قالت هيومن رايتس ووتش اليوم الأحد (17 نوفمبر / تشرين الثاني 2013) إن قوات الأمن العراقية تواصل تطويق الأحياء ذات الأغلبية السنية وإغلاقها، مما تسبب في محاصرة سكانها بداخلها فعلياً، وتداهم المنازل وتجري عمليات اعتقال جماعية، استباقاً لشهر المحرم الذي يعظمه المسلمون. ينبغي للحكومة العراقية اتخاذ إجراءات لمنع تصاعد الهجمات الطائفية على الشيعة أثناء الشهر الحرام، بدون اللجوء إلى إجراءات قمعية مثل الاعتقالات الجماعية.
وفي السنوات الأخيرة تبنت جماعات سنية متطرفة مرتبطة بالقاعدة في العراق مسؤولية هجمات تسببت في قتل المئات من الشيعة أثناء محرم، وخاصة أثناء المواكب المتجهة إلى كربلاء وإلى حي الكاظمية في بغداد، في يوم عاشوراء الموافق لذكرى وفاة الإمام الحسين، أعظم شهداء الإسلام الشيعي. في عاشوراء، الذي وافق 14 نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام، استهدف انتحاري و تفجير مزدوج الزوار الشيعة في السعدية شمالي بغداد والحفرية جنوبيها، فقتلوا ما لا يقل عن 41 شخصاً وجرحوا أكثر من مئة آخرين.
وكما في سنوات سابقة، شددت السلطات العراقية من إجراءاتها الأمنية استباقاً لعاشوراء، إلا أن سكان الأحياء السنية في بغداد وفي سائر أنحاء البلاد قالوا إن قوات الأمن اتسمت بقسوة خاصة هذا العام.
قال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على الحكومة أن تبذل قصارى جهدها لتمكين الشيعة من المشاركة في مواكب الشهر المحرم دون خوف من الاعتداءات، لكنها بحاجة إلى التركيز على ردع المعتدين، لا محاصرة أحياء بأسرها".
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع عشرات الشهود الذين قالوا إن قوات الأمن ومعها أفراد من القوات الخاصة ومن جهاز مكافحة الإرهاب، طوال الأسبوع الأول من محرم، الذي بدأ في الخامس من نوفمبر/تشرين الأول، قامت بمداهمة منازل واعتقال أشخاص بشكل جماعي في أحياء الدورة والأدهمية ببغداد، وفي مدن الديوانية والفلوجة وهيت والحلة، ضمن مدن أخرى.
قامت جماعات سنية متطرفة بالاعتداء على مصلين من الشيعة في الأيام السابقة على عاشوراء، ففي 8 أكتوبر/تشرين الأول اعتدى انتحاري على مصلين شيعة في الأدهمية فقتل ما لا يقل عن 49 شخصاً وجرح 75. وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني قام انتحاري باستهداف مجموعة من المصلين الشيعة المحتفلين بذكرى عاشوراء في مدينة بعقوبة الشرقية، فقتل 8 أشخاص بينهم طفلان، وجرح 35.
وفي السنوات الماضية عمد المتمردون السنة مراراً إلى استهداف الشيعة في أيام مناسباتهم، وأثناء مواكب عاشوراء بوجه خاص. في 2012 قتل المتمردون 62 شخصاً في هجمتين على الشيعة في يوم عاشوراء والأيام التالية له مباشرة. وفي 14 يونيو/حزيران 2012، وهو مناسبة شيعية تحي ذكرى وفاة الإمام موسى كاظم، تسببت هجمات منسقة بالرصاص والقنابل في أنحاء العراق في مقتل 72 شخصاً وجرح 200، معظمهم من المصلين الشيعة. في 2 مارس/آذار 2004، قتل المتمردون 180 من الزوار الشيعة في حي الكاظمية ببغداد وفي كربلاء، فيما عرف بـ"مذبحة عاشوراء"، وأحد أكثر أيام العراق دموية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
تصاعدت هجمات المتمردين على نحو درامي هذا العام بعد اعتداء الجيش والقوات الخاصة على اعتصام في الحويجة في أبريل/نيسان، كما كثفت قوات الأمن العراقية من استخدامها للتدابير القاسية، من قبيل المداهمات التعسفية للمنازل والاعتقالات الجماعية في الأحياء ذات الأغلبية السنية، ولا سيما قبل عاشوراء.
واستناداً إلى شهادات شهود، قامت قوات الأمن منذ 7 نوفمبر/تشرين الثاني بتنفيذ عمليات اقتحمت فيها جميع المنازل في قطاعات من الأحياء ذات الأغلبية السنية في مدن مختلفة، وقبضت على العديد من السكان الذكور دون إبراز تصريحات بالاعتقال، واحتجزتهم عدة أيام ـ دون إبلاغ ذويهم بمكانهم أو عرضهم على قاض للتحقيقات في غضون 48 ساعة كما يشترط القانون العراقي. قال الشهود لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يجر الإفراج عن العديد من المحتجزين حتى الآن.
وقال سكان من بغداد لـ هيومن رايتس ووتش إن أفراداً من القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب، فيما بين 7 و11 نوفمبر/تشرين الثاني، أجروا عمليات اعتقال جماعي في منطقتي الدورة والأدهمية.
