العدد 4081 - الجمعة 08 نوفمبر 2013م الموافق 04 محرم 1435هـ

الأختام الدلمونية وأسرار «المجزرة» الكبرى في باربار

في أرض دلمون لا ينعق الغراب،

ولا تصرخ الشوحة صراخها المعهود.

حيث الأسد لا يفترس أحداً،

ولا ينقض الذئب على الحمل،

ولا ينهش الكلب البري الجدي،

هذا جزء من أسطورة خلق دلمون، ولكنها تبقى أسطورة فالواقع غير هذا. مرت دولة دلمون بثلاثة أطوار رئيسية: طور التأسيس (2200 - 2000 ق. م.)، وطور التوسع والذروة (2000 - 1800 ق. م.)، وطور الأفول (1800 - 1600 ق. م.) (Hojlund 1989). وقد تزامن مع التغير في هذه الأطوار تغير في هوية السلطة السياسية التي سيطرت على دلمون؛ وبالتالي تغير في هوية التأثيرات التي أثرت في هوية دلمون. فالأختام تغير فن النقش فيها من التأثيرات السندية إلى التأثيرات الأمورية السندية، وبعد أن أفلت دولة دلمون ظهرت أختام جديدة ذات هوية مختلفة لم يطلق عليها حتى مسمى أختام دلمونية. والسؤال المطروح هنا: هل حدث التغير في السلطة السياسية بصورة سلمية؟ أم كانت هناك حروب ضارية؟

الأموريون وتوسع دولة دلمون

ظهرت أختام دلمون المبكرة في الطور التأسيسي لدولة دلمون (2200 - 200 ق. م.)، والمرجح أن الفضل في تأسيس هذه الدولة يعود لشعوب من حضارة وادي السند أو قرى ميلوخا في وادي الرافدين، والذين قاموا بنقل تقنية صناعة الأختام الدلمونية المبكرة ونظام الأوزان الخاص بحضارة وادي السند والذي تم تطويره في دلمون وعرف باسمها (مينا دلمون). وقد تعايشت هذه الجماعات مع شعوب سامية من شرق الجزيرة العربية وأسسوا هذه الدولة، وكونوا بذلك شعب دلمون (Laursen 2010) ،(Hojlund 1989)؛ وهكذا ورث دولة دلمون أحفاد الدلمونيين بالإضافة لجماعات متثاقفة متأثرة بالهوية السندية.

وفي نفس حقبة تأسيس دلمون ازداد تنامي الأموريون الذين يقطنون المنطقة الممتدة بين بلاد الرافدين ودلمون في شمال وشرق الجزيرة العربية (Zarins 1986). وقد بدأت هذه الجماعات تغزو بلاد الرافدين، وفي قرابة العام 2000 ق. م. كونت جماعات منهم سلطة سياسية تسيطر على عدة مدن في الجنوب الرافدي (Hojlund 1989). ويرجح أنه بعد العام 2000 ق. م. سيطر الأموريون على السلطة السياسية في دلمون؛ حيث ظهرت الأختام الدلمونية المتأخرة التي تميزت بفن النقش الأموري - الرافدي، كما تم العثور على نقوشات لتجار من دلمون يحملون أسماء أمورية (Hojlund 1989). وقد صاحب ذلك توسع دولة دلمون التي أصبحت تشمل شرق الجزيرة العربية وجزيرة فيلكا. وتعتبر الفترة 2000 - 1800 ق. م. فترة الذروة لدولة دلمون التي تميزت بتأثيرات أمورية - رافدية (Hojlund 1989).

