقل كي لا يصبح مخالفاً للقوانين البحرينية».

وفي تقريرها، الذي سلمته إلى عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في حفل خاص أقيم في (23 نوفمبر 2011)، أشارت اللجنة إلى أن «حكومة البحرين لم تتبع الاشتراطات المنصوص عليها في القانون الوطني بشأن الإخطار وإصدار الأمر القضائي بالهدم، بل اعتمدت على قانون السلامة الوطنية».

وأوضحت لجنة تقصي الحقائق أن «6 أماكن للعبادة كانت أقيمت على أراضٍ خاصة، ولم يحصل أي شخص على أي أمر ملكي أو ترخيص بناء بشأنها، كما أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بخصوص 18 مكان عبادة من أصل 30، التي قامت اللجنة بمعاينتها، كانت بعد إصدار قرار مجلس الوزراء، فجميع الأوامر الصادرة عن وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني بخصوص هدم المنشآت الدينية كانت تحمل عبارة (إزالة المخالفة حالاً)، ولم تفرِّق الوزارة بين المنشآت المقامة على أرض خاصة أو مملوكة للدولة، وتم الهدم من دون الالتفات إلى تراخيص الإنشاء الصادرة عن الوقف الجعفري».

وتباينت حالة البناء التي كانت عليها المساجد قبل أن تُهدم، فبعضها كان بناؤها جديداً، وآخر كان قديماً، وبعض آخر كانت كبائن، ويعود إنشاء تلك المساجد إلى ثمانينات القرن الماضي، وقد أصدرت إدارة الأوقاف الجعفرية لغالبيتها شهادات مسح، كما تتوافر لها وثائق ورسائل مرسلة لوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف.

وبعد أن تعرَّضت المساجد المذكورة إلى التخريب، خاطبت إدارة الأوقاف الجعفرية وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، بناءً على توجيهات من عاهل البلاد، وحددت أسماء المساجد ودور العبادة التي هدمت وأزيلت، وكذلك التي تعرضت للتخريب والحرق.

خلافات على مواقع بعض المساجد المهدَّمة

وشهد ملف المساجد المهدَّمة جدلاً بشأن مواقع بعضها، وذلك بين الجهات الحكومية والأهالي، ففي مدينة حمد وقع جدل بين وزارة العدل والشئون الv إسلامية والأوقاف، وبين الأهالي ومجلس بلدي الشمالية، بشأن موقع مسجد أبو طالب، إذ هدَّدت وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف القائمين على المسجد الواقع بمجمع 1213 في مدينة حمد بإزالته. وأرجعت الوزارة سبب نيتها في إزالة البناء الحالي للمسجد إلى تخصيص أرض أخرى في موقع ثانٍ.

وفي مقابل ذلك، تمسَّك مجلس بلدي الشمالية بأن يتم بناء المسجد في موقع الأصلي، كما أنه تمسَّك ببناء مسجدين آخرين في مدينة حمد بمواقعهما السابقة، وهما مسجدا الإمام العسكري وفدك الزهراء.

والجدل نفسه وقع بين أهالي النويدرات ووزارة العدل أيضاً، على موقع مسجد الصحابي أبوذر الغفاري، ففي حين يؤكد الأهالي وجود مراسلات وخرائط تؤكد موقع المسجد قبل هدمه في العام 2011، وأنه يقع ضمن مشروع إسكاني، إلا أن وزارة العدل تقول إن: «موقع المسجد يعتبر من المواقع المملوكة للدولة، وقد شُرع في بناء المنشأة الدينية عليه دون تخصيص الأرض ودون ترخيص بناء...».

وتواصل الجدل أيضاً على موقع مسجد أمير محمد البربغي في عالي، بعد أن قال وكيل الوزارة للشئون الإسلامية فريد يعقوب المفتاح، إنه تم التوجيه لاعتماد موقع بديل لمسجد البربغي الواقع في حرم الطريق لشارع خليفة بن سلمان الرئيسي، وهو الأمر الذي رفضه الكثير من المواطنين.

