إذا كان الربيع العربي أسقط ثلاثة أنظمة دكتاتورية، وخلخل أنظمة أخرى، فإنه ساهم أيضاً في ضعضعة القضاء العربي وكشف واقعه وإسقاط هيبته.
لعقود طويلة، كان الإنسان العربي ينظر بخوفٍ ورهبةٍ إلى القضاء، الذي كان يتم تصويره على أنه مثالٌ للنزاهة والاستقلالية والعدل. ولم يكن أحدٌ يجرؤ على التشكيك في هذه الأقانيم الثلاثة التي أصبحت من المقدّسات. أما بعد الربيع فأصبحت سمعة القضاء العربي المسيّس في الحضيض.
قبل الربيع العربي، وبفعل إحكامِ قبضة الأنظمة الأمنية والإعلامية على الرقاب، كانت الأحكام تطبّق والحياة تسير. فالنظام المتسلط لا يدع مجالاً للرد أو التأفّف والاعتراض. لكن مع اهتزاز النظام الرسمي العربي وارتخاء قبضته الأمنية، وبروز وسائل التواصل الاجتماعي، التي قدّمت بديلاً حيوياً لوسائل الإعلام التقليدية، أصبح القضاء في مرمى الانتقادات.
تاريخياً، سيذكر 2011 باعتباره عام انطلاق ثورات الربيع العربي، والعام 2012 عام وصول بعض حركات الإسلام السياسي (الإخواني) للحكم، مع استنزاف الشارع في البلدان التي استمر فيها الحراك الثوري. أما 2013، فهو عام تقويض حكم الإخوان، مع سقوط النظام القضائي العربي.
في التاريخ الإسلامي، كان بعض المرشّحين لهذه الوظيفة (القضاء)، يتورّعون عن قبولها، مهما كان العرض سخياً. منطقياً، القاضي موظّفٌ لدى الدولة التي تعيّنه في هذا السلك الخطير، ولذلك كانوا يهربون من هذه الوظيفة، حفاظاً على استقلاليتهم ونزاهتهم، والأهم خوفاً على دينهم وآخرتهم. وبعضهم كانوا أئمة مذاهب وعلماء كباراً، دفعوا ضريبة الرفض سجناً وتعذيباً. مقابل هذا النموذج الفريد هناك نماذج أخرى كانت تبلع الطعم وتقبل العروض. إنهم يريدون أن يعيشوا ويتمتعوا كغيرهم من الموظّفين والأجناد.
في آخر الفصول، شاهدنا كيف انقلب الوضع في مصر خلال الأشهر الأخيرة، في واحدةٍ من عِبَر الدهر، وشاهدنا كيف تم الإفراج عن الرئيس السابق حسني مبارك، الذي حكم مصر ثلاثين عاماً، حتى حوّلها إلى عزبة عائلية. كان يواجه تهماً كبرى بالقتل والفساد والتفريط في أموال الدولة وبيع الغاز إلى «إسرائيل»... وغيرها من جرائم. يتم استلال التهم واحدةً واحدةً، حتى تهمة قتل 800 مواطن مصري في أحداث الثورة، لتسجّل ضد مجهول.
بالمقابل، ومع عودة الجيش إلى السلطة وإحكام قبضته على مفاصل الدولة مجدّداً، يتم تقديم الرئيس المخلوع إلى المحاكمة بنفس التهمة (القتل)، والأغرب منها التهمة الرئيسية، بالتخابر مع جهة أجنبية، ونكتشف من أوراق الدعوى أن هذه الجهة الأجنبية هي حركة «حماس» الفلسطينية! وتقدم هذه القضية لتنظرها محكمة يقودها قضاةٌ كبار!
