أثار التطبيع الأميركي-الإيراني منذ المكالمة بين الرئيسين حسن روحاني وباراك أوباما في سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم المفاوضات التي لحقتها حول البرنامج النووي الإيراني سلسلةً من ردود الفعل المؤيدة والمعارضة والمتخوفة. وبطبيعة الحال، وقعت صدمة في المناخ الخليجي منطلقها أن الولايات المتحدة تتخلّى عن أقرب الحلفاء في لحظات التحول. وتزيد من التخوّف الخليجي سرعة تطبيع العلاقة الأميركية مع «الاخوان المسلمين» في مصر، ثم البرود الحاصل بين النظام المصري والأميركي راهناً، ثم سرعة إقرار الولايات المتحدة لضربة ضد الأسد ثم سرعة التخلي عن الضربة ثم بداية التطبيع مع إيران بلا مقدمات واضحة لدول الخليج.
ويعزز أزمة الشك أن الولايات المتحدة أقل اعتماداً على النفط العربي والخليجي والنفط العالمي مع تبلور المقدرة على الوصول إلى النفط الصخري في عمق أراضيها. عوامل التغير في السياسة الأميركية خلقت قلقاً خليجياً مفاده أن الدولة الكبرى الأولى في العالم تمر بمرحلة عدم اتزان تؤدي بها إلى عقد صفقات سياسية وإقليمية غير محسوب أثرها على الحلفاء.
وبالفعل تعيش الدولة الكبرى تراجعاً دولياً واقتصادياً في علاقتها بالعالم العربي، لكن هذا لا يعني تراجعها عن كونها الدولة الكبرى الأهم، والتي ستبقى في هذه المكانة لزمن طويل والتي يعززها الفارق في القوة والمكانة التي ما زالت تفصل بين الولايات المتحدة من جهة وبين الصين والهند والبرازيل وروسيا وأوروبا الموحدة من جهة أخرى.
ونظراً لأن صعود الرئيس أوباما وإعادة انتخابه بالتحديد جاءا تجسيداً للصعوبات التي واجهتها الولايات المتحدة في كلٍّ من العراق وأفغانستان، إضافةً إلى الأثر الكبير للأزمة الاقتصادية العام 2008، فمن الطبيعي أن تكون سياسة أوباما أكثر تركيزاً على عدم التدخل وإعادة التموضع وتغير الإستراتيجية الأميركية العسكرية. فأميركا تتفادى قدر المستطاع منذ سنوات عدة الدخول في حروب جديدة تضطرها لاستخدام جيشها واحتلال مناطق محددة، بينما تخوض حرباً من البعد الرابع عبر التكنولوجيا والقوات الخاصة (كهجمات الطيران من دون طيار في اليمن) لأن تكلفتها محتملة نسبياً، ولأنها لا تفرض عليها التزامات طويلة الأمد في أي مكان.
وتأتي عملية التطبيع مع إيران ضمن استراتيجية أميركية ليست بالجديدة، فالولايات المتحدة منذ زمن تسعى إلى التحدث مع إيران التي جاء نظامها بعد ثورة، وهو نظامٌ مكوّنٌ من مراكز قوى محافظة وغير محافظة، ما يسمح ببعض المناورة في بناء العلاقة. والولايات المتحدة لم تستطع تجاهل أن إيران نجحت في السنوات العشر الماضية في مد نفوذها وتأثيرها في كلٍّ من آسيا الوسطى وأفغانستان والشرق الأوسط، وأنها تحوّلت إلى لاعبٍ إقليمي رئيس أمام ضعف اللاعبين الآخرين. وعندما هبط الجيش الأميركي في العراق العام 2003، وقبل ذلك في أفغانستان، احتاجت الولايات المتحدة للتفاهم مع إيران، وعندما استقرت الولايات المتحدة في العراق، كان لابد من تفاهم مع إيران يمنع قيامها بتشجيع أنصارها على مهاجمة الولايات المتحدة. بمعنى آخر، لم تنقطع حالة الصراع والتفاوض والتبادل والاعتماد بين الولايات المتحدة وإيران.
لهذا فالقول إن إيران دولة غير مسئولة تجاه محيطها العربي وعلاقاتها الدولية فيه الكثير من التبسيط، فإيران استمرت في البرنامج النووي الذي يزعج إسرائيل والولايات المتحدة على كل المستويات، لكنها استمرت في الوقت نفسه باتباع سياسة براغماتية على كل صعيد في العراق وأفغانستان وآسيا الوسطى وفي جنوب لبنان، حيث نجح «حزب الله» في الحفاظ على وقف إطلاق النار منذ العام 2006.
