الحابل هو ذاك من يرعى جنين الخير الذي يعم الجميع، والنابل هو ذاك الذي يرمي بسهامه ذاك الخير، وشتان ما بين الإثنين.
الأول يسيل من لعابه ولفظه وعمله، ما يحفظ للإنسان إنسانيته، ويعطر بأنفاسه القلوب الطاهرة، الحبلى بما يجمع الناس في الحق والعدالة والمساواة، لغته لغة الله في كُتبه لخلقه، الحافظة للإنسان دمه وعرضه وماله، دون ملة ولا مذهب ولا قبيلة ولا طائفة، إلا من قتل نفساً بغير حق، أو تطاول بالتعرض للغير بالسوء، ذاك دماؤه طاهرة، إلا أن السلطات ومن ناصرها في التنبيل لا تعي ذلك، وهي التي اتّسَم قولها وفعلها بالثاني.
حين الحديث عن الحسين وآل بيت النبوة، ينبل النابل بسهام التشكيك، والنيل منهم، بما هوت نفسه الأمارة بالسوء، فينحى منحى الجهل، في تخالط المفاهيم، وقد يكون هذا حد «جوشنه» فيأتي بفرد خرج عن ميثاق النبوة، على الرغم من صلة القربى، فكأن بيت النبوة منحصر فيها، لينال من الجمع بما أتى به الفرد، فبيت النبوة معيارها الوجدان النبوي الذي أتى برسالة الله جل وعلا، وليس بقربى الدم، فأبو لهب عم الرسول، إلا أنه مات كافراً، وهناك من النابلين، من ينكر على الشيعة تشيعهم لعلي وزوجه فاطمة الزهراء بنت النبي، والحسن والحسين، وأهل بيته الطاهرين، الذين بَجّلهم وقدّسهم الخلفاء الأربعة، الذين ماتوا أكثرهم تقتيلاً في عهد الخلافة، وبغض الطرف عن اختلاف فقهي بينهم، إلا أنهم تكاملوا ببعضهم البعض، وما رواية زنى بعض الصحابة في عهد عمر، وحسمُ علىّ بن أبي طالب، للقصاص بقولته الشهيرة «إن جلدته فارجم صاحبك» التي إمتثل لها عمر، إلا دليلاً على ذاك التكامل، والصحابة أيضاً ليسوا بصحبة النبي في حياته، بل هم بصحبة رسالته.
والمذاهب الأربعة، الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي، أيضاً كانوا مكملين لبعضهم، بطبيعة الحال في الاختلاف الفقهي، من بعد النبوة والخلافة، إلا أنهم لم يعادوا آل بيت النبي، وأشهر القول في ذلك شعر الإمام الشافعي، وقد عانى الأئمة الأربعة الويل في سجون الدولة، نظراً لتصحيحهم الفهم الديني، الذي لم يكن في صالح ولاة الأمر، في استتباب الملك لهم بتوليهم إدارة الدولة الإسلامية. أما المذهب الشيعي فقد كان وليد عهد النبوة حين فدا عليٌّ الرسول بالنوم في فراشه، وبلغ الرشد من بعد وفاته، ولكنه لم يفتت الدولة الإسلامية، مثله اليوم مثل أتباع المذاهب الأربعة الأخرى، نقول الأتباع وليس الأئمة، في عدائهم لآل البيت، إلا أن الأصول القبلية، جعلت من الصراع المجتمعي على الخلافة قبلياً، فتفرد بها الأمويون ثم العباسيون، إلى أن آلت إلى المماليك والأتراك في الدولة العثمانية، ولم يكن هناك من مبتغى عند كل هؤلاء إلا نزع الخلافة عن آل البيت، بدءًا بابن أبي طالب، وما الحسين ابن علي إلا مجدّداً للدعوة المحمدية، التي مالت إلى غير فحواها، لصدّ الظلم ونصرة الحق، بأن كان أول من انتفض على ولي الأمر معاوية، حين بدأ توريث الخلافة لابنه يزيد، خلافاً لمبدأ الشورى الإسلامية، بأن رفض مبايعة يزيد، وقد كان للحسين شأنٌ في المجتمع الإسلامي، فهو بهذا أوجع يزيد وأباه، خصوصاً وأنه كسر فكرة موالاة الوالي، عادلاً كان أو ظالماً، تلك الفكرة التي تحفظ للغاصب توليه الملك.