لست من مؤيدي حركة الإخوان المسلمين، فقد تكشفت حركتهم عن وجه سياسي قبيح، خصوصاَ من جهة موقفهم من «إسرائيل» التي يحكمها صديق مرسي العظيم، فضلاً عن قبولهم بمشروع تفتيت المنطقة على أسس طائفية، وإشعال حرب المئة عام الشيعية السنية، التي وقى الله المسلمين شرها. مع ذلك، فإن ما يجري من قمع وقتل لقواعد الإخوان، وملاحقات ومحاكمات لقياداتهم، بهذه الصورة المسرحية، إنّما يدل على ما بلغه القضاء المسيّس من تبعية وانعدام نزاهةٍ وانهيار أخلاقي.
في مسرحيته «مأساة الحلاج»، يُجري صلاح عبدالصبور العبارة التالية على لسان قاضي السلطة أبي عمر: «والله تبارك وتعالى قد ثبت في كف خليفتنا الصالح - أبقاه الله - ميزان العدل وسيفه»، فيردّ عليه الحلاج: «لا يجتمعان بكفٍّ واحدةٍ يا سيد».
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4078 - الثلثاء 05 نوفمبر 2013م الموافق 01 محرم 1435هـ
الى القارئ 3/4
انا اتفق مع الكاتب بان الربيع العربي هو الذي عرى القضاء العربى. من قبل لم يكن احد يتجرأ بالتشكيك في نزاهة هذا القضاء. الان اصبحت قصص فساد هذا القضاء واضحة للعيان في مصر وغير مصر. نظرته صحيحة لولا الربيع العربي لما سقطت هذه الانظمة ولما سقط وتعرى القضاء والقضاة.
الله يحكم بين عباده
القاتل ثلاث سنوات والمغرد في تويتر مؤبد. وين صارت
هل من معتبر
فويل ثم ويل ثم ويل
لقاضي الارض من قاضي السماء
كلام صحيح وفي الصميم
قاتل يخفض سجنه من سبع الى ثلاث سنوات وهي نفس عقوبة من يكتب تغريدة في تويتر.
هذه هي القضية
في مسرحيته «مأساة الحلاج»، يُجري صلاح عبدالصبور العبارة التالية على لسان قاضي السلطة أبي عمر: «والله تبارك وتعالى قد ثبت في كف خليفتنا الصالح - أبقاه الله - ميزان العدل وسيفه»، فيردّ عليه الحلاج: «لا يجتمعان بكفٍّ واحدةٍ يا سيد». القضاء بيد من يحكم ويملك القوة.
علي نور
إذا كان الربيع العربي أسقط ثلاثة أنظمة دكتاتورية، وخلخل أنظمة أخرى، فإنه ساهم أيضاً في ضعضعة القضاء العربي وكشف واقعه وإسقاط هيبته. انا لا افهم وجه الشبة او الرابط بين اسقاط الانظمة التي حسب وجهة نظرك اسقاطها الربيع العربي وبين مساهمته في ضعضعة النظام القضائي في تلك البلدان على الرغم من ان الانظمة هي صانعة القضاء ؟؟مشكلة الوطن العربي في قضائه الفاسد حتى نخاعة لا في حكامه. هولاء القضاة العجزة الهرمون فاسدون ومفسدون بالاصالة وفسادهم متقدم على الربيع العربي الذي عمره لا يتجاوز الثلاث سنوات.
علي نور
الكاتب العزيز .. ارى انه لازلت تكرر اسطوانة " الربيع العربي" وكانه بالفعل كان هناك شي اسمه الربيع العربي ..بعد كل هادا الهرج والمرج والدمار الذي حل ببلداننا بعدك مصدق ان في شي اسمه الربيع العربي.. الناس كلهم باتو يدركون ان لا ربيع عربي ولا هم يحزنون ...الربيع الذي اسميتموه عربي لم يكن الا معول هدم صناعة امريكية لتقيسم الشرق واعادة رسم خريطته من جديد لهدف الحفاظ على تدفق النفط وحماية اسرائيل وضمان بقائها كقوة مسيطرة في الشرق
القاعدة الأزلية
( الأقوى يحكم ) و هي مطبقة في 90% من العالم.