وقال زعيم قبلي إن قوة أمنية لم يستطع تحديد هويتها داهمت منازلاً وأجرت عمليات اعتقال عشوائية في الأدهمية فقبضت على أكثر من 30 شخصاً دون تصريح، ووجهت إليهم الإهانات ونادتهم بـ"أسماء مذلة"، ثم أسلمتهم إلى كتيبة تتبع اللواء 44 من الفرقة 11 في الجيش، وقال مسئولون من وزارتي الداخلية والدفاع لـ هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط ومايو/أيار إن القانون لا يبيح لقوات الأمن التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع احتجاز المشتبه بهم، بدلاً من تسليمهم لعهدة وزارة العدل.
وقال الزعيم القبلي لـ هيومن رايتس ووتش إنه وغيره من شيوخ الحي زاروا الكتيبة لالتماس الإفراج عن المحتجزين، وقال إنهم "أطلقوا سراح بعضهم، لكن هذا أصبح أمراً معتاداً. في كل عاشوراء تأتي قوات أمنية وتداهم الأحياء وتعتقل أشخاصاً، وتحتجزهم لبعض الوقت. وبمجرد انقضاء عاشوراء يفرجون عن معظمهم، لكنهم لا يوجهون إليهم اتهاماً قط".
وقال إن قائد كتيبة الجيش قال له إنه بعد عاشوراء "سيبقى المطلوبون ويخلى سبيل الباقين". وقال محام يعمل معه لـ هيومن رايتس ووتش إن معظم الأشخاص "تعرضوا للاعتقال العشوائي، بدون تصريح" وإن بعضهم كانوا عمالاً من خارج بغداد. قال المحامي إنه سمع بإجراء قوات الأمن لعمليات مشابهة في نفس اليوم في منطقتي الطارمية والدورة، وهما من المناطق ذات الأغلبية السنية كذلك، إلا أنه لم يعرف عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم.
فيما قالت سيدة أخرى من سكان الأدهمية لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن في 7 نوفمبر/تشرين الثاني بدأت في إجراء مداهمات في الحي استمرت حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني، موعد المقابلة. وقالت: "إننا نراهم في كل مكان [الآن] لكننا لا نعرف عدد الأشخاص الذين يعتقلونهم".
وقالت إحدى سكان الدورة لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، أحاط "عدد هائل" من أفراد القوات الخاصة ذوي الزي الأسود بالحي في العاشرة صباحاً وداهموا "كل منزل من المنازل" في عملية استمرت حتى الخامسة مساءً. وقالت: "لقد أحضروا 5 شاحنات على الأقل، واعتقلوا عدداً كبيراً من الشباب ـ لا يقل عن 50. وضعوهم في الشاحنات وأخذوهم. كانت النساء تخرجن وتبكين، ولم يعد أيّ من الرجال".
وقالت إن عائلات المعتقلين "مرتعبة" ولا تدري أين يجري احتجاز ذويهم. قالت إن "الناس يخشون الخروج ويخشون البقاء في بيوتهم" وإن الكثيرين من المعتقلين "كانوا يبدون صغار السن" لكنها لا تعرف إن كانوا دون الثامنة عشرة.
قالت معلمة من هيت، وهي مدينة ذات أغلبية سنية في محافظة الأنبار، لـ هيومن رايتش ووتش إنه في ما بين الخامسة والسادسة من صباح 10 نوفمبر/تشرين الثاني، قام أفراد من القوات الخاصة بمحاصرة أحياء كاملة من المدينة واعتقال العشرات من الشباب على مدار عدة ساعات. وقالت المعلمة إنها شاهدت قوات الأمن "في كل مكان" في الشوارع ورأتهم يعتقلون شخصين. في توقيت لاحق من ذلك اليوم أخبرها عدد من الطالبات بأن أفراد القوات الخاصة اعتقلوا العديد من أفراد عائلاتهن، وفي حالة واحدة على الأقل أخذوا عم إحدى الطالبات وكافة أبناء عمها من منزلهم، بحسب قولها.
وقال مراسل لوكالة أنباء محلية ومقيم في الرمادي لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض السكان والزعماء القبليين أخبروه بأن قوات أمنية من قيادة عمليات الجزيرة والبادية اعتقلت 90 شخصاً من الفلوجة و63 من هيت و42 من مناطق ريفية في الأنبار يومي 9 و10 نوفمبر/تشرين الثاني.
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني أعلن هادي رزيج قائد شرطة الأنبار عن قيام الشرطة المحلية والقوات الخاصة باعتقال 43 شخصاً من حي الشهداء في مساء ذلك اليوم أثناء "عملية أمنية" جنوبي الفلوجة، مشيراً على ما يبدو إلى واحدة من حملات الاعتقالات التي وصفها الشهود لـ هيومن رايتس ووتش. قال رزيج إن جميع المعتقلين "من قادة القاعدة" لكنه لم يقدم أية أدلة بالنظر إلى عدم تقديم أي من المحتجزين للمحاكمة. عجزت هيومن رايتس ووتش عن الوصول إلى أي مسؤول آخر من وزارتي الداخلية والدفاع للتعليق.
في مقابلات عديدة مع هيومن رايتس ووتش في الأيام الأخيرة، قال عراقيون إن الاعتقالات العشوائية من شأنها إثارة غضب السكان السنة بدلاً من منع الاعتداء على الشيعة في عاشوراء.
قال إريك غولدستين، "من الواضح أن السماح لقوات الأمن بالعمل خارج القانون دون ضوابط لا يحل الأزمة العنيفة في العراق. والتضييق على أحياء بأسرها يفاقم من الفظائع التي يواجهها العراقيون يومياً ولا يخففها".