العدد 4087 - الخميس 14 نوفمبر 2013م الموافق 10 محرم 1435هـ

علمني الحسين

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كل صباح نشتاق إلى الحسين أكثر، نحبه بل نعشقه أكثر، لا يمر علينا صباح الحسين إلا يعلمنا أكثر، لنكتشف إننا نجهله أكثر. هو الحسين فكلما كبرنا كبر معنا إنساناً وخلقاً وفضلاً، فالحسين نبع ماء لايزال يرونا، ولا تسعنا السجلات أن نعبر عما يجول في خاطرنا فيه، مع إنها فيض من غيض، إلا إنها قصة الحسين التي لا تنتهي.

علمني الحسين أنه للجميع، فلا يحق أن يحصر الحسين في زاوية الطائفية المذهبية، أعداؤه وبعض محبيه جعلوه أن يكون للشيعة فقط، هو للإنسانية ولكل مسلم، فلماذا يستأثر الشيعة به؟ ومتى يتعلم الجميع أن خيمة الحسين ليست ضيقة الأفق؟ فهو لم يقم لأجل جماعة، بل لعدلٍ ضدّ جور، ولصلاحٍ ضد فساد، ولحقٍّ ضد باطل، فالحسين ليس شخصاً مرّ بالحياة وغادرها بل هو مشروع إحياء أمة ونهضة جيل، وحراك بشري ممتد. وهو ليس فرداً، بل هو منهج ضد الطغيان والفساد. وهو ليس كلمة، بل هو راية تعني الحرية والإباء، فلذلك يا حسين تعني كل ذلك، والتلبية له، هي من أجل التأكيد على السير على خطاه.

علمني الحسين الخلق الرفيع في أحلك الظروف، مهما كان عدوك قاسياً، ومهما كان شديد الخصومة ومبدياً للعداوة، ومهما يكن بدا الحسين كالنخلة واقفة، فها هو يسقي فرقة من جيش أعدائه الماء، فلم يستغل الفرصة للإنقضاض عليهم بل أمر قومه بفسح المجال ليرتووا الماء مع فرسهم، بل وصل به الحال ليسقي بعضهم بيده الشريفة، لأنه فوق الحيلة والمكر. هو يتعامل بأخلاقه بغض النظر عمّن حوله يستحقها أم لا.

كان عليه السلام كثيراً ما يحثهم عن اجتناب القتال «إني أكره أن ابدأهم بقتال»، لأنه على حد قوله يكره أن يدخل أحد النار بسببه.

علمني الحسين أن غايته هي قرب الله، فلم يعز في سبيله شيئاً من مال أو ولد أو دار، ولم يخش غيره، لذلك كانت عبوديته مطلقة لله، فهو يناجي ربه يوم عاشوراء: «هوّن ما نزل بي، أنه بعين الله تعالى»، لذا خلدت ذكراه لأنها ارتبطت بمبادئ الخلود كما ورد في حديث قدسي: «إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت؛ وليس لبركتي نهاية»، وهو ما نراه متجلياً في نهضة الحسين (ع) والتي تتجدّد وكأنها ولدت للتو، تتعدى في ذكراها حدودها الزمانية والمكانية، تتجدد مع كل عصر بأدواته ومشاعره وطريقة تعبيره وفهمه.

علمني الحسين إن أبكيه، ففي البكاء حياة وإصلاح اعوجاج، وفيه رحمة وإنسانية، ومن لا يبكيه على حد قول المستشرق الإنجليزي أدوارد بروان: «وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء»؟ لأن مأساة الحسين كما تصفها الكاتبة الإنكليزية فريا ستارك «تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء».

علّمني الحسين ومازال يعلمني، ويعلّم غيري، فغاندي علّمه الحسين «علمني الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر»... فماذا علمك أنت الحسين؟

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4087 - الخميس 14 نوفمبر 2013م الموافق 10 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:24 ص

      من

      من اقوال الحسين عليه السلام وهو يخاطب الله تركت الخلق طرا فى هواك ولو قطعتنى اربا لما مال الفؤاد لسواك اننا متمسكون بحفيد النبى لقد علمنا الى نركع الى لله وان نتصر بدمانا حتى تحقيق المراد والشعب سوف ينتصر ولن يرجع البيوت والله ياخد الحق

    • زائر 2 | 1:20 ص

      علمني الحسين

      بوركت أمة لم تختزل حسينها في ذاتها ، علمني الحسين تعني : أن أمتلك روحا خلاقة مبدعة ، أن يكون قلبي خاليا من الحقد والكره والطائفية البغيضة ، أن ألتزم بقرآني وديني وقيمي ، أو لم يقرأ الرأس الشريف آيات الله وهو على أسنة الرماح ؟ قائلا بلسان الحال : هيئوا عالما مليئا بالمحبة ! لن تكون حسينيا إن لم يتغلل الحسين في جميع مفاصلك ..

اقرأ ايضاً