للعام الخامس عشر على التوالي، تستمر حملة الإمام الحسين للتبرع بالدم، في أكبر حملةٍ منظّمةٍ تشهدها البحرين على الإطلاق.

الحملة تخطت هذا العام الرقم المحدد كما كان متوقعاً من قبل، فتجاوزت العشرة آلاف وحدة (كيس) دم.

وفي اليوم الأول (الثامن من المحرم) المخصّص للنساء، تم جمع 111 وحدة، حيث تقدمت أكثر من 300 متبرعة، ولكن تم إرجاع أكثر من النصف لأسباب صحية، حيث يخصّص لهن طاقمٌ من النساء في حدود ثمانية أسرة.

أما اليوم التالي المخصّص للرجال، فيخدمه طاقمٌ مشتركٌ من الجنسين، يزيد عن العشرين كادراً طبياً، فضلاً عن الكوادر الإدارية والإعلامية والخدمية التي تزيد على 120.

هذا العام، أدخلت إدارة الحملة نظام الحجز عبر الموقع الإلكتروني، ولأنه يُستخدم لأول مرة، تم تحديد الحجز لـ 20 في المئة من المتبرعين، تمت تغطيته سريعاً، فيما بدأ المتبرعون بالوصول عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، أي قبل الموعد المحدّد بساعةٍ واحدةٍ، وتم صرف 120 رقماً في الساعة الأولى.

واستمر تدفق المتبرعين حتى الساعة الحادية عشرة مساءً حين وصلت مركز النعيم الصحي، حيث كان هناك العشراتٌ ينتظرون في الخيمة المنصوبة في فناء المركز، وعشراتٌ آخرون في داخله.

وراعني أن أغلب هؤلاء شبابٌ مشرقو الوجوه، في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، من المؤمنين بهذا البعد الحضاري لثورة الإمام الحسين (ع) الخالدة.

حصيلة حملة هذا العام للرجال بلغت 630 وحدة دم، أضيفت إلى مخزون بنك الدم بمجمع السلمانية الطبي. وقد اضطر المنظمون لإرجاع أكثر من 400 شخص، من مجموع ألف متبرع، جاءوا من مناطق مختلفة من البحرين، قبل الوقت المقرّر (الحادية عشرة مساءً)، بسبب تحديد وزارة الصحة للعدد المطلوب، خلافاً لما كان يجري في الأعوام السابقة، وهو أمرٌ غامضٌ يتطلب من وزارة الصحة توضيحه للرأي العام.

الوزارة خصّصت قسماً من مركز النعيم للحملة، بينما عمل القسم الآخر لخدمة حالات الطوارئ كالمعتاد، دون أن يؤثر أحدهما على الآخر، ما يدل على حسن التنظيم والتعاون الذي نتمنى أن يستمر دائماً، خصوصاً من قبل إدارة المراكز الصحية. كما كنا نتمنى ونحن نتابع الحملة ومسارها منذ سنوات، أن يكون وزير الصحة على رأس الحضور، دعماً لهذا الجهد الأهلي الكبير الذي قلّ نظيره في البلاد الأخرى. وينبغي أن يكون واضحاً، أن حضور الوزير دعمٌ واجبٌ، وليس عملاً استعراضياً.

نقول إنه واجب، فهذه الحملة توفّر اليوم ما يقارب نصف ما تجمعه الحملات الأخرى في المناسبات الدينية، وهي تجمع نحو 800 وحدة سنوياً، بينما لا تجمع أكبر حملاتٍ تنظمها الشركات الكبرى أكثر من 100 وحدة في أحسن الظروف، رغم كل القدرات الإعلامية والمالية التي ترصد لها. في وقت تراجعت بعض الشركات عن دعم حملة الإمام الحسين، منذ العام 2011، تأثراً بالأحداث السياسية التي ما كان يجب أن تؤثر على مثل هذا المجهود الإنساني، الذي يخدم الوطن ويجمع أشتاته ويوزّع حصاده على الجميع، مواطنين ومقيمين، دون تفرقة أو تمييز.

هذا التراجع من قبل الشركات لم يوقف الحملة إطلاقاً، بل استمرت وسط إصرار وعزيمة الجهة المنظمة على استمرار العطاء، اعتماداً على الجهود الذاتية، فتم توفير الفواكه والعصائر التي تقدّم عادةً للمتبرعين، لكنه من جانب آخر يُسَجَّلُ على الشركات نفسها التي تخلّت عن جزءٍ من واجبها ومسئوليتها الاجتماعية، وعن مبدأ الشراكة المجتمعية.

الحملة استقطبت جزءاً من أبناء الجاليات الأجنبية، الآسيوية والغربية، والتي وصلتها رسالة الحملة غالباً عبر الإعلام المقروء. والمؤكّد أنه لو كان تلفزيون البحرين يقوم بواجبه المهني، في تغطية مثل هذا الحدث، لتضاعف العدد، لكن الإعلام الرسمي يقف متفرجاً ومقصّراً، وكأن ما يحدث لا يعنيه!

احفظوا وحافظوا على مثل هذه الفعاليات المتقدّمة، التي تدلّ على رقي هذا الوطن وحضارة هذا الشعب.