مع انقضاء العام 2013 يكون قد مرّ 120 عاماً على وصول أول بعثة تبشيرية قادمة من نيويورك والمرسلة من قبل الكنيسة الاصلاحية البروتستانتية، والذين جاءوا إلى منطقتنا يبحثون عن أبناء إبراهيم، عاقدين العزم على تنصير العرب والعبيد المسلمين من سكان الجزيرة العربية والخليج وساحل أفريقيا.

في العام 1892 سيزرع المبشرون وتداً لهم بتأسيس الكنيسة الوطنية الإنجيلية في البحرين المعاصرة، فقد شد القسّ الأميركي صموئيل زويمر رحاله إلى البصرة في زيارةٍ لموانئ الخليج، واستمر في بحثه وتجواله حتى يناير/ كانون الثاني من العام 1892، وفي السابع من ديسمبر/ كانون الأول حتى أوائل يناير 1894 كانت البحرين محطته التي ستمثل نقطة ارتكاز لعمل البعثة التبشيرية الأميركية. فقد استقر العزم على اختيار البحرين موقعاً مفضلاً لبداية النشاط التبشيري في المنطقة، فقد كانت هذه الجزيرة حسب قوله «تـرحب بالأجانب»، كما أنها بلد عربي بعيد عن سلطة الأتراك، وهذه الميزة الأخيرة ترشّحها لتكون مركزاً مناسباً بعد تجربتهم مع السلطة العثمانية في البصرة.

وبافتتاح مستشفى ماسون أو المستشفى الأميركي في التاسع من مارس/ آذار 1902 في مدينة المنامة، حقّق المبشرون الوسيلة الأولى لتعزيز هدفهم الرئيسي عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية. وقبل افتتاح المستشفى افتتحت زوجة القس زويمر أول مدرسة نظامية للبنات في البحرين العام 1899، وتلتها مدرسة أخرى للبنين العام 1902.

ورغم صعوبة البداية وقلة الموارد، إلا أن أولئك المبشّرين وعلى مدى أكثر من مئة عام، استطاعوا تقديم الخدمات الطبية المجانية، وكانوا مثاراً للإعجاب والسخط في الوقت ذاته، فقد كانوا في بعض الأحيان موضعاً للحفاوة والتكريم، وفي أحيان أخرى معرضين للطرد!

لقد كانت مضخّة الماء الهوائية في مستشفى الإرسالية أول مضخة تدخل البحرين ومعها تحوّل نظام الري إلى نظام ميكانيكي فعّال. وكانت دراجة صموئيل زويمر (أو خيل إبليس كما أطلق عليها الأهالي) أول وسيلة انتقال جديدة. أما البيانو المحظور استعماله أو العزف عليه أثناء الأذان، فقد كان أول بيانو يصل البحرين. وكذلك كانت ساعة الميدان أول ساعة تعلم الناس (وخصوصاً المرضى من زوّار المستشفى) أهمية الالتزام بالوقت.

لقد أثار القادمون الجدد النقاش حولهم، وجاء التحدّي لهم من قبل الأهالي بالمنفعة على مجتمع البحرين. وكان الردّ العملي على ادعاءاتهم عبارةً عن مكتبات أهلية تضم إصدارات ومجلات وكتباً!

ورغم أن مجيئهم كان بهدف التنصير، إلا أنهم انتهوا إلى تقديم الخدمات الإنسانية والتعليمية التي كانت تقربهم من الأهالي، وتعطيهم المجال لممارسة دور إنساني. وبعد مئة عام من الجهد المتواصل، كان عدد الذين تنصّروا على أيديهم عشرة أشخاص فقط، أغلبهم تنصّر لظروفٍ اجتماعيةٍ خاصة.

تضم البحرين اليوم كنائس للكاثوليك والأرثوذكس، ونحو ثلاثين كنيسة مسجّلة رسمياً للجاليات، لكنها لا تملك مبانٍ، بينها الكنيسة القبطية. ويقوم أتباع هذه الكنائس بممارسة شعائرهم في كنائس الطوائف الأخرى. وتخدم هذه الكنائس جاليات كبيرة من الوافدين الغربيين والآسيويين والعرب.