مما سبق يلاحظ تحول واضح في هوية دلمون، من التأثيرات السندية في حقبة التأسيس إلى تأثيرات بلاد الرافدين في حقبة الذروة؛ ما يشير لوجود تغير في هوية السلطة السياسية، فهل صاحب هذا التغير في السلطة حروب، أم كان هذا التحول سلمي؟

مخزن عظام أم مقبرة جماعية

في العام 1960م، وعن طريق الصدفة، اكتشف قبر كبير أو مقبرة جماعية دلمونية شمال شارع البديع، وعلى بعد 500 متر غرب مدخل قرية باربار، وقد أطلق عليه مسمى «مخزن العظام». هي ليست قبراً جماعياً دلمونياً اعتيادياً، فهي حفرة كبيرة بها العديد من الهياكل العظمية التي دفنت بصورة عشوائية وبدون أي طقوس جنائزية. إضافة إلى ذلك تم العثور فيها على 17 ختماً منها 14 ختماً من نوع الأختام الدلمونية المبكرة (Hojlund 2007، p. 159). هذه الأختام لم تدفن مع أصحابها، بل إن المرجح، أنها كانت بحوزة أصحابها لحظة موتهم. الصورة بأكملها تثير الشبهة، فموقع القبر، أو المقبرة الجماعية بالقرب من معبد باربار ومعبد الدراز، وهي مواقع تحكم أساسية، فهي تتحكم بتوزيع المياه على الأراضي الزراعية لأنها بنيت فوق قنوات المياه (Hojlund 1989). ثانياً، من الأشخاص المدفونين في هذا القبر، يوجد 17 تاجراً يحملون أختامهم، علماً أن الختم يورث لتستمر به إدارة التجارة (Hojlund 2007، p. 159). وأخيراً، فإن 14 ختماً، من الأختام التي عثر عليها في القبر، تنتمي لأختام دلمون المتأخرة (Kjaerum 2007)؛ أي أنها تعود لحقبة تأسيس دلمون.

تشير هذه المعطيات إلى أن الموتى (لا يعرف عددهم) في هذه الحفرة قد قتلوا، ربما ضمن حرب أدت إلى إبادة جميع من في المنطقة أو غالبيتهم، بحيث لم يبقَ أحد لدفنهم مع ممارسة الطقوس الجنائزية، أو أن من تبقى منهم، تم منعهم من دفن هؤلاء بصورة تليق بهم (Hojlund 2007، p. 159). فهل هذا القبر أو المقبرة الجماعية هي إحدى نتائج هجوم الأموريين على دلمون وسيطرتهم عليها؟ من السهل معرفة ذلك؛ وذلك بدراسة عظام هؤلاء الموتى للتعرف إذا كان هناك آثار رضوض أو جروح، إلا أن لا أحد درس ذلك (Hojlund 2007، p. 160). لقد دفن الدليل بداخل القبر الكبير الذي لا نعلم موقعه بالتحديد ولا نعلم ماذا بني فوقه.

فن النقش الدلموني المبكر

يمكن تمييز الأختام الدلمونية المبكرة بميزتين أساسيتين. الميزة الأولى، أن الوجه الظهري لا يحتوي على أي نقوش غير وجود خط أو خطين أو ثلاثة خطوط على الحدبة. أما الأختام الدلمونية المتأخرة فقد نقش على وجهها الظهري زخرفة عبارة عن أربع دوائر في وسط كل دائرة نقطة. وهذه الميزة لوحدها غير كافية لتمييز الأختام الدلمونية المبكرة من سواها؛ فالنوع الثالث من الأختام الدلمونية المتأخرة لا توجد على وجهها الظهري زخرفة الأربع دوائر (Beyer 1989) ،(Denton 1997). وربما هذا ما جعل خالد السندي في كتابه أختام دلمون (Al-Sindi 1999)، أن يصنف بعضاً من أختام النوع الثالث من الأختام الدلمونية المتأخرة (أرقام الأختام: 198، 199، 200، 244)، على أنها أختام دلمونية مبكرة.

أما الميزة الثانية، فهي فن النقش؛ فقد تميزت أختام دلمون المبكرة بمشاهد محددة تميزها، كالحيوانات مثل الثور، وما يميز هذه الرسوم أن رأس الحيوان يتم رسمه، بينما في أختام دلمون المتأخرة فيتم نقشه باستخدام مثقاب خاص. ومن المشاهد أيضاً، منظر شرب الخمر من الجرة الكبيرة عن طريق أنابيب خاصة. انظر الرسوم المرفقة لمزيد من التفاصيل.

العدد 4081 - الجمعة 08 نوفمبر 2013م الموافق 04 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً