ليس وحدهم الشعراء من يقولون ما لا يفعلون من خلال كتاباتهم وأشعارهم التي تغلب عليها إسقاطات أخيلتهم؛ لكن كثيراً ممن هم حولنا ينطبق عليهم هذا في واقعهم المعاش وليس في كتاباتهم فقط؛ فبعض الساسة في كل بقاع الأرض يقولون ما لا يفعلون؛ فتراهم يستبشرون، وينادون مريديهم، ويعدّون العدد، ويستغلون، ويزوِّرون الحقائق كي تكون على حجم كذباتهم، لاسيما الساسة الدخلاء على المشهد السياسي - وما أكثرهم في أيامنا هذه - فتجدهم يبرعون في الأقاويل وفي لبس أقنعة لا تليق بهم كالتي تظهرهم بمظهر المتدينين، أو التي تظهرهم بمظهر الوطنيين فيما هم في واقع الأمر يُخفون خلف لحاهم نتناً طائفياً وسعاراً تحريضياً والأمثلة على هذا كثيرة حتى على أرضنا الصغيرة.
بعض المثقفين من شعراء وأدباء ومسرحيين وفنانين ممن طالما تحدثوا لعقود من الزمن عن تقديس الحريات وضرورة الوقوف في وجه الظالم مهما كان منصبه ومهما كانت مكانته، حين وصلت رياح الربيع العربي الثائر ضد الظلم إلى أوطانهم توقفوا أمام مصالحهم ونسوا معنى كلمة حرية ومعنى كلمة مقاومة، فلاذ بعضهم بالصمت إزاء الانتهاكات التي يرتكبها مسئولو بلدانهم وحكامها، بينما ذهب بعضهم إلى ما هو أكبر وأشد ظلماً وهولاً؛ فناصروا الظالم وشمتوا بالمظلوم، وساوى بعضهم بين ابتسامة القاتل ودم القتيل.
وبعيداً عن السياسة والحروب والربيع العربي، نجد أن بعض الكتاب الذين يملأون الصحف بمقالاتهم وتقاريرهم وتنظيراتهم، حين تتعامل معهم بعيداً عن حبر مواضيعهم هذه تجدهم لا يطبقون منها ولو عشر ما تحمله من قيم وأخلاق وأفكار، فترى الواحد منهم غارقاً في الأنانية، منغمساً في وحل من كراهية الآخر، وتصل به الحال إلى إجادة تمثيل دور الضحية في كل ما يتعلق بما ارتكبه من أخطاء، حتى إذا أخبرت أحدهم ببعض مواقفه يُصدم ويكاد لا يصدق لولا أن تريه برهان ما تقول، وكذا الحال ببعض المغردين على شبكات التواصل، وبعض القرّاء الذين يلتهمون الكتب التهاماً، فلا يبقى مما يقرأون سوى رصيد من الكلمات الجديدة أو فكرة شاردة هنا أو هناك بحاجة لمن يطبقها على أرض الواقع، لتخرجه من ظلام الجهل النفسي والأخلاقي إلى نور الانفتاح على غيره وعلى جمال الكائنات ممن لا يرى منها سوى سواد ظلها.
الازدواجية التي يعيشها هؤلاء وغيرهم كالمعلمين وقادة الرأي والأصدقاء والإخوة والآباء بين ما يعلنون وما يخفون تجعلهم في حالة نفسية غير مستقرة، وتهزّ صورهم أمام أعوانهم ومن حولهم، فتسقط أوراقهم أمام من يكتشف حقيقتهم، حتى يمر الوقت فيجدون أنفسهم محاطين بالمنافقين فقط ممن يعرفون أخلاقياتهم وصفاتهم ويبقون بقربهم لحاجة في أنفسهم ما إن تنقضي حتى يفرّون منهم، وحينها لن ينفع الحبر ولا الكتاب ولا الندم.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4088 - الجمعة 15 نوفمبر 2013م الموافق 11 محرم 1435هـ
كن صادقا
مع ربك ورسولك ودينك ونفسك والاخرين والمحيط بهذا نصل الى وجدت القول تسبقه الفعال
المنافقين
أهم شئ عندهم المنصب والمال
جميل وواقعي
مقال ممتاز يشرح حال الكثير من الناس وحالنا معهم
صباح الخير
بصراحة مقال حلو فعلاً يقولون مالا يفعلون يكذبون ويتصنعون ويلعبون أدورا عدة في الوقت نفسه ما أقبحهم وما أزيفهم يسرقون المقالات والجهود بل حتى أصغر العبارات ويتوقعون استعادة الثقة بعد أن ضاعت للأبد