واليوم نسمع من اللغو في القول والبطش في الفعل، ما يمس آل البيت بالسوء ممن يجهل التاريخ، ومن يختلقه لغاية في نفسه، رجوعاً إلى الصراع القبلي الذي بدأ بعد عصر الخلافة الراشدة، ليطال المذهب الشيعي بما يطال أهل بيت النبوة، فيدّعي كذباً أو لمبتغى النفس القبلية، أن الحسين خرج للكوفة ابتغاء الخلافة، بالحرب على يزيد، وهو لا يتعدى تعداد جيشه تعداد أهله، بأقل من المئة، في قبالة جيش دولة يزيد بعشرات الآلاف من الرماة والفوارس، فلم يفقه هؤلاء إرادة الله في فعله، فإما ناصره في الحرب وإما مُمِيته وأهله، وفي كلتا الحالتين، هو نصر من الله، ليس آنياً بل هو آتٍ، فلولا تضحية الحسين، ما بان رجس يزيدٍ وأبيه، وما شحذ همم أهل الحق من السنة والشيعة، بما هو واقعهم اليوم من الانتشار ومن الصبر على الابتلاء، والمبادرة بتقديم النفس والمال لتحقيق العدالة، ولكي نغلق الباب على المضاهاة والأمثلة بالبلاد الأخرى. فحديثي هنا عن شيعة وسنة البحرين خصوصاً، وليس عن عمومهما في العالم، مع التحفظ على بعض الممارسات.
وكلما تألّم الآخرون من أداء شيعة البحرين، كلما نسجوا الخرافات المذهبية، حول الشيعة عموماً، فمنهم قائل بأنهم خذلوا الحسين في واقعة كربلاء، ثم ندموا، فهم اليوم في تتراهم الإنجابي، يلطمون حسرةً وتعذيباً للذات، وليس إحياءً بما قسم الله لهم من دور في إبقاء سيرة الحسين إلى يوم يبعثون.
فنرى اليوم في بحريننا الغالية، من بعد الألفة فيما بين مكونيها السني والشيعي، العداء للشيعة، وممن؟ من الجهات التي تخشاهم على تفردها بالسلطة والقرار، ويناصرها في ذلك بعض من السنة الجهلاء، وبعض من الدينيين، استتراءً للنزعة القبلية، تلك التي برزت بعد عهد الخلافة، ما دعا السلطات إلى ممارسة سياسة الاستفزاز في العقيدة، بغية خروج الطائفة من عقالها الديني، إلى الإحتراب الطائفي، لتستغله في النيل من أفرادها في البحرين، إلا أن الصبر والإحتمال وضبط النفس لدى الطائفة، أضاع فرصاً كثيرة على السلطات، وأبدلها إلى المواقف ضد السلطات في المحافل الدولية والإنسانية.
وعلى العقلاء مراجعة مطالب الحراك، التي ضحّى أهلنا الشيعة من أجلها، بالاستشهاد والسجون ومسّ العقيدة والعرض، وشاركهم في بعض المآسي نفرٌ من السنة الوطنيين، فلا يحفر قبره بيده إلا الجاهل والحاقد، الذي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، فالقادم سيذهلهم.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4089 - السبت 16 نوفمبر 2013م الموافق 12 محرم 1435هـ
اصيل
خلف عمري استاذ الجليل
??????
القادم سيذهلهم؟ وسيذهلك!!!!!!!!أيها الكاتب
كثيرا ما نغفل البعد الغيبي والسماوي في قضية الامام الحسين رغم تواتر الاحاديث
تواترت احاديث نبوية صحيحة لدى كل المسلمين عن قضية استشهاد الامام الحسين قبل حدوثها ولو تأمل الانسان قليلا لعرف المقصد من الانباء بالغيب والمسلمون مطالبون بالايمان بالغيب فلماذا لا يعير البعض الاهتمام للاحاديث النبوية المتعلقة بمقتل الامام الحسين وخاصة حديث التربة التي اودعها الرسول ص عن زوجته ام سلمة وهي العلامة على وقت استشهاده.