لقد فاجأ الربيع العربي والثورات كل الأطراف بما فيها إيران. إيران كسبت وخسرت في ظل الثورات العربية. فقد كان نفوذ إيران أكثر استقراراً في كل من لبنان وسورية والعراق، ولكن الثورات العربية حوّلت إيران إلى مواقع الدفاع. ففي لبنان على رغم قوتها شعرت إيران باهتزاز وضعها، أما في سورية فكاد النظام أن يسقط ما دفعها للتدخل عبر وكلاء، كما أن الوضع في العراق عاد إلى الاشتعال مهدّداً نفوذ إيران في العراق. بمعنى آخر، إن الوضع الإيراني الإقليمي غير مستتب ويعاني من أمواج وأوضاع صعبة، لكنه في الوقت نفسه متماسك وقادر على البقاء في حلبة مملوءة بالمصاعب.
وبينما دعمت إيران إعلامياً الانتفاضة في البحرين التي بدأت مع ثورات «الربيع العربي»، لكنها لم تقم بأية خطوةٍ بعد قيام دول مجلس التعاون بإدارة تدخل عسكري في البحرين. بمعنى آخر، ما وقع في البحرين لم يكن فعلاً إيرانياً، بل فعلاً بحرينياً صرفاً ارتبط بأزمة الحقوق وضرورات التغيير في البحرين بأكثر مما ارتبط بالصراعات الإقليمية.
ومن جهةٍ أخرى، لم تكن الانتفاضة الخضراء في صيف 2009 في إيران إلا مقدمةً لما قد يقع فيها إن استمرت في تحمل تكاليف البرنامج النووي الهائلة ودفع ثمن الخضوع لعقوبات غربية مؤلمة تجعل قطاعاً من الشعب مستعداً للانتفاض. فالشعب الإيراني هو أكثر من خسر نتيجة الأزمات الإيرانية الغربية والإيرانية العربية. إن أجواء الربيع العربي منذ 2010 وخصوصاً الثورة في سورية أعطت إيران مؤشراً لما قد يقع فيها لو استمرت في طريق البرنامج النووي والعقوبات، وأن الأفضل لإيران التعامل مع المسألة الاقتصادية والعقوبات قبل أن تتحوّل إلى مشكلة اجتماعية تسقط الجمهورية الإسلامية في حرب ونزاع أهلي وثوري.
هذه الضغوط، بما فيها ضغوط المواجهة العسكرية التي لم تختفِ احتمالاتها (مع إسرائيل) جعلت إيران تبحث عن التطبيع مع الولايات المتحدة وعبر البحث عن مقايضات جديدة. ووجدت الولايات المتحدة وأوروبا إضافةً إلى الصين وروسيا، في هذا الوضع فرصةً لنزع فتيل الصدام من الأجواء. فالغرب هو الآخر بحاجة إلى إيران أكثر اعتدالاً وتعاوناً. وعلى رغم أجواء التطبيع الأميركي-الإيراني، إلا أنه يوجد في إيران تيار كبير لا يريد التطبيع، بل على الأغلب ينتظر فشل المحادثات المقبلة، وهناك في الولايات المتحدة قوى في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وفي الكونغرس ممن تسعى إلى فرض عقوبات جديدة على إيران. وهناك الموقف الإسرائيلي الساعي إلى المواجهة والمقتنع بأن المفاوضات الراهنة لن تمنع إيران من بناء قوة نووية.
الخوف من الاتفاق الإيراني-الأميركي الدولي لا يعني أن تقف منطقة الخليج مكتوفة. فمن الواضح منذ زمنٍ بعيدٍ أن العلاقة الإيرانية-الأميركية لن تبقى متوترةً إلى الأبد، وقد صرّح أكثر من مسئول في الإدارة الأميركية بإمكانية التطبيع في العلاقة الأميركية-الإيرانية. لهذا، ففي إمكان منطقة الخليج أن تتعامل مع الأمر بدرجة عالية من المبادرة الهادفة إلى بناء أجواء من التبادل تسمح بمعالجة نقاط الخلاف الإيرانية الخليجية والمتعلقة بالوضع في سورية ثم في العراق، إضافةً إلى قضايا معلقة قديمة مثل قضية الجزر الإماراتية وفوق كل شيء غياب الثقة بين الخليج وإيران.
