تم استباق موسم عاشوراء هذا العام بإصدار أحكامٍ مشدّدة في عدد من القضايا السياسية، تلتها رسائل تخويف إلى الخطباء، وتخفيف الإجراءات الأمنية حول المنامة، مع بعض التحرشات والاحتكاكات على الأطراف.
بدأت التحرشات (وبعضها استمر حتى أمس)، في مناطق محدّدة - مثل النويدرات والمعامير والمالكية - بعيداً عن العاصمة، بإزالة «السواد» واللافتات الخاصة بموسم عاشوراء، وإطلاق مسيلات الدموع على التجمعات الشبابية الصغيرة التي تقوم بتعليقها. وهي أعمالٌ ينظر إليها بعض الأهالي على أنها استفزازية، يتورّط فيها بعض مسئولي المناطق الأمنيين، ويتحكّم فيها المزاج الشخصي وليست سياسة عامة للدولة، ما يستدعي تدخلها لضبط هذه الأمور.
في المنامة، سارت الأمور بهدوء، ومن الممكن ملاحظة تخفيف الإجراءات والقيود التي فرضت في العامين الماضيين على دخول منطقة قلب العاصمة القديمة التي تحتضن كل الفعاليات. كما لم يُلاحظ هذا العام وجود دورياتٍ للتفتيش تعترض من يغادرون المنامة إلى مناطقهم آخر الليل. الاستثناء ربما كان في اعتقال أربع نساء اتهمتهن الداخلية بإهانة رجال الأمن، بينما صرّح الأهالي بأنهن حاولن اعتراض الشرطة عند محاولتها اعتقال عددٍ من الشباب. وهي حالاتٌ يمكن أن تحدث في أي بلد عربي، أثناء المداهمات، لكن لا يتم المسّ بالنساء أو اعتقالهن وتقديمهن إلى المحاكمات، مراعاةً للتقاليد والشيم العربية.
في مطلع محرم، أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بياناً دعا فيه إلى صون الشعائر الحسينية والابتعاد عن تسييسها. وهي دعوةٌ نسمعها كل عام، وأحياناً طوال شهور العام، تبعاً لمنسوب الحراك السياسي في الشارع. المجلس مجلس رسمي معيّن، ويُمثل الطيف المقرّب من السلطة، وتأتي دعواته منسجمةً ومتطابقةً تماماً مع سياساتها. ووجدنا صدى تلك الدعوة أيضاً بعد أيامٍ في خطابٍ لوزارة الداخلية، بطريقةٍ مباشرةٍ أكثر، حين حذرت الخطباء من أن الخطيب لا يمتلك حصانة.
الخطباء ليسوا ساسةً، ولهم عالمهم الخاص، إنّما يتعرضون لماماً لشئون السياسة وشجونها، وخصوصاً حين يفيض الكيل بالجمهور. وقبل عامين تم اعتقال بعض الخطباء من أصحاب الخطاب المباشر، وضموا إلى قضية الـ 21، حيث صدرت بحقهم أحكام كبيرة، وحكم على أحدهم بعشرات السنين. الرأي العام اعتبر ذلك عقوبة على الحديث الصريح على المنبر.
العام الماضي، تمّ استدعاء عددٍ من الخطباء في اليوم الثاني أو الثالث من المحرم، على سبيل التخويف، وسئل أحدهم: ماذا تقصد بقولك: ولا تركنوا... (الآية)؟ فقال: هذا كلام الله، فاسألوا الله! أما هذا العام فلم يتم استدعاء الخطباء. ربما تم الاكتفاء بالرسائل التحذيرية، وظلّ الخطباء يبثون على موجاتٍ سياسيةٍ قصيرة، يضمّنونها بعض الانتقادات أو التلميحات التي يلتقطها الجمهور بسهولة، فلا يمكنك أن تكمّم أفواه الناس وتخنق أنفاسهم.
الاستدعاء الغريب تم يوم العاشر من المحرم، حين استدعي الرادود (المنشد الحسيني) عبدالأمير البلادي، وسئل عن سبب ذكره اسم الرادود المعتقل حاليّاً مهدي سهوان في موكب العزاء. كان زميلاً له وذكره وهو يستعيد قصيدة اشتهر بإلقائها. هذا التحقيق اعتبره الكثيرون إجراءً غريباً، على رغم تعرض الكثير من الرواديد للملاحقات والاعتقالات والسجن خلال العقود الأخيرة.
