قبل أيام، وبالتحديد في الرابع عشر من نوفمبر الجاري، مَضَت أربعة وثلاثون من السنين، على فرض أول عقوبات أميركية على إيران. فبعد هجوم الطلاب الجامعيين على السفارة الأميركية في طهران، واحتجاز طاقمها الدبلوماسي والإداري (من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981)، أصدر الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أمراً رئاسياً يقضي بتجميد جميع الأصول والودائع الإيرانية في الولايات المتحدة، والبالغة حينها اثنين وعشرين مليار دولار (الرقم مختَلف عليه).
توالت وتنوَّعت العقوبات الأميركية على إيران، منذ ذلك التاريخ، ولغاية اللحظة. لكن، كان شهر نوفمبر من العام 2011، وثم شهور مارس ومايو ويوليو من العام الجاري قد شَهِدَت أقسى العقوبات الأميركية على إيران، بعد استهداف قطاع الطاقة (النفط، الغاز والبتروكيماويات) والتعاملات البنكية من وإلى إيران (عبر المصارف التجارية والرسمية والمركزية)، بالإضافة إلى حظر الأعمال التجارية في الداخل الإيراني.
طبعاً، كانت هناك عقوبات أممية مُلزِمة بحق إيران، صادرة عن مجلس الأمن، وهي: القرار 1737 (2006)، القرار 1747 (2007)، القرار 1803 (2008) والقرار 1929 (2010) بالإضافة إلى القرار 1696 غير الملزِم. وهي القرارات التي صُدِّرَت على خلفية برنامج طهران النووي. وربما من المفيد هنا، أن نستعرض بالتفصيل، طبيعة هذيْن النوعيْن من القرارات (الأممية والأميركية) وأيهما أكثر ضرراً وإيلاماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
حسب ما جاء في ديباجة القرارات المذكورة (وبالتحديد الأربعة الأخيرة)، الصادرة عن مجلس الأمن، فإنها «تهدف إلى ضمان الطابع السلمي المحض لبرنامج إيران النووي، والوفاء بالتزاماتها الدولية». وأنه وحسب «المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم الدول الأعضاء بقبول وتنفيذ قرارات مجلس الأمن بـ «حظر الانتشار الصاروخي الحساسة ذات الصلة بالبرامج النووية والبالستية. واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تزويد أو بيع أو نقل مباشر أو غير مباشر من أراضيها أو من جانب رعاياها أو باستخدام عَلَمِها على السفن أو الطائرات، لاستخدام أو منفعة لإيران، يمكن أن تساهم في الجوانب المتعلقة بالتخصيب أو إعادة المعالجة أو الأنشطة المتعلقة بالماء الثقيل».
ولو رجعنا إلى تفاصيل تلك القرارات، سنجد أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجانب التقني للبرنامج النووي، دون المساس ببقية الملفات. وحتى عندما تطرقت القرارات إلى عمليات التمويل البنكي، رَبَطَتها بجملة: «المساهمة في الأنشطة النووية الحساسة» وبضرورة الرجوع إلى الفقرة 18 من القرار 1929 والفقرة 7 من القرار 1747 والفقرتين 9 و 10 من القرار 1803، والفقرات 21 و 23 و 24 من القرار 1929 والفقرة 16 من الديباجة من القرار 1929.
لذا، فقد انطوت تلك القرارات على مخارج قانونية، مكَّنت إيران من التملُّص من العقوبات، خصوصاً وأنها حَيَّدت جانب النفط (والطاقة بصورة عامة). دعونا نتحدث بلغة الأرقام هنا، فما بين العشرين من مارس والعشرين من مايو من العام 2008 (أي في أتون القرارات الأممية الخمسة) أودَعَت إيران سبعة مليارات دولار في حسابها من العملة الصعبة عبر عائدات النفط وحدها. ما يعني أنها كانت قادرةً على إيداع اثنين وأربعين مليار دولار في احتياطي العملة الصعبة حتى نهاية السنة الإيرانية، خصوصاً أن طهران تربح ملياراً و460 مليون دولار سنوياً كلما زاد سعر البرميل دولاراً واحداً، مع الإشارة هنا، إلى أنها رَبَحَت من عوائد النفط نهاية العام 2007 (أي بعد عامين تقريباً من صدور ثلاث قرارات أممية ضدها) زهاء السبعين مليار دولار، ثم زادت إلى حدود المئة والعشرين مليار دولار.
