العدد 4088 - الجمعة 15 نوفمبر 2013م الموافق 11 محرم 1435هـ

مجرَّد تساؤلات

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مثلما توقعنا في مقالٍ فائِت. إما أن يصل الإيرانيون والقوى الست (خلال مفاوضات جنيف الأخيرة) إلى اتفاق «نووي»، أو أنهم (وإن لم يتوصَّلوا إلى اتفاق) فإنهم سَيَردمُون هوَّة الخلاف بينهم إلى حدٍّ كبير، وهو ما حَدَث. وكما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (وأكَّد ذلك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في تصريح مماثل): «إذا لم يتم الاتفاق على جملتين في النص، فلا يعني ذلك أننا لم نتفق». وربما أيَّد ذلك التصريح حقيقة ما جرى.

في الجولة التي اختُتِمَت السبت الماضي (9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري) لَفَتَني في تلك المحادثات، أمور عديدة، تحوَّلت لدي إلى استفهامات، قد يجيب عليها الزمن، لكنها في النهاية، حَدَثَت وأقرَّ بها المعنيون تصريحاً:

أولاً - تبيَّن أنه لم يكن لإسرائيل دورٌ في إفشال تلك المفاوضات، لا بالضغط على الولايات المتحدة الأميركية ولا فرنسا عبر اللوبيات اليهودية. هذا ما أكَّده وزير الخارجية الإيراني عندما استبعد (وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع كاثرين أشتون) أن يكون للوبي اليهودي تأثير على عدم التوصل إلى اتفاق، على رغم أنه قال إن إسرائيل «ترغب في إفشال المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة خمسة + واحد». نفي التدخل الإسرائيلي هنا لافت، وبالتالي يحيلنا إلى التساؤل عمنْ قام بالضغط (الذي أكَّد حصوله سكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي).

ثانياً - قال ظريف: إن «إيران عارضت محاولة فرنسا إقحام الموضوع السوري في المفاوضات، وقلنا إن موضوع المفاوضات مع مجموعة 5+1 هو الموضوع النووي فقط، ولا يحق لأية دولة سواء فرنسا أو أميركا طرح قضية أخرى»، لكنه في مكان آخر قال: «في المحادثات الثنائية مع فرنسا تحدثنا عن جميع القضايا ومن بينها سورية». وهنا لا يُعلَم طبيعة الربط بين النفي والتأكيد في التصريح.

ليس ذلك فحسب، فقد نقلت وكالات الأنباء الإيرانية، عن رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسنجاني قوله: إن «محادثات جنيف منعطف في تاريخ إيران والمنطقة والعالم، وستكون نتائجها ضمان أمن استخدام الطاقة على الصعيد الدولي وستكون المنطقة آمنة وهادئة». أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فقال: «حل المسائل النووية سيؤدي إلى الاستقرار والهدوء في المنطقة». وهي تأكيدات على أن المفاوضات لم تكن نووية صرفة، بل لها ذيول أخرى.

ثالثاً - كانت إيران قد سَبَقَت ذلك بالقول، تعليقاً على الموقف الفرنسي: «كانت لدينا في السابق علاقات جيدة مع فرنسا، وهذا الموضوع طرحناه على وزير الخارجية الفرنسي أثناء زيارتي (والكلام لظريف) إلى باريس. وفي الجولة السابقة من المفاوضات النووية كان لفرنسا دور رائد، ونأمل أن تقوم بدور إيجابي في المفاوضات». هذا الكلام محل استفهام، في ظل تأكيد عدة أطراف على أن باريس كان لها دور في عدم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين.

لكن، وبعد يومين، من انتهاء المفاوضات بدون اتفاق، صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الإثنين (كما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية) بأن القوى الكبرى ليست بعيدة عن اتفاق مع طهران حول الملف النووي الإيراني». وهنا يأتي التساؤل، حول التحوُّل الملحوظ في الموقف الفرنسي، وما إذا كانت قد حصلت مفاوضات جانبية أخرى تحت الطاولة.

رابعاً - قالت إيران، إن «المفاوضات التي جرت كانت جيدة ووصلت إلى حد التفاهم». لكنها قالت أيضاً إن الجولة المقبلة من المفاوضات ستُعقَد في العشرين من نوفمبر الجاري على مستوى مساعدي وزراء الخارجية». وهنا، تأكيد، على أن الاجتماع المقبل (وحتى الآن) سيكون تحضيريّاً وليس موعداً للتوقيع، ما دام الوزراء لن يكونوا حاضرين، وبالتالي يبقى السؤال المركزي، هو: على ماذا سيجتمع مساعدو وزراء الخارجية لكي يُنضِّجوه؟!

خامساً - تزامنت تلك المفاوضات، مع توصُّل إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتفاق، «حول تفقُّد منجم غتشين ومفاعل أراك للمياه الثقيلة» عبر بيان مشترك «يحتوي على ملحق وستة بنود»، كما قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي. وهنا يكمن السؤال: أين يكون الفصل بين مهام الوكالة ومجموعة خمسة + واحد؟ والأهم من كل ذلك، إن كان التفاهم قد تمَّ مع الوكالة (وهي المعنية بالموضوع النووي) فعلى ماذا تتفاوض إيران مع الستة الكبار؟!

سادساً - خلال أقل من ثلاثة أشهر، أجرت إيران ثلاث جولات من المباحثات النووية. واليوم، يفصل مفاوضاتها الرابعة عن آخر جولة عشرة أيام فقط. بعكس ما كان في السابق، حين كانت الفواصل الزمنية (في الأعم الأغلب) شهر ثم أربعة أشهر على أقل تقدير، فهل رَغِبَ الطرفان (الإيراني والغربي)، استعجال التفاهم قبل أن تعقِّده التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة.