من لا يعرف البعد الغيبي ولا يهتم له وبه لن يعرف حقيقة قضية الامام الحسين
اصيل
استاذ ي الجليل اجد الكلمات تعجز عن شكوك كنت انتظر مقال بفارق الصبر حفظك الله.
انت اصيل
ايها الكاتب المبدع ولن يفهمك ويفهم ما تقول من هو دخبل على البحرين واهلها فهم رغم الاختلاف المذهبي كانوا يدا واحده في السراء والضراء ولحد الان رغم كل الابتلاءات والمصائب تحد السنس الاصيل الذي لم يتلوث بالطائفيه البغيضه يانس بسماع الصوت البحراني لانه يحس فيه الاصل وانه ابن هذه التريه بعكس من جاءوا متطفلين مترفعين على اهل البلد الاصليين
مقال رائع جداً
كم أنت رائع يا ولد أسيادي تسلم أناملك أنتم حقاً من تستحقون لقب شرفاء هذا الوطن
القادم سيذهلهم
فالقادم سيذهلهم لن يعرفوا معناها حتى و ان حدثت في المستقبل القريب وهذا وعد الله للمستضعفين أياً كان مذهبهم
مقال اكثر من رائع
بارك الله في بطن انجبك وأسرة ربتك على المبادئ والقيم الانسانية، وبارك الله فيك لجرأتك وشجاعتكِ في قول كلمة الحق في وقت عز فيه الجهر بها ، بعد قراءتي لمقال الأستاذة مريم اليوم عن القيادة تمنيت ان تتولى قيادة وزارة التربية لتصلح أحوالها المنهارة .
نعم
فالقادم سيذهلهم
اصيل وكبير يا استاذ يعقوب
نعم مقالاتك تعبر عن نبض الشارع فعشت وعاش قلمك وسلمت اليد التي تكتب مثل هذه المقالات
كثر الله من امثالك ...
ان في كلامك ايها الاستاذ الكريم لحكمة بالغة لا يعقلها الا اصحاب العقول النيرة ، الذين تجردوا من ربقة التبعية العمياء . علينا ان نعرف ان لا خلاص ولا مناص مما نحن فيه الا في وحدتنا والا في تراحمنا . ولا نكون مطية للاخرين يسوقوننا الى حرب ليس لنا فيها ناقة ولا جمل ، ولنتق الله في انفسنا فان الوطن لا يتحمل اكثر مما تحمل . سلمتم ايها الشعب العظيم .
كم يعجبني ولو كنت اختلف معه في بعضها
قلم بارع في حبك الفكرة وضغطها في قالب قصير لله ذر قلمك
كم يعجبني ولو كنت اختلف معه في بعضها
قلم بارع في حبك الفكرة وضغطها في قالب قصير لله ذر قلمك
دمت بكل خير
دُمت حرا في حفظ الرحمن
فالقادم سيذهلهم.. نعم سيذهلهم.. لو بس يفكروا في التجنيس و الفساد فكفى.. ولكن على القلوب أقفالها..
وعلى العقلاء مراجعة مطالب الحراك، التي ضحّى أهلنا الشيعة من أجلها، بالاستشهاد والسجون ومسّ العقيدة والعرض، وشاركهم في بعض المآسي نفرٌ من السنة الوطنيين، فلا يحفر قبره بيده إلا الجاهل والحاقد، الذي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، فالقادم سيذهلهم.
لا تلومه استاذ
حديث عهد بالبحرين ولم يشهد التلاحم والألفة ما بين مكونات هذا الشعب منذ قديم الزمن. ليس من حمل الجنسية البحرينية حديثا يعرف هذا عزيزي الاستاذ. الله يكفينا الفتن ماظهر منها وما بطن.
اصيل انت
انت رائع دائما بقلمك
من يوقد الفتنه
من يثير الفتنه الطائفية وخاصة في هذا الوضع الصعب على الأمة الإسلامية هو شريك في كل ما يحصل من تناحر وصراع بين المسلمين
تسلم روحك
شكرا