منذ أن هبَّت رياح الربيع العربي في تونس وإلى يومنا هذا، وجدت أنظمة الحكم العربية نفسها منشغلة ليل نهار بنصب خشبات مسارح المحاكمات في محاكم العرب، عبر طول وعرض الوطن العربي كله. لم يسلم قطر عربي واحد من المشاركة في التأليف أو التمثيل، في الإضحاك أو الإبكاء، في الهرج والمرج. والظاهر أننا سنعيش ذلك عبر سنوات كثيرة قادمة.
بعد اليوم ستواجه المجتمعات العربية قوانين مكافحة الإرهاب والتي بسبب تطرُّف مخاوفها المريضة وهلوساتها، قد تصبح هي بدورها قوانين إرهابية. بعد اليوم سيكون كل متظاهرٍ معارضٍ عرضةً للمحاكمة بسبب توقيت ومكان وشعارات المظاهرة وهتافات المتظاهرين. بعد اليوم سيتعرّض كلّ صاحب رأي للإعدام المعنوي، ثم يجرجر إلى مسارح المحاكم. بعد اليوم لن يستطيع أحد أن يضرب عن العمل لأسباب سياسية، إذ سيحاكم لأنًّه أضرّ بسيرورة الحياة الاقتصادية. بعد اليوم ستمتلئ الأرض العربية بمحاكمات الثَارات المتبادلة، إذ كلما ستجيء أمّةٌ ستلعن أختها.
هل نبالغ؟ أبداً، فالأرض العربية ستحتاج إلى مئات الألوف من القضاة والمحامين لمواجهة موجة المحاكمات العاتية.
من هنا فان موضوع القضاء والقضاة، مواضيع من مثل سلطاتهم، مدى استقلاليتهم، مقدار تأثرهم إن لم يكن خضوعهم للسلطتين التنفيذية والتشريعية، مدى تأثّر أحكامهم بولاءاتهم العائلية أو المذهبية أو القبلية، النظام الإداري والمالي الذي يحكم تعيين القضاة ورواتبهم وترقياتهم ومساءلتهم... هذا الموضوع أصبح لا يقلّ أهميةً عن موضوع الانتقال إلى الديمقراطية وموضوع الحكم الرشيد.
لماذا أهمية طرح مواضيع القضاء والقضاة ذاك؟ لأن هناك دلائل على أن مؤسسة القضاء العربية، مع الاختلاف بالطبع في الحجم والشدة، مصابة بعلل جوهرية. فهناك إشكاليات عدم الكفاءة أو عدم النزاهة، أو عدم الاستقلالية عند البعض. وهناك إشكاليات الرشوة وبيع الضمائر والخضوع لتوجيهات رجالات السياسة والعسكر والأمن وأصحاب المال. وهناك إشكاليات انغماس البعض في الصراعات الدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية والعرقية والإيديولوجية.
وفي المدة الأخيرة أطلّت علينا بشكل مفجع إشكالية محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية، وعلى أيدي عساكر موالين للمؤسسة التي ينتمون لها ولصرامة وتزمت منهجية تفكيرها.
ويضاف إلى كل ذلك ندرة برامج التدريب الدوري وإعادة التأهيل لمن يحتاجونه، بحيث ننتهي بأعداد متزايدة من ممارسي أصولية قانونية عفى عليها الزمن، ومن عاجزين عن الانفتاح والمتابعة لمستجدات العصر في حقل يزخر بالتغييرات الكبرى.
بسبب أهمية هذا الموضوع وانعكاساته على الملايين من العرب في المستقبل القريب، وبسبب عدم إيلائه ما يستحق من مكانة في النقاشات السياسية الدائرة حالياً، إذ تطغي المناقشات السياسية والاقتصادية، وبسبب التعامل مع الموضوع بعموميات من المطالب من مثل القضاء المستقل النزيه العادل، بسبب كل ذلك هناك حاجةٌ ملحةٌ لأن تضع قوى ثورات وحراكات الربيع العربي هذا الموضوع في مقدمة قائمة برامجها التي تطرحها.
المطلوب ليس طرح الأوصاف النظرية العامة، على أهميتها، ولكن المطلوب هو طرح برامج محدّدة لمعالجة هذا الموضوع الحيوي.