الإجراء الأكثر غرابةً، هو إزالة الداخلية نصب «الحسين سفينة النجاة»، وهو عملٌ فني جميل، تم تدشينه في الثاني من المحرم، بمنطقة الجُفَيْر، طوله 27 متراً، وارتفاعه 10 أمتار، على شكل سفينة. وكان ذلك استيحاءً من الحديث النبوي: «مَثَلُ أهل بيتي كسفينة نوح...»، وشارك فيه 35 شابّاً، لمدة شهرين. الغريب أن الداخلية أقدمت على إزالته بعد أسبوع كامل، دون تقديم أية مبررات أو تفسيرات مقنعة للرأي العام، وخصوصاً انه يحمل مضموناً فنيّاً وحضاريّاً راقياً. كثيرون اعتبروا هذا الإجراء استفزازيّاً وليس له داعٍ، وهو ما دعا أحد النواب إلى التصريح بأنه سيطرح موضوع الاعتداء على الشعائر الحسينية في البرلمان، كما أحرج «الأوقاف الجعفرية» التي تحاول أن تثبت وجودها، فصرّحت على استحياء بأنها تسعى لـ «إقرار آلية لتلافي ما حدث لنصب الحسن سفينة النجاة».
في ليلة التاسع من المحرم، أطلق «المرسم الحسيني» رسالة محبةٍ وتضامنٍ مع الشعب الفلبيني لتعرّضه لإعصار هايان، وقام بإشعال الشموع، حيث حضرت بعض أفراد الجالية الفلبينية ومراسلو وكالات الأنباء لتغطية هذه اللفتة الإنسانية النبيلة.
في ليلة العاشر، كانت المنامة تغصّ بأعداد ضخمة من المشاركين، بما أعاد أرقام الحشود إلى ما قبل 2011 (تقدّر بـ 180 ألفاً). البعض فسّرها باعتبارها استجابة طبيعيةً للتحديات. في السنوات السابقة، كان عددٌ من النشطاء السياسيين يتجمعون عند رأس شارع الإمام الحسين (ع)، يلقون خطبهم وآراءهم السياسية المباشرة جدّاً. هؤلاء تم تغييبهم عن الساحة قبل عامين. هذا العام، وجدتُّ شابّاً يخطب وقد اجتمع حوله عدد من آباء شهداء حراك فبراير، وهم يحملون صور أبنائهم.
في ظهيرة اليوم العاشر، ورد خبرٌ عن تفريق قوات الأمن مسيرة عزاء في النويدرات، باستخدام مسيلات الدموع والرصاص الانشطاري (الشوزن). كان استخدام هذين السلاحين غريباً أيضاً في مثل هذا اليوم.
آخر ما جرى من احتكاكات... ومع ختام عزاء الديه المركزي يوم الحادي عشر من المحرم، 1435 هـ، توجّهت مجموعة من الشبان ناحية دوار اللؤلؤة، مركز الاحتجاجات الشعبية السابقة كما تصفها وكالات الأنباء العالمية، وتصدّت لهم قوات الأمن.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4090 - الأحد 17 نوفمبر 2013م الموافق 13 محرم 1435هـ
رد مفحم
فقال: هذا كلام الله، فاسألوا الله! أما هذا العام فلم يتم استدعاء الخطباء. ربما تم الاكتفاء بالرسائل التحذيرية، وظلّ الخطباء يبثون على موجاتٍ سياسيةٍ قصيرة، يضمّنونها بعض الانتقادات أو التلميحات التي يلتقطها الجمهور بسهولة، فلا يمكنك أن تكمّم أفواه الناس وتخنق أنفاسهم. طبعا هم يحاولون بس الماي زاد على الطحين.
كان استخدام هذين السلاحين غريباً أيضاً في مثل هذا اليوم
ربما في هذا اليوم / عاشر محرم / ما كانوا يستخدمونه فيه
لكنهم طوال العام يستخدمونه عادي واستخدموه هذي السنة.
ما أكثرها
هذا التحقيق مع الرادود البلادي اعتبره الكثيرون إجراءً غريباً، على رغم تعرض الكثير من الرواديد للملاحقات والاعتقالات والسجن خلال العقود الأخيرة. يا ما ويا ما. خلها على الله.
سيد
هذا شهر يخص مواقف (( الحسين ))
يا سيد خلك منصف يعني تبي تقول انك ماسمعت الامور و الكلمات السياسيه و الصور الي تنداس عالارض
او انت مثل العين الواحده
احياء ذكرى استشها دالامام الحسين مو موضوع مسيل الدموع و ووووووو
كل حد يلتزم حده
توثيق ومقارنة موضوعية
السيد قاسم السيد حسين وثق ما جرى بشكل عام وقارن ما جرى بالأعوام السابقة. وهو تحليل موضوعي وليس فيه مبالغة وعند النقاط الايجابية ذكرها مثل تخفيف القيد والاجراءات على الدخول للمنامة.حتى الخطب السياسية أشار إليها عند شارع الامام الحسين ومقارنتها بالماضي. بس العين الوحدة عند الذين يتعامون عن كل موسم عاشوراء ولا يذكرونه بالمرة. وكأنه شيئ لم يكن.
الحسين شمعة لا تنطفئ ابدا
الحسين سفينة النجاة ومصباح الهدى
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين جميعا عليكم مني سلام الله
الدنيا دوارة
شكرا يا سيد لتوثيقك على ما جرى من إنتهاكات لمحرم هذا العام1435