وقد ذكر رئيس مجلس بلدي العاصمة مجيد ميلاد، في وقت سابق، أنه «تم تحويل 378 متراً مربعاً من المسجد وملحقاته إلى ملكية خاصة»، في حين إن المسجد مشيّد منذ أكثر من 455 عاماً.

لجنة الدفاع عن المساجد المهدَّمة

وبعد أن هُدمت المساجد في العام 2011 انطلقت حملة للدفاع عنها، وقد أقيمت الصلاة في عدد منها في وقت واحد، وانبثق من ذلك لجنة للدفاع عن المساجد المهدمة برئاسة الشيخ محمد جواد الشهابي.

وأعقاب ذلك، رفعت 50 شخصية من رجال الدين وأساتذة الحوزات العلمية في البحرين رسالة إلى إدارة الأوقاف الجعفرية، طالبوا فيها الإدارة بأن «تنهض بواجبها الشرعي في الذود عن المقدسات، وذلك بإعادة بناء جميع ما هدّم وخرّب من مساجد وحسينيات من دون أي استثناء، وتعويض الأضرار المترتبة على ذلك».

وقد نُظمت اعتصامات ووقفات احتجاج على ما وصفه رجال دين بـ «المماطلة» في إعادة بناء المساجد المهدمة، وأقيمت فعاليات خاصة برجال الدين استنكاراً على هدم المساجد والتأخر في إعادة بنائها، وعدم تعويض الأضرار التي حدثت جراء تخريبها وهدمها.

وتزامنت هذه الاعتصامات والاحتجاجات مع حملة لتسوير العديد من المساجد لتثبيت مواقعها الأصلية، ومن بين تلك المساجد مسجد أمير محمد البربغي وعين رستان في قرية عالي. هذا، ورفعت جمعية الوفاق بلاغاً جنائيَّاً ضد وزير البلديات ووزير العدل، لدى النيابة العامة، متهمة إياهما بـ «المسئولية وتورط الوزارتين في هدم المساجد».

الصلاة في المساجد المهدَّمة

وعلى الرغم من عدم بناء 21 مسجداً حتى الآن، إلا أن الكثير من المواطنين يحرصون على أداء الصلاة في مواقع تلك المساجد، ففي يوم السبت من كل أسبوع، يقيم المواطنون الصلاة في المساجد المهدَّمة، وسط مطالبة مسئول قسم الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان ميثم السلمان، بأن يعاد بناؤها في مواقعها الأصلية دون أدنى تغيير، وذلك وفق جدول زمني معلن عن.

مطالبات دولية بإعادة بناء المساجد

وفي ظل المطالبات من قبل المواطنين ورجال الدين بضرورة إعادة المساجد، صدرت مطالبات دولية بذلك، ففي (14 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، أصدرت لجنة الحقوق الدينية في وزارة الخارجية الأميركية بياناً حثَّت فيه اللجنة الوطنية المعنية متابعة تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، على أن «تعمل اللجنة على إلزام حكومة البحرين بإعادة بناء جميع المباني التي دُمِّرت بصورة غير مشروعة»، وأن «تقوم الحكومة بالتعويض عن هدم دور العبادة، وخصوصاً أن تقرير تقصي الحقائق لم يتناول الخسائر عن تدمير دور العبادة».

وطالبت لجنة الحقوق الدينية في وزارة الخارجية الأميركية بـ «تقديم أي من المسئولين في الحكومة البحرينية الذين ثبت تورطهم في انتهاكات صارخة للحرية الدينية إلى العدالة، ومعاقبتهم بموجب القانون، ويجب على الحكومة البحرينية إصدار اعتذار رسمي لتدمير العشرات من دور العبادة، وهو الأمر ذاته الذي وجدت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أنه ينتهك بوضوح القانونين البحريني والدولي».

قائمة دور العبادة الواردة بتقرير لجنة تقصي الحقائق