على رغم تطور الفكر الإنساني، وتقدمه مراحل بعيدة عن المعتقدات البدائية التي تقلل من قيمة العقل وتحصره ضمن إطار فكري محدود يرتكز على قواعد يغيب عنها المنطق والصحة، فإن هذه الأفكار التي تقودها العادات والتقاليد في ظل غياب العقلانية والمنطق مازالت تعشش في فكر الإنسان العربي عامة ومجتمعنا البحريني خصوصاً.
تترأس فكرة «الطبيب النفسي للمجانين» لائحة هذه المعتقدات التي باتت لدى الغرب من الماضي المغبر، وبات الطبيب النفسي لديهم معالجاً طبيعيّاً لمرض يتساوى في مستواه مع أمراض البرد والزكام.
أما عن سبب الاختلاف في هذا التصور بين الغرب وبيننا فيرجعه أستاذ علم النفس بجامعة البحرين شمسان المناعي إلى «ظهور الطب النفسي مبكراً في الغرب وتأخره في الوصول إلينا، ما جعل وعي الإنسان الغربي بالأمراض النفسية وقابليته للعلاج متقدماً، في حين أن غياب الوعي الصحي لدى الشارع العربي، يجبر الفئة القليلة المترددة على الاستشاري النفسي أن تُبقي الأمر طي الكتمان، بالنظر إلى الفكرة المتداولة بأن المتردد على الأخصائي النفسي مختل عقليّاً، وهي نتيجة حتمية لترسب هذه الفكرة في عالمنا العربي».
وتصل حاجة البعض إلى الأخصائي النفسي إلى مرحلة خطيرة جدّاً، قد تؤدي به إلى الانتحار، إلا أن فكرة «طبيب المجانين» المتداولة لدينا تمنع المحتاجين إليه وبقوة من زيارة الاستشاري النفسي، فالشاب (م.س) حدث «الوسط»، قائلاً: «مررت بظروف معيشية وزوجية خانقة، أدخلتني في دوامة اليأس من الحياة، والإقدام على محاولة الانتحار للتخلص من الهم الذي أثقل قلبي وعقلي، حاولت أن انتشل نفسي من هذا القعر المظلم الذي وصلت إليه عن طريق التقرب إلى الله والإكثار من قراءة القرآن الكريم، ولا أنسى التفاف أهلي وأحبابي من حولي ما ساعدني على الخروج من هذه الحالة، وعلى رغم طرح فكرة زيارتي الاستشاري النفسي من قبل أفراد عائلتي فإنني رفضت الأمر كليّاً؛ لأنه وكما هو متداول أن الطبيب النفسي للمختلين عقليّاً، وأنا لست مجنون كي أزوره، كما أنني أستطيع حل مشكلاتي بنفسي من دون الحاجة إلى اللجوء لهذا النوع من العلاج».
وتعود مشكلة هذه الفكرة الخاطئة لدى الناس إلى عدم قدرة الفرد العادي على التفريق بين الأمراض النفسية، التي يقسمها علم النفس إلى أمراض عقلية وأمراض عصبية، فكما يقول أستاذ علم النفس بجامعة البحرين محمد حسن المطوع: «تنقسم الأمراض النفسية إلى أمراض عقلية وأمراض عصبية، وهي المتعلقة بضغوط الحياة وحالات الوسواس القهري، لكن الإنسان العادي لا يستطيع التفريق بين الحالتين، فيفضل عدم زيارة الأخصائي النفسي خوفاً من نظرة المجتمع إليه والتي قد تضعه ضمن القسم الأول من هذه الأمراض، لذلك نحن نحتاج إلى مراكز نفسية متخصصة في الأمراض العصبية، وإدخال المتخصصين في هذا المجال داخل أسوار المدارس والمؤسسات، وتقبل هذا النوع من العلاج كأي علاج لمرض آخر».
وترسم بعض العقول توقعات خيالية عن العلاجات التي قد يتلقونها عن الاستشاري النفسي أكثرها كان مصدرها التلفزيون، والصورة التي رسمتها المسلسلات العربية عن الطبيب النفسي وربطه بالأمراض العقلية فقط، وهذا ما كانت تخشاه (س.س) المصابة بالوسواس القهري، عندما أبدت تخوفها في بداية الأمر من العلاج عن طريق الأدوية والحبوب التي ستسبب لها الخمول والدوار، لكن مع ازدياد حاجتها إلى الطبيب النفسي، تقول (س.س): «وصلت إلى حالة متقدمة من المرض، ما استدعى بعائلتي لاصطحابي للطبيب النفسي، ومن أول زيارة لي للمستشفى أدركت أن الأوهام التي كانت في عقلي لا أساس لها من الصحة، فكان علاجي عن طريق العلاج السلوكي ولم أضطر إلى تناول الأدوية والحبوب، والتزمت بالعلاج مدة سنة كاملة تحسنت خلالها كثيراً، بل وبدأت بنصيحة من يعاني من المرض نفسه بضرورة ارتياد الأخصائي النفسي من دون خوف أو تردد».
أما بشأن اشهارها لارتيادها الطبيب النفسي، فتقول: «لا أخجل أبداً من هذا الأمر، ولا أحاول الكذب عندما يسألني أحد عن كيفية علاجي، لأنني أصبحت أدرك أن المرض النفسي، شأنه شأن أي مرض جسماني».
