حينما تعمل في حقل الرياضة ردحا طويلا من الزمن، دارسا لعلومها، مطلعا على ما يستجد فيها من قوانين وأنظمة، ومتابعا لما يطرأ عليها من تطور، ومتفهما لما يدور من حولها سواء كان يتعلق بممارستها او العمل في درب من دروبها لاعبا او حكما او مدرسا او مدربا او صحافيا، وتطمئن إلى حقيقة أثبتها الزمن الحالي وهي ان الرياضة التي عرفناها ومارسنا ألعابها أيام الدراسة ومرحلة الشباب وسعينا لإثبات وجودنا فيها من خلال الممارسة والمنافسة واللعب مع فرق الكبار. لم تعد ذلك العالم الرياضي المسلي الذي نمارس فيه هوايتنا المحببة بعفوية ويسر، والخالي من التكلفة المالية او الحصول على مكافآت مالية؛ لأنها اليوم أصبحت مهنة احترافية لها صناعها ومصانعها وعلومها وطلابها، ولها أسسها المتينة القائمة على أكثر من علم حديث يعني بالقياس والتدريب والطب الرياضي والتأهيل والتسويق، فكلها دخل عالم الرياضة من أوسع أبوابه.
لذلك أصبحت الرياضة اليوم مهنة يعمل فيها اللاعب والمدرب والحكم والإداري وكل من يتقاضى أجرا نظير عمله فيها، ويصبح مثله مثل العامل الأجير الذي يعمل في احد المصانع والشركات او عند احد المقاولين مع فارق كبير جدا وهو ان الأجير مهما علا شأنه يحصل على راتب متواضع قياسا برواتب اللاعبين والمدربين مع فارق التعب والإرهاق والمهانة التي يواجهها العامل، اما الرياضي فيستمتع بمهنته ويتوق إليها وينال من الشهرة ما لا يناله حكام اكبر دول العالم.
لذلك أفند ذلك حسب وجهة نظري المتواضعة بالقول إن العالم المتحضر اخترع كلمة «الاحتراف الرياضي» فأصبح كل من يعمل فيه سواء كان لاعبا او مدربا او حكما او إداريا هو محترف ومتمكن من مهنته الرياضية وأصبح العالم ينظر إليه بنظرة احترام وبنوع خاص من الاهتمام يفوق عالم الذرة والطبيب والباحث ولله في خلقه شئون.
تلك الصورة المثالية عن عالم الاحتراف الرياضي صنعها الانجليز والطليان والألمان ومهد لها سحرة العالم البرازيليين ولكننا في وطننا العربي عجزنا عن فهم هذه الصناعة وأصبحنا نغازلها بطريقة خاصة. فدول خليجنا العربي فهموها او حولوها الى معنى كلمة «اغتراف» ومن يدفع أكثر فهو الناجح وله الغلبة، لذلك نجح فيها شيوخ الأندية وأمراؤها وتجارها. وفي دول شمال إفريقيا وهي التي سبقتنا بعشرات السنين، نضرب مثلا في مصر التي احتفل فيها النادي الأهلي قبل أعوام بمرور 100 سنة على تأسيسه، فنذهب إلى نادي الزمالك العتيد الذي تأسس باسم النادي المختلط حينما كان الانجليز يحكمون مصر ونعطيك مثلا على ذلك، فقبل عامين وقع رئيس النادي الملياردير ممدوح عباس عقدا خياليا بالنسبة للمصريين مع اللاعب شيكابالا لم يستوعب مبلغه مجلس الإدارة فما طلوا في دفعه فأعتقد اللاعب انه أصبح امبرطور زمانه ولم يقدر قيمة وموهبة الرياضة التي من الله بها عليه فحاول الاعتداء على مدربه ومن ساهم في صناعته وهو المعلم حسن شحاته. وفي بلاد صناع نجوم العالم التي تمنح مئات الملايين من الدولارات (اسبانيا) شاهدنا مصير أعظم حارس في العالم كاسياس حينما تفوه بكلمة «أف» للمدرب مورينو.
ألم اقل لكم إن الله سبحانه وتعالى في خلقه شئون.
العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