قبل أن نعرف شيئاً اسمه الطب الحديث كان الطب الشعبي هو الطب الوحيد فقط. وعلى رغم حقيقة تراجعه بطريقة أو بأخرى بسبب دخول الطب الحديث، فإنه مازال يحتفظ بشعبيته في الكثير من المجتمعات سواء النامية منها أو المتقدمة، حتى تحول الطب الشعبي إلى سوق رائجة في البحرين.
المنامة - ابتسام البقالي
قبل أن نعرف شيئاً اسمه الطب الحديث كان الطب الشعبي هو الطب الوحيد فقط. وعلى رغم حقيقة تراجعه بطريقة أو بأخرى بسبب دخول الطب الحديث، فإنه مازال يحتفظ بشعبيته في الكثير من المجتمعات سواء النامية منها أو المتقدمة.
فكثيراً ما نسمع، إذا كنتِ مقبلة على الولادة عليكِ بشرب «القرفة» لتسهيل الولادة، وإذا كان طفلكِ يعاني من الغازات والمغص عليكِ بـ «الحلوة».
الحديث عن الطب الشعبي ليس وليد اليوم أو الأمس، بل هو وليد آلاف السنين قبل الميلاد، فقد استحوذ الطب الشعبي على اهتمام الكثير من الأطباء العرب القدامى، مثل ابن سينا والرازي، الذين استخدموا الأعشاب الطبيعية في علاج أمراض متعددة. ما يجعل الطب الحديث امتداداً لطب الأعشاب القديم، وذلك لأن الكثير من الأدوية المستخدمة حديثاً استخلصت من الأعشاب والمنتجات الطبيعية التي سبق للأطباء القدامى المعالجة بها، فهناك الكثير من الاتجاهات اليوم تدعو إلى استخدام المركبات الطبيعية عوضاً عن المستحضرات الكيماوية، التي لا تخلو من الأضرار الجانبية بعكس الأعشاب التي تكاد أن تكون معدومة منها.
ويعرف الطب الشعبي بأنه وسيلة تهدف إلى شفاء الناس من بعض الأمراض عن طريق المواد الأولية الطبيعية في البيئة، مثل استخدام الأعشاب أو استخدام مواد العطارة أو البهارات. أو المواد المستخلصة من بعض أجزاء الكائنات الحية، ككبد الحوت على سبيل المثال. فهل الطب الشعبي والطب الحديث من الممكن أن يلتقيا؟
«مسحوق الفطر الريشي» لعلاج آلام الكلى
يقول الحاج عباس علي ناصر: «أعاني من آلام الكلى منذ أكثر من عام ونصف، والنتائج كانت لا تُطمئن لأكثر من مرة، ما دعاني ذلك إلى اللجوء إلى العطار طلباً للعلاج، والذي وصف لي (مسحوق الفطر الريشي). وعلى رغم سعره الباهظ (25 ديناراً) بالنظر إلى حالتي المعيشية المتواضعة، فإنه أفادني كثيراً في تخفيف الألم وتصفية الكلى من السموم، حيث جاءت النتائج مُبهرة للأطباء».
«بنت السلطان» لعلاج أعراض القولون
من جهتها، تقول شيرين حسين: «أعاني من ألم التهاب القولون العصبي منذ 8 سنوات، حيث إن الأدوية الطبية تقوم بتهدئة الألم لمدة يوم أو يومين فقط، ليعود كما كان عليه أو أقوى، بعد ذلك قررت تجربة خلطة (بنت السلطان) التي تتكون من عدة أعشاب مهدئة لأعراض القولون. والحمد لله استفدت منها كثيراً، وأصبحت تُخفف الألم عني من دون اللجوء إلى الإبر أو الحبوب الطبية».
«خلطة الكولسترول» لعلاج ارتفاع الدهون
وتتحدث الحاجة أم إبراهيم عن تجربتها، فتقول: «دائماً ما تخيفني نتائج تحليل الدهون والكولسترول الذي يتأثر بأي تغير بسيط في الأكل، لذلك فكرت في أن أستخدم العلاج الشعبي عوضاً عن العلاج الطبي علَّني أجد فيه الصحة من دون خوف، فبدأت بتناول أعشاب (خلطة الكولسترول) التي للأسف لم أستفد منها، ولم تؤد لأي تغيير في النتائج، وفي المقابل تسببت لي بصداع ومغص في المعدة، الأمر الذي جعلني أتركها».