أكثر من ذلك، فقد تحدّثت هيئة مساءلة الحكومة الأميركية في الكونغرس في العام 2008 أنها «تقدر عقود الطاقة التي أبرمتها طهران مع القطاع الأجنبي بعشرين مليار دولار حتى نهاية العام 2007»؛ مشكِّكةً في «فاعلية العقوبات التي فرضتها واشنطن منذ العام 1987 على إيران بتهمة التورط في الإرهاب». هذا الأمر يعطينا توصيفاً لطبيعة القرارات السابقة المذكورة.
نأتي الآن إلى حزمة العقوبات «الجديدة» التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران. فواشنطن أدركت أن طهران لم تعد تألَم من أيِّ عقوبات ما دامت لا تمس أهم قطاعيْن لديها: قطاع الطاقة، والقطاع المصرفي. فالقطاع المصرفي هو كما بيَّناه، وصلت فيه إيران لأن تستحصل مبيعاتها النفطية باليورو إلى 75 بالمئة منذ ديسمبر 2006، وزادت إلى 85 بالمئة، وبالتالي، لم يعد هناك إلاَّ ضرب هذيْن القطاعيْن كي يؤثرا مباشرةً في نخاع العظم الإيراني.
وهو ما حدث، حين فرضت واشنطن حزمةً من القرارات «الشديدة» بحق إيران. وقد أشارت الأرقام الحديثة إلى أن تلك العقوبات، أدت إلى أن يخسر الاقتصاد الإيراني شهرياً، ما بين الأربعة والثمانية مليارات دولار، الأمر الذي أدى إلى زيادة التضخم، وتدهور في العملة الوطنية (الريال) وإلى استنزاف للعملة الصعبة، وعدم قدرة على تحصيل الأموال من الخارج. بعد تخوَّف الشركات العالمية والبنوك من أن تجري معاملات تجارية أو تحويلات مع النظام المصرفي الإيراني.
وقبل فرض العقوبات الأميركية، كان «الدخل السنوي لإيران من مبيعات النفط بين 110 و120 مليار دولار» أما اليوم، فوصل إلى «40 و45 مليار دولار» فقط. كما أن طهران وبسبب العقوبات المالية لم تعد قادرةً على «الوصول إلى 45 مليار دولار مجمدة في بنوك حول العالم» حسب تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
ليس ذلك فحسب، بل إن العقوبات الأميركية، وصلت حتى إلى شركات الشحن البحري، وإلى شركات التأمين عليها، وقطع اتصالات السفن الشاحِنة له. هذا الإجراءات أرهقت اقتصاد الإيرانيين كثيراً، حين وجدوا أنهم يخسرون ما بين ثمانية وأربعين، وستة وتسعين مليار دولار سنوياً جرّاء ذلك، فضلاً عن تعويض الخسائر من احتياطيهم من المال.
في كل الأحوال، فربما كان الإيرانيون قادرين على تنويع مصادر دخلهم خلال تلك الفترة، لكن لم يكن جدواه بذات القوة التي تمنحها الطاقة لهم. لذا، فإن المفاوضات التي ستجري بينهم وبين الغرب بعد أيام، قادرة لأن تفسِّر قدرة طهران على التكيُّف مع تلك التبعات من عدمه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4090 - الأحد 17 نوفمبر 2013م الموافق 13 محرم 1435هـ
الفرس والروم وخسارة الروم وحلفائها التستراتيجيون لكن الأمر لله!
قال عزّ من قائل (( ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)) هنا يقال أن الأمر بيد الله وليس بيد الناس أوليس بيد الشركات العالميه أو المشتركه معها ومتحالفه ومختلفه مع شعوب المنطقه! الإنهيار المالي والطوفان المدمر للفلبين وغيرها من مناطق العالم ما هي الا علامات لا ريب فيا عن قرب نهاية العالم. ويش قال جحا سلف أو تلف بنوك أجنبيه –محليه خسرت
مشكلة المفاوضات القادمة ستأتي من باريس هذه المرة
بعد تصريحات هولاند في اسرائيل باتت المفاوضات اصعب من قبل
الحاجة ام الاختراع
شكرا ان اطلعتنا عما سيحصل في قادم الايام بما يتعلق بالمفاوضات النووية القريبة