يقول القسّ هاني عزيز راعي «الكنيسة الوطنية» في حديث خاص: «كان رعاة الكنيسة قساوسة أميركيين وبريطانيين مستشرقين يجيدون الحديث باللغة العربية إلى جانب الانجليزية، وكانوا يقيمون طقوسهم العبادية بما فيها المواعظ باللغة الانجليزية، ثم باللغة العربية. إلا أنه وفي فترة لاحقة أصبح رعاة الكنيسة من الأقباط العرب، وكان أول راعٍ عربي للكنيسة هو القسّ عطا اسحق الذي بقي 10 سنوات، ثم جاء القسّ رهيف أرمنيوس وبقي 8 سنوات، ثم القسّ بارح هارون وأقام 10 سنوات، ثم القس هاني عزيز والذي مسك مهام رعاية الكنيسة منذ 1 ديسمبر 1999».

ويشير راعي أقدم كنيسة في البحرين ورابع قس عربي لها بالقول: «يتراوح عدد أعضاء الكنيسة الوطنية الإنجيلية من 60 إلى 70 عضواً، عدا الأطفال الملتحقين في مدارس الأحد، والذين يصل عددهم نحو 25 طفلاً. أما من حيث الجنسيات، فأعضاء الكنيسة بحرينيون من أصول عراقية، وجاليات عربية من مصر وسورية والأردن وبعض الهنود. ويشكّل البحرينيون نحو ثلث نسبة أعضاء الكنيسة، فيما يمثل الثاني الأقباط/ المصريون (أقباط؛ جمع قبطي، وهو اسم من أسماء المصريين ويرجع نسبهم إلى قبطيم بن مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام ويستخدم غالباً للدلالة على المصريين المسيحيين)، والثلث الثالث يمثله السوريون والأردنيون.

«الكنيسة الإنجيلية الوطنية» أقدم كنيسة تبنى في الخليج في البحرين، إذ تأسست في العام 1906 إبان الاحتلال البريطاني على أيدي مبشرين إنجيليين أميركيين. ومنذ ذلك التاريخ بنيت في البحرين كنائس أخرى للكاثوليك والأرثوذكس، حتى بلغ العدد قرابة 16 كنيسة العام 2006، ويتردّد أنها 30 حالياً مسجلة رسمياً للجاليات من وزارة التنمية الاجتماعية، لكنها لا تملك مبان، بينها الكنيسة القبطية. ولأن العديد من الجماعات والمذاهب المسيحية تفتقد دور عبادة وكنائس لأداء طقوسها الدينية، فإنها تمارس طقوسها في الكنائس الموجودة، وهكذا تمارس 22 جماعة عباداتها في الكنيسة الوطنية الإنجيلية.

وتقول دراسات معدة العام 2006 إن عدد الجالية المسيحية البحرينية بلغ قرابة 400 شخص يتوزعون على 80 عائلة بحرينية، وتقدّرهم بـ 1% من السكان، بيد أن مصادر كنسية كاثوليكية تزعم أن عددهم بلغ 1000 مسيحي بحريني.

ويقول رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عيسى أمين إن غالبية من مسيحيي البحرين وفدوا من العراق مع شركات النفط التي بدأت في التنقيب عن البترول في عشرينيات القرن الماضي، هذا غير المسيحيين الوافدين المنتمين إلى جنسيات عديدة أبرزها الفلبين والهند، إضافةً لأعداد متفرقة لعرب مسيحيين من مصر ولبنان والأردن وسوريا.

وقد جرى تمثيل اليهود والمسيحيين في أول مجلس بلدي أنشئ في البحرين العام 1920 جنباً إلى جنب مع ممثلين عن المواطنين البحرينيين وممثلين عن المسلمين الهنود والهندوس أيضاً، إذ كان التمثيل في المجلس البلدي يتم على أساس طائفي.

مؤخراً ظهرت دعوات من داخل الجالية مطالبة بتوسيع حجم تمثيل المسيحيين في مواقع صنع القرار، حيث يقتصر حالياً على تعيين النائبة «أليس سمعان» بمجلس الشورى منذ التسعينيات، فضلاً عن طلب اعتبار أيام أعيادهم إجازة رسمية والاهتمام الإعلامي بهم.