«أوراق الزيتون» لعلاج السكر والضغط
وتؤكد أم علي (المصابة بمرض السكر منذ 15 عاماً) أن خلطة (أوراق الزيتون) تعمل على تنظيم السكر بطريقة فعالة، إلا أنها قبل استخدامها هذه الأوراق كانت مواظبة على تناول حبوب وإبر السكر التي لا تستطيع التوقف عنها لما قد يشكله ذلك من مضاعفات عليها، لكنها إلى جانب تناولها الأدوية الطبية أصبحت تتناول أوراق الزيتون التي أحست بنتيجة مختلفة نوعاً مّا بعد استخدامها، على حد قولها.
وتوافق أم زهرة (المصابة بمرض الضغط منذ 7 سنوات) الرأي في أن الأعشاب من شأنها الحفاظ على ضغط الدم منتظماً، فهي منذ إصابتها بهذا المرض تستخدم (أوراق الزيتون)، إلا أنها أحياناً تحتاج إلى زيارة المستشفى عند إحساسها بوجع رأس ناجم عن ارتفاع أو هبوط الضغط.
«الطب الشعبي» لا يغني عن «الطب الحديث»
إلى ذلك رأى رئيس برنامج طب الأسرة والمجتمع بجامعة الخليج العربي فيصل الناصر، أنه لا يؤمن بالطب الشعبي المستخدم بناء على التراث والقيم وتجارب الشعوب. مؤكداً إيمانه بالطب البديل، القائم على دراسات علمية مثبتة لصحة المنتجات الطبيعية وعدم ضررها.
وختم حديثه بقوله: «لا يمكن أن يغني الطب الشعبي عن الطب الحديث، وذلك لعدم قدرة الطب الشعبي على تشخيص المرض بعكس الطب الحديث الذي يتسم بالتطور المستمر في ذلك. وبشكل عام قد تكون للأدوية الحديثة أضرار كبيرة وخطيرة، إلا أن هناك أيضاً أضراراً مميتة للأدوية الشعبية عندما لا تستخدم بطريقة صحيحة، فبعض أنواع الأعشاب تكون سامة عندما تستخدم بجرعات زائدة ومن دون ثقافة سابقة بها».
الأطباء يرشدون الناس للعلاج لدينا
من جهته، قال صاحب محل ابن سينا للأعشاب الطبيعية في منطقة السنابس عبدالحميد مهدي (خبرة 22 عاماً في مجال الأعشاب): «كسبت حب هذه المهنة من مطالعة كتب طب الأعشاب منذ صغري، حيث استهواني هذا العالم الكبير بما يحمله من علوم. بعد ذلك جاءتني فكرة فتح محل لبيع المنتجات الطبيعية مثل (الزعتر، البابونج، الحلوة، الحلبة، حبة البركة) وغيرها من الخلطات المخصصة لعلاج العديد من الأمراض كالسكر والضغط وتنزيل حصاة الكلى أو المرارة. فهذه المنتجات تعتبر من أهم المنتجات المطلوبة حاليّاً؛ لأنها تعالج أكثر الأمراض الشائعة، فالناس يقصدون العطار اليوم بإرشاد من الطبيب للحصول على علاج، وهذا ما يؤكد على إيمان الأطباء بفعالية الأعشاب. إلا أننا لا نستطيع الاستغناء عن المستشفيات؛ لأن الطب الشعبي يستطيع تقديم العلاج عندما يكون الشخص قادراً على وصف حالته وما يعانيه من أعراض، لكننا لا نستطيع القيام بالجراحة ولا تشخيص المرض».
المنتجات الطبيعية أكثر إقبالاً
ويشير الباحث اللبناني في علم الأعشاب، وصاحب مركز المنتوجات الشامية للأعشاب الطبيعية بمنطقة جدحفص محمد الأسمر (خبرة 15 عاماً في مجال الأعشاب) إلى أن المنتجات الطبيعية مثل (اليانسون والبابونج) التي تعالج أكثر الأمراض الشائعة تشهد إقبالاً أكثر من المنتجات الأخرى ومن مختلف الجنسيات. لافتاً إلى أن تلك المنتجات أحياناً لا تعتبر لوحدها علاجاً بل هي مساعدة للعلاج.