ويمكن القول إن إيران التي شهدت علاقتها بمنطقة الخليج تطورات إيجابية في بعض المراحل ستجد في موقف خليجي شبه موحد (على رغم صعوبة توحيد المواقف) أرضيةً لبناء لغة جديدة بين دول المنطقة. لكن المبادرة في العلاقة بين الخليج وإيران ستتطلب لغةً جديدة، وبحثاً عن المشترك، وستتطلب موقفاً يسمح بالتعامل مع نقاط الخلاف الكثيرة في الشأن السوري واللبناني والعربي، وهو نفسه سيتطلب البحث في طريقة تفادي نزاعات مقبلة وعقلنة العلاقات.
وعلى رغم مبادرة الدبلوماسية القطرية، إلا أن الموقف السعودي سيكون له تأثير كبير في منطقة الخليج والعالم العربي من حيث زيادة سخونة أو مرونة العلاقة بين الطرفين. في النهاية، الخلاف السياسي يحمل في طياته دائماً الربح والخسارة، وإيران ليست مستقرةً في الكثير من البقاع العربية، وفكرة أن تخرج خاسرةً بالكامل تجعلها أكثر استعداداً للتدخل بعنف، مما يعمّق نزاعات كان في الإمكان تهدئتها بصورة مختلفة.
وعلينا أن ننتبه إلى أن الخلاف السنّي-الشيعي الذي تعمق في المرحلة الأخيرة بفضل سلسلة صراعات ومواقف، هو الآخر ينعكس على كل دول المنطقة ومجتمعاتها، إذ نجد لهذا الخلاف امتداداً في حركات وقوى مثل «حزب الله» وتيارات كثيرة في الصف الشيعي وبين حركات مثل «القاعدة» والسلفيين وفئات أخرى في الصف السنّي. هذا الشرخ العمودي هو الآخر بحاجةٍ إلى أجواء جديدة تخفّف من احتقانه الذي ينعكس على البلدان العربية وشعوبها.
إن تضخيم المخاوف لدرجة القطيعة، على التفاهم مع إيران، يدمّر أولويات العدالة والحقوق المتعارف عليها إقليمياً، كما أنه سينتهي إلى فشل كبير لكل الأطراف. إن موازنة إيران ستتطلب حواراً بنّاء لا يقتصر فقط على الرسميين الذين يجب أن يطوّروا أولويات هادفة، بل يجب أن يصل إلى فئات المجتمع المختلفة بما يساهم في تشجيع التجارة والتبادل بين الثقافتين.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 4094 - الخميس 21 نوفمبر 2013م الموافق 17 محرم 1435هـ
يقال لا حاجه الى لغات لكن الحاجه لخروج بعض الشركات من المنطقه!
خلق الله الناس كما خلقهم شعوب وقبائل ليتعارفوا لا ليتقاتلوا أو يتاجرو بالبشر وشن حروب! فلغة العقل لا تساوي لغة القوه اليوم أمريكا وحلفاءها وحليفاتها – يعني الدول الأربيه ومنها فرنسا وبريطنيا مدانه وعليها ديون وإفلاس بنوكه لا يحتاج الى دليل أوبرهان. فالرأسماليه في طريقه الى الهاويه. بينما إستعباد الشعوب مقابل أوراق ماليه لا قيمة لها فهي هويه أو هوايه أو من يريد تسيير الناس على هواه – يعني إلهه هواه (...) يعني ويش أو أيش من سياسه تجاريه وإقتصاد سوق خربان يعني خسران وفساد في كل مكان بسبب هيمنة رأس
لا
منذ انتصار الثوره الاسلاميه في ايران والعيون تراقبها ، سوريا الحبيبه هي الدوله العربيه الوحيده التي استفادت من التكنلوجيا والتطور اما الباقي فكانوا مشغولون بصفقات البترول والسلاح ، كان يقص عليهم قصص خياليه ليعيشوا هاجز الخوف والهلع ليشتروا من اختلق لهم القصص السلاح بعد ما وعدهم بالمحافظه علي كراسيهم ولكن لكل شيئ وقت انتهاء
انت تدافع عن ايران اكثر من الإيرانيين
لماذا هذه الدفاع العنيف عن ايران و عن كل اذنابها في المنطقة ؟
الغد قريب لناظره
بعد عشر سنوات و زيادة الأزمات و عدم ايجاد الحلول و الأسف على عدم تغيير الأساليب و إستفادة الغرب و الأعداء من الوضع العام، سيقف كاتب هذا المقال و يقول: لقد حذرتكم و نبهتكم و لكنكم عاندتم و لم تسيروا فى الطريق الصحيح.