شعار رابعة أصبح يشكل هاجساً مرعباً لكل مؤيدي الانقلاب العسكري في مصر. وشخصياً أتوقع أن الذين قاموا بالانقلاب ومن أيدهم مصابون بخوف حقيقي لأن هذا الشعار يعني لهم الكثير.
لكن هناك جوقة كبيرة تختلف عن هؤلاء في درجة الرعب ولكنها تجاريهم في الحرب على هذا الشعار، وذلك إما نفاقاً وإما بحثاً عن مكاسب مادية أو معنوية، وهؤلاء نراهم في أجهزة الإعلام بدرجة كبيرة، لأن الإعلام المصري أصبح يعبر عن أهداف وتطلعات الانقلابيين حيث لا يسمح غالباً، للإعلام الحر بالتعبير عن وجهات النظر الأخرى. كما نراهم أيضاً في فئة من الموصوفين بـ «المثقفين»، فبعض هؤلاء ينافقون السلطة والبعض الآخر أعماه بغضه للإخوان خصوصاً، وللإسلام عموماً، فأصبح يقف ضد كل ما يمت لذكر الإخوان أو الإسلام بصلة، وبصورة بعيدة جداً عن الحكمة أو المنطق أو حتى مصلحة مصر ومكانتها بين أمم العالم.
والمعروف أن شعار رابعة ظهر بشكل تلقائي وعفوي من رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وهو لا يحمل أي مضمون عقائدي أو سياسي، كما أنه لا يمت للإخوان بصلة، وإنّما جاء تعبيراً عن رفض مجموعة من الشعب المصري للمجازر التي حدثت أثناء فض اعتصام رابعة العدوية. ومن هنا فإن إلصاق هذا الشعار بالإخوان غير صحيح على الإطلاق، بدليل أن الغالبية العظمى ممن يرفعونه في المظاهرات ليسوا من الأخوان.
شعار رابعة يعني رفض الانقلاب، كما يعني المطالبة بعودة الحكم الشرعي، ولأن رموز الانقلاب يعرفون هذا جيداً ويعرفون خطورته على وجودهم، فقد اتخذوا قرارهم بمحاربته وبصورة عنيفة وبعيدة كل البعد عن القوانين والأعراف الدولية، بل وأبسط حقوق الإنسان التي تعطيه الحق في التعبير عن رأيه بطريقة سلمية.
عدد من أشهر لاعبي مصر تعرضوا لحملات تشويه عنيفة، كما تعرّضوا لعقوبات ظالمة لأنهم رفعوا شعار رابعة. وقد تناسى أولئك الذين تولوا تشويه سمعتهم أن هؤلاء اللاعبين رفعوا اسم مصر عالياً في المحافل الدولية، وأن من حقهم التكريم وليس الإساءة والتشهير! فاللاعب محمد يوسف رمضان حصل على بطولة العالم في الكونج فو، وهذه البطولة كما تحسب له فهي تحسب لمصر قبل ذلك، ولكن فوبيا رابعة كانت حاضرةً بقوة في هذا المشهد! فبدلاً من استقبال اللاعب الكبير بما يستحقه من تكريم، قوبل بتقييد حريته والتحقيق معه، والأدهى من ذلك الاستيلاء على ميداليته الذهبية والمكافآت المالية التي أعطيت له! واستكمالاً لهذا المشهد البائس قرّر وزير الرياضة منع اللاعب من تمثيل مصر في كل المحافل الدولية! كما تولّى إعلام الدولة استكمال المشهد بالإساءة إليه شخصياً ونعته بأسوأ الصفات. ثم جاء الدور على لاعب النادي الأهلي أحمد عبدالظاهر، وهو من خيرة لاعبي النادي حيث تعدّدت عقوباته لأنه ارتكب نفس الجريمة! وسبق هؤلاء اللاعب الدولي العالمي أبو تريكة حيث ناله نصيبه من الشتائم والاتهامات لأنه أصرّ على التعبير عن رأيه بصورة حضارية.
صحف عالمية كثيرة عكست صورة ما جرى، وانتقدت طريقة تعامل المسئولين المصريين مع اللاعبين، كما دخلت على الخط بعض منظمات حقوق الإنسان حيث طالبت برد جائزة وميدالية اللاعب العالمي محمد يوسف رمضان، وأكّدت أن التصرف المصري لا يتفق مع قوانين الرياضة الدولية، بل إن هذه القوانين تنصّ على حق اللاعب في الانتماء السياسي وفي حرية المعتقد.
أطفال مصريون رفعوا هذا الشعار، ومع أن الأطفال لهم معاملة خاصة في كل دول العالم، إلا أن حكومة مصر رأت أن العقوبة يجب أن تطالهم وإن كانت بشكل مغاير، ولكنها تعد عقوبةً هدفها إخافة الجميع من رفع هذا الشعار المرعب!
تلك العقوبات لن تجدي نفعاً؛ فأصحاب المبادئ لا تخيفهم العقوبات مهما كان نوعها، وكان الأجدى أن يبحث الانقلابيون عن سبب رفض نسبةٍ كبيرةٍ من المصريين للانقلاب، وكذلك عن إمكانية تقريب وجهات النظر بين المطالبين بعودة الشرعية وبين مؤيدي الانقلاب العسكري، ولكنهم للأسف لم يفعلوا، وهذا بكل تأكيد سيجعل رافضي الانقلاب يزدادون عدداً وقوةً وتصميماً على تحقيق مطالبهم.
أصبح من الواضح أن الشعب المصري انقسم على نفسه؛ وأنه يعيش أزمةً حقيقيةً سببها الانقلاب العسكري، ثم ما تبعه من إجراءات فاشلة جعلت الكثيرين يقفون ضده، ويشعرون أن ثورتهم لم يتحقق منها شيء، بل وإنهم عادوا إلى أسوأ عهود الاستبداد وخنق الحريات، وأن زوّار الفجر ملأوا السجون بأحرار مصر من العلماء وأساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة وغيرهم، بل وزاد الطين بلةً عندما أصبح الطلاب والطالبات وأحياناً الأطفال، من نزلاء السجون والمعتقلات، وهذا ما لم يكن له سابقة في التاريخ المصري الحديث، وهذا كله ساهم في دفع المصريين إلى رفض الانقلاب.
على عقلاء مصر ومحبيها أن يدركوا أن حلّ مشاكل بلدهم لا يكمن في حشر السجون بالمصريين المعارضين ولا في العنف والاستبداد والإقصاء، بل في احتواء الجميع وفي تحقيق العدالة لكل المصريين. ويوم أن يفعلوا ذلك فلن تخيفهم شعارات رابعة ولا غيرها من الشعارات الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ
قس على ذلك ايضا
في دولة عربية اخرى اعتقل المئات من الرياضيين وحرموا من تمثيل المنتخبات الوطنية لمجرد ان لهم موقف سياسي فالأمر هو هو في مصر او في باقي الدول ، الغريب ان الكاتب يسترسل في الكتابة عن مصر بأريحية ويتجنب الحديث عن بلدان اقرب جغرافيا السه مارست نفس المنارسات بل وسبقت مصر ايضا بسنوات
يقول المثل
عنبر اخو بلال
هناك مثل شعبي يشرح نفسه لا داعي لذكره !
دائماً ننظر إلى الآخرين وننتقدهم وننظر لهم وننسى واقعنا وكأننا نعيش في مجتمع مثالي وذلك حسب اهوائنا وانتمائاتنا