سابعاً - تردَّدت أنباء قوية عن أن الدول الست الكبرى غير متفقة فيما بينها على نصِّ مسودة الاتفاق بينها وبين إيران. بالتأكيد، ما نعنيه ليس الخلاف التقليدي، الذي كان يحدث عادة ما بين الصين وروسيا من جهة، وأميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا من جهة أخرى، بل هو بين الغربيين أنفسهم هذه المرة. وهو ما يُفسِّره تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عندما قال في تصريح له الإثنين الماضي: «فرنسا ليست معزولة ولا تابعة، إنها مستقلة، إننا حازمون ولسنا منغلقين»، وهو يؤكد التكهنات بشأن الخلاف الغربي الغربي في جوانب متعددة في الاتفاق.

ثامناً - تبيَّن أن التمنع الفرنسي خلال جولة المفاوضات، كان حول ثلاثة أمور: الأول: مفاعل أراك للمياه الثقيلة المُنتِج للبلوتونيوم، الذي يمكن استخدامه لصنع قنبلة ذرية، والثاني: مسألة تخصيب اليورانيوم لغاية عشرين في المئة الذي «يسمح بالانتقال «بسرعة إلى يورانيوم» بدرجة 90 في المئة الذي يتم استخدامه لأغراض عسكرية، والثالث: الموقف من مخزون إيران من ذلك اليورانيوم (20 في المئة) وضرورة تحويله إلى يورانيوم بنسبة 5 في المئة.

وهنا يأتي السؤال المركزي: هل سيقبل الأميركيون باستمرار عمل مفاعل آراك للماء الثقيل، وهل سيقبلون بالتخصيب حتى نسبة 20 في المئة، وهل سيقبلون بأن تحتفظ إيران بمخزونها من ذلك اليورانيوم؟! وإلاَّ على ماذا كان الخلاف ما بينهم والفرنسيين؟!

هذه مجرد استفهامات، يكتنفها الكثير من الغموض، الذي قد تفسِّره لنا الأيام المقبلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4088 - الجمعة 15 نوفمبر 2013م الموافق 11 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:10 ص

      تبادل للادوار

      لاشك ان الدول الغربيه تتبادل الادوار فيما بينها لتعطيل اي اتفاق لا يراعي المصالح الاسرائيليه وما زيارة هولاند الى اسرائيل الا لطمئنتها حيث لاتجرئ اي دوله اوروبيه ومعها الولايات المتحده الامريكيه علي ابرام اي اتفاق مع ايران بدون موافقة رئيس الوزراء الاسرائيلي ناتنياهو الذي مازال يردد منذ اثنى عشر عام بان باقي على ايران ستة اشهر لصنع القنبله النوويه

    • زائر 7 | 3:44 ص

      فرنسا الحليف القادم لاسرائيل بدون منازع

      هولاند يزور اسرائيل وبالتاكيد سيخطب ود تل أبيب بالضغط على المفاوضات القادمة

    • زائر 6 | 1:53 ص

      خرابه أو مخربون أو تجار لكن شطار بينما نصب فيها وإحتيال؟

      المشكله ليست في تخصيب لكن من يقال إيران من الدول التي تعتمد على شعبها ليزرع ويأكل ويبيع المحاصيل الى دول المنطقه. وهذا ما لا ريب فيه يحسده تجار إسرائيل وتوابعها – يعني كياناتها مثل المصارف المركزيه التابعه للمصرف المركزي العالمي و مجلس النقد الدولي ومنظمة التجارة العالميه. فالمنظمات الأخرى مثل الأمم المتحده ومنظمات أخرى تعمل حسب ما تفرضه السياسه التجاريه. يعني الفقير يزداد فقرا بين الغني يزداد رصيده في البنك. ويش قال جحا هذا قاصين على الناس أو ما ذا جلبا من دمار وتلويث طبيعه بمبرر تجاري؟

    • زائر 5 | 1:44 ص

      تجار إسرائيل وتجار أوربا كما تجار أمريكا لكن

      آخر أو قمة أو منتهى الأنانيه والغطرسه الغربيه يعني أمريكا وحلفائها وشركائها في منطقه حوض الخليج ال... يقال في البحرين الأمريكان منطقهم المصالح التي كشفت عنها الفوضى الخلاقه ما هي إلى مجموعه من الشركات التابعه لشركات أجنبيه ومربوطه بأرصده بنكيه وتمويل بأوراق ماليه مطبوعه لكن يسمونها أموال. يعني الأزمه الماليه أزمة نقد ولا يمكن إنقاد الإقتصاد العالمي فأمريكا غارقه في الديون ولديها عجز عن السداد! يعني رفاهيه على حساب الشعوب. اليس كذلك؟

    • زائر 4 | 1:37 ص

      سلمت أ. محمد

      مقال ممتاز

    • زائر 2 | 12:14 ص

      طرح جميل

      أود أن أضيف شيئا.. فهذه التلكواءت تنم فقط عن استحياء القبول السريع، لحفظ ماء الوجه.. كما أن هرولة بريطانيا في إعادة العلاقات أخذت شكلا مماثلا، وقس على ما سواها.. غير أن الخير لإيران آت ودون توقف، مع احتفاظ إيران بكرامتها وقوتها وتقدمها فهنيئا لها وهاردلك نحن..

    • زائر 1 | 12:03 ص

      شكرا

      مقال روعة أخ محمد ويدل على متابعة جيدة منك للاحداث والتصريحات

اقرأ ايضاً