هناك حاجة لوضع تصوُّر عمّا يعنيه استقلال القضاء، إستقلاله عن الخضوع للسلطتين التنفيذية والتشريعية وتدخلاتهما. إن استقلال القضاء يأخذ أشكالاً تنظيمية مختلفة في مجتمعات العالم. ومع ذلك يجب أن يبقى الجوهر المتمثٍّل في تمتّع القاضي بالحرية والاستقلال في تفكيره وفي إصدار الأحكام وفي فهم روح القوانين. ومن أجل تأمين ذلك الاستقلال ستكون هناك حاجةٌ لأنظمة تتعلق بالجهة التي تعيّن القضاة، وبالاطمئنان الوظيفي للقاضي مهما كانت الأحكام التي يصدرها لا تتوافق مع رغبات هذه الجهة أو تلك، وكذلك بالقضايا المالية والترقيات والعلاقات مع الرؤساء القضاة.
ولن يكفي أن يكون القضاء مستقلاً، بل لابد أن يكون نزيهاً عادلاً، قابلاً للمحاسبة إذا أخفق في أن يكون كذلك. وهذا بدوره سيحتاج إلى نظامٍ صارمٍ عادلٍ للمحاسبة والإعفاء إن لزم الأمر. وقد يحتاج كل ذلك لاقتراح تعديلات في الدساتير والقوانين.
نحن أمام مهمّة لن تكون أقلّ أهميةً وحاجة للتفصيل عن مهمّات وضع تصورات برنامجية للديمقراطية التي نسعى لها، أو لنوع الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية العادلة التي نرنو لتحقيقها.
معيار الحكم على القضاء أوجزه حديث نبي الإسلام (ص) من أن «القضاة ثلاثة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحقّ فجار فهو في النار».
ومعيار قوة واستقلال القضاء أوجزه أحد قضاة المحكمة العليا الأميركية، القاضي ثرجود مارشال، من «أننا يجب أن لا ننسى قط بأن مصدر القوة الوحيد للقضاة هو مقدار احترام الناس لهم».
لنتذكر بأن القضاء المستقل العادل هو من أهمّ دعائم حماية الديمقراطية.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4080 - الخميس 07 نوفمبر 2013م الموافق 03 محرم 1435هـ
ابو حسين
الغريب والعجيب ان بعض المعليقين المحترمين يبتعد عن الموضوع المطروح في
المقال ويشرق ويغرب اولا الدكتور صاحب فكر عميق ولم يدافع عن اي طاغي
لا بشار ولا غيره من الطواغيت مثل البعض يرى الحاكم طل الله في الارض
لانه من هذة الظائفة والمظلوم مجرم وارهابي وليس له اي حقوق لا العدال
ولا المساواة الانه من الجماعة المغضوب علبها ثم الدكتور تكلم عن عدالة
استقلال القضاء ونزاهته لماذا هذ الهرج والمرج والواضح انك لاتعرف الدكتور
كيف يحاكم الأمريكي؟
قال النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أن أقضاكم علي عليه السلام لكن من مشاكل البحرين كيف تقضي على الفساد الأمريكي – يعني فساد مورط أو مستورد لكنه يقال مالي أخلاقي تجسسي وتجاره بالبشر! هنا في البحرين العماله أو ما يسموا أو يطلق عليها العماله المهاجره ترست وشحنت البحرين ليش؟
العدالة الربانية قاضي في الجنة وقاضيان في النار
معيار الحكم على القضاء أوجزه حديث نبي الإسلام (ص) من أن «القضاة ثلاثة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحقّ فجار فهو في النار».
المقال قوي جدا
شكرا يا دكتور على على هذا المقال ، مقال رائع ولكن كما اشرت الى الحديث عن معيار الحكم القضاة ثلاثة رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة ، ورجل قضى للناس على حهل فهو في النار و ورجل عرف الحق فجار فهو في النار ،
و ماذا عن حبيب قلبك بشار ؟
كيف يمكن لمن يدعي القومية ان يقف مع ايران عدو العروبة ؟ كيف يمكن لكم ان تدعموا من يقتل الشعب السوري فقط لانه من عموم المسلمين و ليس من الأقلية الموالية لإيران ؟
لا عليكم ولا علموكم الا التصدي لمن يقول الحق
الموضوع الظاهر انه حرقك او مثل ما نقول چواك ، تدعمون الإرهاب في سوريا وتقولون الشعب وتساندون من يجلب المرتزقه للقمع الشعب الأصيل المسالم وتقولون إرهاب . الله يأخذ الحق منكم ومن حكومتكم ومن يساند كل ظالم من حكومات وأفراد الي نار جهنم طال الزمان او قصر الشعب لازم ينتصر