صباحكم حسيني الهوى، صباح نسائمه حسينية، نتنفس فيها عبق الإيثار والحرية والإباء، صباحاً لا يعرف سوى الحسين، يجتمع حوله الجميع، بروح المحبة والسلام، صباحاً صنعه الحسين بدمه ليحيينا كل عام، ونتعلم منه بحق من هو الحسين؟ ولم الحسين؟ الحسين رسول السلام والإصلاح، فما هو خطابه؟ ولم قوبل بالتنكيل؟
لم يكن خطاب الحسين (ع) منذ خروجه خطاباً تصادمياً ذا نزعة عدائية تجاه من خذلوه أو ناصبوا له العداء أو قاتلوه. هي أخلاقية قائد مصلح، فالحسين رسول تغيير ولا ينفع العنف والقسوة مع هذه الرسالة. ولم يكن منطلق الحسين الانتقام لكي يكون قاسياً حتى وعلى مستوى القول والخطاب، ولا يعني لجوؤه للسلم تجنباً للمواجهة بقدر ما هي استراتيجية وليس خياراً.
رفض المبايعة والتسليم والخنوع، لكنه لم يكن يريد حرباً، وفي الوقت ذاته لا يخشاها ولا يفرّ منها، فخطابه قبل ذهابه للمعركة كان خطاباً يعكس المصارحة، فهو لا يتحدّث كطالب حرب، ولا يدفع الناس معه للقتال ترغيباً في غنائم أو مكتسبات أو حتى وعود. كان يتحدّث بصوت المقتول، إذ كان يقول «ليس شأني شأن من يخاف الموت»؛ و»من كان فينا باذلاً مهجته»؛ و»إنّي لا أرى الموت إلا سعادة»... ولم يتحدّث عن انتصار، لأن الانتصار الحقيقي يتمثل في الموت والتضحية من أجل الآخرين، وقمة التضحية أن تصحّح المسار بدمك.
معركة كربلاء ليست لتحقيق انتصار مادي يتلمسه البشر في أن يزيل دولة أو ملكاً، بقدر ما هي تثبيتاً للحق ومبادئه بالتضحية.
القسوة التي شهدتها معركة كربلاء لا مثيل لها، لدرجة جعلتنا نتساءل معها ما وجه الغضب وما درجة العداء تجاه الحسين، الذي كان في أكثر من مرة، يذكر القوم ويلقي الحجة عليهم بقوله «أو ليس حمزة سيّد الشهداء عم أبي، أو ليس جعفر الطيار عمّي... أو لم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة». وقال أيضاً: «أفتشكّون فيّ أنّي ابن بنت نبيكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم، ولا في غيركم، ويحُكُم! أتطلبوني بقتيلٍ منكم قتلته، أو مالٍ لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة».
لم يكن ذلك استعطافاً بقدر ما هو منعٌ لسفك الدم، فعرض عليهم «إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمن من الأرض». لكن المبتغى هو «أو لا تنزل على حكم بني عمّك»، فكان الحسين محط خيارين لا ثالث لهما فاختار: «والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد». هذا الخيار قابلته أساليب عدائية مشحونة من الجيش الأموي فيها من القسوة والتشفّي الشيء الكثير، مع أن الرسالة الإسلامية وهم حديثو عهدٍ بها، تسير في اتجاه أخلاقي وإنساني كبير، يمنع التمثيل وقطع الرؤوس وسبي نساء المسلمين، وما حدث هو تمرّدٌ على أخلاقيات الإسلام والودّ والرحمة.
يقودنا ذلك إلى حقيقة مفادها إن المعركة سبقتها حملة تضليل ونشر ثقافة عدائية وتهييج أحقاد جاهلية، غيّرت المفاهيم وقلبت الحقائق، وتحوّل فيها جزءٌ كبيرٌ من العامّة إلى قساةٍ وهمج رعاع، وبحق من؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4085 - الثلثاء 12 نوفمبر 2013م الموافق 08 محرم 1435هـ
جزاك الله خير
هولاء قوم استحوذ عليهم الشيطان .كما قال الامام الحسين عليه السلام.ومنهم كثيرون هذه الايام.الحق واضح والباطل اوضح ولكنهم يتبعون الباطل للاسف.