المرشد الأسري «العنصر المحايد في المشاكل الزوجية»
وبارتفاع معدلات الطلاق ووصولها إلى أعلى المستويات في عالمنا العربي، فإن فكرة زيارة المرشد الأسري في محاولة لتقليل هذه النسبة ليست متوافرة بسبب غياب المختصين في هذا المجال، وعلى رغم أن جامعة البحرين قامت بفتح تخصص الإرشاد الأسري منذ العام 2007 فإن خريجي هذا التخصص لم يتجاوزوا 15 خريجاً نتيجة ضعف نشاط هذا التخصص في البحرين.
فيقول أستاذ علم النفس بجامعة البحرين محمد مقداد: «هناك عزوف من قبل الشباب عن تخصص الإرشاد الأسري نتيجة ضعف النشاط والوعي بهذا المجال».
ويضيف مقداد «بعض المشكلات الزوجية تصل إلى مرحلة لا يفيد معها الإرشاد الأسري لوصول الزوجين لخلافات كبيرة لا يستطيع المرشد الأسري حلها».
فيما يرى أستاذ علم النفس محمد المطوع أن «العلاج الجماعي أو الأسري يحتاج إلى شخص محايد للمساعدة على حل المشكلات بخبرته التخصصية، وهو ما يقوم به المرشد الأسري».
زيارة الطب النفسي... خوف وحذر
مع انتشار الوعي بالأمراض النفسية التي يصاب بها الأطفال، كالتوحد والتشتت الذهني، بدأ الكثير من الأهالي القيام باتخاذ القرار الصحيح باصطحاب أبنائهم إلى الأخصائيين النفسيين، لكن الخوف من اشهار المرض، وخشية كلام الناس المصاحب له، مازال يأخذ مأخذه في عقول الآباء الذين يغلب على زياراتهم لمستشفى الطب النفسي الكثير من الحذر، والخوف من مصادفة أحد المعارف.
هذا ما تؤكده ممرضة الأطفال والتنمية في مستشفى الطب النفسي آمال العشيري، بقولها: «الكثير ممن يصطحبون أبناءهم للعلاج في المستشفى يغلب عليهم الحذر والخوف من مقابلة أحد المعارف، كما أنهم يطالبوننا دائماً بالتكتم على الموضوع خوفاً من أن يصل الأمر إلى مسامع الناس، فيؤثر ذلك على مستقبل الطفل وفرصه في الحياة الزوجية والعملية، أو حتى تغير معاملة الناس إليه على أنه مريض عقلي».
الدور الإعلامي في تصحيح المسار
الإعلام له الدور الأكبر في توعية الناس بحقيقة الأمراض النفسية، والتي لا يكاد إنسان يخلو من أبسطها وهو الاكتئاب، حيث لا يوجد انسان لم يمر بفترة اكتئاب ولو قصيرة، إلا أن التغلب على هذا المرض يختلف باختلاف القدرة الإنسانية من شخص إلى آخر، فتقول العشيري: «الكثير من الجمعيات والصناديق الخيرية تسعى دائماً إلى تثقيف الناس في هذا الجانب، من خلال تنظيم المحاضرات التي تهدف إلى توعية الناس عن هذا الأمر، لكننا نحتاج أكثر إلى التسليط الإعلامي حتى تتضح الصورة ونتمكن من محو الأفكار الخاطئة التي تحكم مجتمعنا».
ويؤكد أستاذ علم النفس بجامعة البحرين شمسان المناعي «دور إدارة التثقيف الصحي بوزارة الصحة في توعية الناس بطبيعة مجال الطب النفسي، وأهمية التغلب على العادات الخاطئة التي تحكم المجتمع».
وحتى يحين وقت زوال مصطلح «طبيب المجانين» عن مجتمعاتنا العربية، يبقى الأخصائي النفسي «المقصد الأخير، بل حتى الحل المستحيل للكثير ممن يحتاجون إليه، ليس لأنه نار تحرق أو أفعى تلسع، بل خشية من لسان مجتمع لا يرحم بأفكار جلّ ما يقال عنها إنها متخلفة».
العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ
إن زيارة الطبيب النفسي واجب سواء أكان الشخص سوياً أم لا
ياتي احد افراد عائلتي الى هذا المستشفى بسرية تامة لكي لايعرف احد بمرضه
لكي لا يتعرض لسخرية الاخرين
ابني مريضا
وانا ابوه مريض لمرضه لأنه مجرد نصل المستشفى يهرب مني في زاوية ويختبء -يتخفى- عن الناس فلا يريد ان يراه احد خوفا من التعيير وخوفا على حياته الزوجية والعملية الى جانب ان بيئتنا بيئة سيئة تجرح باللسان وتوجه افظع الالفاظ لمن يرى في مستشفى الطب النفسي ولهذا الاسرة تعيش قلق كبير من مريضها ومن مجتمع يعيش حولنا يزيد المريض الما ومرضا
أنتبه
قبل التعريف عن الطبيب النفساني
طبيب ( المجانين )
فعلا مجانين لأنهم لا يدركون مفعول الأقراص والحبوب التي تصرف للمترددين على الطبيب النفساني ، ومدى تأثيرها على الجسم والعقل
الذي يتم تصنيعه ومزجه بالمخدارت الكيميائية التي تصيب متناولها بالأدمان ،