العدد 4093 - الأربعاء 20 نوفمبر 2013م الموافق 16 محرم 1435هـ

آباء أحياء برتبة أموات

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

«أنت لا ترى أباك لأنه توفي، لكنني لا أشعر بوجود أبي أبداً وهو حي، أنت تعلم أن أباك في مكان آمن قرب الله، لكنني لا أعرف هل أبي بخير أم لا حين يخرج ولا يعود إلا متأخراً، وحين يسافر من غير أن يتصل أو يرد على رسائلي، حتى ماما تفتقده كثيراً»!

كانت هذه هي مشاعر طفل لم يبلغ العاشرة بعد، باح بها لطفلي الذي لم يفتقد أباه إلا بعد وفاته لأنه كان قريباً منه طوال حياته.

مقدار الألم الذي يعيشه هذا الطفل، ومقدار الفقد الذي يحياه كل يوم مع وجود أبيه على قيد الحياة، جعله يتكلم بكلام لا يتناسب مع سنه ولا مع الواقع الذي يجب أن يكون، فخرج كلامه مؤثراً حتى على طفل في سنه؛ إذ جاءني صغيري وهو متعجب لما سمعه ليناقشني فيه، رافضاً أن ينشغل أب عن طفله منذ الصباح وحتى المساء فلا يكاد يراه إلا صباحاً وهم في طريقهم إلى المدرسة أو مساءً قبل نومه بدقائق، ويكاد ينعدم بينهما الحوار بسبب انشغاله الدائم بهاتفه أو أصدقائه، فأخبرني طفلي أنه ممتن لله عز وجل لأن أباه كان رائعاً وأنه محظوظ بما ناله من حنانه، وكم يفتقده كلما سمع عن أب لا يحترم وجوده مع أطفاله، ولا يلبي حاجتهم إليه.

هذه العبارات في أول المقال، وكلام طفلي بعد ذلك تجعلنا نتوقف كثيراً أمام ما يعانيه هذا الجيل الذكي جداً، الواعي جداً، المحاط بالكثير من المخاطر داخل البيت وخارجه؛ فمن لا يجد الحنان في الداخل قد يلجأ للعلاقات الافتراضية عبر الإنترنت اللصيق به والمتوفر في كل أجهزة الترفيه التي يملكها، والتي بالطبع لن تغنيه عن حضن والده أو رفقته، وستكون هذه العلاقات وهمية محفوفة بالمشكلات والأسئلة والمجهول، ولن تكون بديلة مهما كانت قوية عن علاقته بأبيه، وسيبقى بحاجة إلى تلك المشاعر التي يراها عبر التلفاز أو يسمع بها أو يشاهدها في البيوت الأخرى ذات الوضع الطبيعي، هذه الحاجة قد توقعه في كثير من المخاطر فقد يتعلق الطفل برجال من خارج بيته ربما يستغلون تعلقه بهم فيما يضره إن كان من الأطفال الذين يسمح لهم بالخروج من بيوتهم، وقد يبقى شعوره بالنقص مرافقاً له طوال حياته مما يتسبب في عدم استقراره العاطفي والأخلاقي والسلوكي، وهو ما تعاني منه كثير من الأمهات اللاتي يشكين غياب أزواجهن لفترات طويلة عن بيوتهم، فيصعب عليهن ضبط سلوك أطفالهن، لانعدام الرقيب الأكثر شدة، ولشعورهم بالفقد والحرمان، ناهيك عن شعور هذه الأم مهما كانت زوجة صالحة ومحبة بالنقص أيضاً والألم لوحدتها وإحساسها بعظم المسئولية الملقاة على عاتقها وحدها مع وجود من يجب أن يقاسمها كل هذه الأعباء.

على الآباء أن كونوا أحياء كما ينبغي مع أهل بيوتهم قبل غيرهم؛ لأنهم الأحوج إليهم، وألا ينشغلوا عنهم لفترات طويلة جداً بحجة العمل وطلب الرزق، أو حاجتهم لتغيير الجو، بل ويجب أن يكونوا معهم بقلوبهم وأجسادهم حين يتواجدون خلف جدران بيوتهم، من غير أن ينشغلوا بالنوم أو الهاتف النقال، أو الصحف والكتب أو غيرها من المشاغل التي باتت تأخذ الكثيرين عمن حولهم؛ فالأطفال لن يتذكروا حين يكبرون كم صرف عليهم أبوهم من مال، بل سيتذكرون دائماً كم بقي معهم من وقت!

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4093 - الأربعاء 20 نوفمبر 2013م الموافق 16 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:08 ص

      اتمنى

      اتمنى ان أبقى مع اولادي ولكن مجبورة على العمل دوامين باليوم فما العمل ... الله لا يوفق الئ حرمنه من اولادنه وحتى ايام الامتحانات (( المراكز الصحية )) التمريض

    • زائر 9 | 6:27 ص

      الاب الذي لايصلح ان يكون اب

      لما كانوا أولادنا صغار كان زوجي ياتي البيت لما ينامون ولم كبروا تركهم يصارعون الحياة وتزوج - الشكوى لله

    • زائر 8 | 5:59 ص

      عالجرح

      ياريت كلكم تقرونه يلرجال

    • زائر 7 | 5:50 ص

      شكرا

      أشكرك لانك أضفت الى ما يحاول أولادي وزوجتي اقناعي به بن صالح

    • زائر 5 | 12:36 ص

      أبي

      وتغير مجرى الحياة واختفت قطته التي تأتينا مع قرع كل جرس صحنه المقدس المفعم برائحة الدهن الذي نتقاسم بقاياه حجرتاه أغلقتا وحجر علينا الاقتراب منهما أحيانا نطل من النافذة فلا نجد إلا الظلام تعودنا على غرفة واحدة جديدة نأوي إليها عندما يجلببنا الغم، غرفة خضراء هي غرفة الضريح الفاتحة الآن بعد أن رزقت بأطفال أظل أنظر إليهم وأتخيل نفسي مكانهم أستمع لوجيب قلبي لأمتص حنين طفولة غابر وأعرف شيئا ما كنت أفتقده وهو أطلال كلمة بحت منذ زمن بعيد هي كلمة أبي مقالاتك الرائعة تستحضر عندنا الأشياء الرائعة

    • زائر 4 | 12:28 ص

      مقال مؤثر بالفعل

      انا اعاني كما تعانين ولهذا اتمنى ان يستفيق كل اب اخذه الغفلة عن اسرته لاني فقدت زوجي وارى اولادي يعانون غياب ابوهم . الله يوفقكم لفعل الخير طوال حياتكم

    • زائر 2 | 11:56 م

      هو حي يرزق لكنه ميت

      ليس من مات فاستراح بميت***انما الميت ميت الأحياء

    • زائر 1 | 11:50 م

      نعم أب ولكن مع وقف التنفيذ

      كم يحزنني ابتعادي عن أسرتي لظروف صحية ولكن حين أتواجد بجانبهم أعوضهم او احاول تعويضهم عن كل يوم غبته عنهم ولكن يبقى هناك نقص نتيجة لغيابي. المستمر عن البيت قد تعوضه الزوجة في بعض الأحيان و تبقى عاجزة عن التعويض في بعض الأحيان أكون ممتناً لزوجتي و أطفالي لتفهمهم سبب غيابي وشاكرا لزوجتي لقيامها بدورها و دوري في آن واحد

اقرأ ايضاً