ويواصل حديثه، فيقول: «لأي عشب في الحياة أضرار عندما يستخدم بطريقة خاطئة، ومن دون ثقافة مسبقة، فعلى سبيل المثال (الأعشاب المخصصة لتخفيف الوزن) قد تكون مؤذية بشكل كبير عندما يستخدمها مرضى السكر والضغط من دون دراية بأنها لا تصلح لهم. فحتى الشاي الذي لا نتوقع أن يكون له ضرر، قد يسبب زيادة تناوله تشنجات في الجسم تنتج عن زيادة نسبة الكافيين في الجسم. فكما يتسبب المضاد الحيوي أحياناً في فشل كلوي، قد يسبب عشب السنامكي في ألم شديد».
الطب الشعبي مكمل فقط
ويرى المدير العام لسلسلة محلات عالم الأعشاب في البحرين عصام الجواهري (خبرة 25 عاماً في مجال الأعشاب) أن هناك إقبالاً كبيراً على المنتجات التي تعالج الأمراض الشائعة كالرشح. وفيما يتعلق بالأضرار يقول: «لن أتكلم عن المحلات الأخرى، لكني سأتكلم عن عالم الأعشاب فقط، فإن الأضرار الجانبية بالنسبة إلينا تكاد تكون معدومة؛ لأن جميع الأعشاب والخلطات الموجودة لدينا تمت دراستها بدقة قبل طرحها للبيع على الناس، وبشكل عام فإن أضرار الأعشاب تكون قليلة لا تتعدى المغص، الإسهال، والصداع. فتناول الزعتر بكثرة قد يؤدي إلى انتفاخ. لافتاً إلى استحالة إلغاء الطب الشعبي للطب الحديث، كونه لا يستطيع معالجة جميع الأمراض، فالنزيف لا يستطيع الطب الشعبي إيقافه، ولا يستطيع إجراء الجراحة، وبالتالي هو مكمل له فقط لا أكثر.
المنتجات الطبيعية غير مكلفة
تعتبر أسعار المنتجات الطبيعية أقل كلفة من الأدوية الطبية التي تتطلب مبالغ باهظة أحياناً، إذ إن أسعار المنتجات الطبيعية أغلبها تتناسب مع المستوى المعيشي للأفراد، وهي في متناول الجميع.
فالكثير من البلدان النامية تشهد إقبالاً كبيراً على طب الأعشاب وذلك لتدني كلفته مقارنة مع المستحضرات الكيماوية التي تتطلب الكثير في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال نجد الدواء الطبي (للرشح) الذي يصفه طبيب مختص من صيدلية خاصة يصل سعره إلى 8 دنانير، في المقابل خلطة الرشح لا تتجاوز 1.500 دنيار.
مستقبل الطب الشعبي
ويشيد بعض الأطراف بمستقبل الطب الشعبي الذي يعتبر في بروز مستمر بين المجتمعات اليوم، وذلك للآثار الجانبية المتزايدة في المستحضرات الطبية والتي من شأنها جعل الناس بعيدين نوعاً ما عن الطب الحديث ولكن دون استغناء عنه بكل تأكيد.
وختاماً، يتضح أن الطب الشعبي وإن استطاع معالجة الكثير من الأمراض الشائعة، فإنه لا يستطيع أن يحل بديلاً عن الطب الحديث، كونه يعتبر ناقصاً من الناحية الطبية في تشخيص الأمراض، وإجراء العمليات الجراحية وغيرهما.
وفي الوقت الذي يؤكد الكثيرون من مستخدمي المنتجات الطبيعية سواء أعشاباً أو خلطات أنها ذات فعالية كبيرة قد تذهل الأطباء أحياناً، وفي الوقت الذي تكون فيه المنتجات الطبيعية أقل ضرراً من المستحضرات الكيماوية، إلا أنها قد تتسبب في أضرار سامة أو مؤلمة. فالجرعات الزائدة أو الطريقة غير صحيحة في الاستخدام تؤثر على الصحة، وقد تتسبب في المغص أو الصداع أو الإسهال. مع التأكيد على أن الطب الشعبي لا يستطيع أن ينفرد بالعلاج دون الطب الحديث.
العدد 4087 - الخميس 14 نوفمبر 2013م الموافق 10 محرم 1435هـ