العدد 4076 - الأحد 03 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ

الابتسامات الإيرانية والقهقهات الأميركية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كل مَنْ يُراقب (عن كَثَب) تحوُّل العلاقات الأميركية الإيرانية، سيكتشف أن الأمور أصبحت جِدِّية بما يكفي للتغيير. أعتقد أنها تعدَّت مستوى «بالونات الاختبار» إلى نتائج ذلك «الاختبار» مباشرة. ومنذ أن وَصَفَ الأميركيون محادثاتهم في جنيف مع الإيرانيين قبل أسابيع بأنها الأهم منذ عاميْن، تبيَّن أن ما يجري هو حقيقي وليس وهمياً، وأنه مسارٌ قد بدأ منذ سنين وليس وليد لحظته.

قبل أيام، نشرت صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية خبراً يقول بأن «مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس، ومساعداها بن رودز وتوني بلينكن، إضافة إلى مساعدة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان، قد وجّهوا دعوات إلى رؤساء اللوبيات الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأميركية (آيباك ومجلس اليهود في أميركا الشمالية) للكف عن بذل الجهود الرامية لزيادة الحظر المفروض على إيران» خلال اجتماع جرى مؤخراً في البيت الأبيض.

وأضافت الصحيفة، أن نقاشات ساخنة دارت في الاجتماع المذكور، حول لائحة الحظر الجديد على إيران، التي يحركها مُشرِّعون أميركيون في الكونغرس على علاقة باللوبيات الإسرائيلية، وأن من المقرّر «عقد اجتماع سري للغاية يحضره وزير الخارجية جون كيري والخزانة جاك لو، مع قادة الكونغرس لبذل المساعي للحد من التصويت على حظر جديد ضد إيران».

اللافت في الأمر ليس في تلك التحركات والدعوات الأميركية فحسب، بل الأكثر منه هو تصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون الحقوقية والدولية ورئيس الفريق المفاوض في الملف النووي الإيراني عباس عراقجي، الذي قال يوم الأربعاء الماضي أن «الحكومة الإيرانية على اطلاع بأن الحكومة الأميركية كانت تحاول وقف التحركات في الكونغرس الرامية إلى إصدار لائحة جديدة من العقوبات ضد إيران لتفسح المجال أمام التقدم في المباحثات». وكأنه مساندة حليف لأوباما.

ضمن هذا المستوى الدبلوماسي الذي بدا فيه الإيرانيون متفهمين، ومُقدِّرين للأميركيين مساعيهم لوقف دفوع الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على بلادهم، يعطينا انطباعاً واضحاً أن موضوع العلاقات الإيرانية الأميركية، قد دخل منعطفاً جديداً بلا شك، ولم تعد سوء النيَّة والشعارات المتقابلة هي المتحكمة فيه، إلاَّ إذا حَدَثَ ما هو غير متوقع بالمرة لتغيير ذلك المسار.

من هنا، يمكننا أن نسجل عدداً من الملاحظات التالية حول ذلك:

أولاً: إن هذا الأمر في حال التفكير فيه، يؤشر إلى أن تغيير مسار سياسي ودبلوماسي «متكلِّس» مضى عليه أزيد من ثلاثين عاماً، وانتظمت عليه سياسات محددة، وخطط وبرامج، فإنه يعني أن المصالح الناظمة لذلك المسار قد تبدَّلت. وعندما تتبدَّل مصالح بلديْن، تتبدَّل معها السياسات وأيضاً علاقات أخرى للطرفين مع أطراف ثالثة. وهو ما يفسّر طبيعة الخلاف الأميركي السعودي، والخلاف الأميركي الإسرائيلي، وإلى حدٍّ ما الأميركي الفرنسي والأميركي الكندي أيضاً.

ليس ذلك فحسب، وإنما ينعكس على حضور طرفَيْ العلاقة في المناطق المحرَّمة سابقاً، والتي كان فيها الطرفان يدخلانها عبر وسيط، أو عبر أجهزة استخبارات، فضلاً عن إرخاء القبضة من على عنق وسائل الضغط، من عقوبات اقتصادية، ومن تحرير للنظامين المالي والاقتصادي (كما هو الحال بالنسبة للأموال الإيرانية المجمَّدة) والأمني (كما تطمح بذلك واشنطن في لبنان وسورية).

ثانياً: إن واشنطن تدرك، أن علاقاتها مع إيران في حال تم تطبيعها، لا يمكنها أن تتحوَّل إلى علاقات نفوذ من طرف واحد، تبدأ من واشنطن وتنتهي بطهران. فالإيرانيون لن يقبلوا بأن ما تمنَّعوا في إعطائه في فترة الصراع أن يقدّموه أثناء السِّلم، وبالتالي، فهم سيقبلون بعلاقات تعاون متكافئة طبقاً لميزان القوة المتبادل، حتى وإن كان مختلاً في غير صالحهم.

والجميع يتابع مسيرة العلاقات الخارجية الإيرانية في هذا المجال. فهم وعلى الرغم من أن علاقاتهم مع الروس وثيقة وتاريخية واستراتيجية، إلاَّ أنهم لم يقبلوا إلاَّ بعلاقات ندِّية معهم أكثر من قبولهم بعلاقات تبعية. وربما وجدنا هذا الأمر في مسألة صواريخ إس 300 عندما تمنَّع الروس عن تزويدها لإيران، قامت الأخيرة برفع دعوى قضائية ضد روسيا وتغريمها مبلغ أربعة مليارات دولار، ثم القيام بمحاولة تصنيع سلاح مشابه، وإظهاره على أنه بديلٌ عن التكنولوجيا الروسية وهو إس 200.

لذا، فإن تلك العلاقة الوثيقة (والنِّدّية أيضاً) بين طهران وروسيا، لم تدفع موسكو لأن تستخدم حق التصويت (الفيتو) ضد أيٍّ من القرارات الأممية المتعلقة بالملف النووي الإيراني منذ العام 2006 ولغاية العام 2010 وهي: 1696، 1737، 1747، 1803 والقرار 1929. والسبب أن إيران قد صاغت علاقاتها مع الروس بغير ما فعلته سورية من علاقة تبعية شبه كاملة مع موسكو.

هذا الأمر يجعلنا نفكّر في شكل العلاقة التي قد تُنسَج بين الإيرانيين والأميركيين. والتساؤل حول قدرة واشنطن على الدخول في علاقة بهذا الشكل مع بلد لديه العديد من «ملفات الخاصرة» المؤذية للأميركيين، سواءً في العراق أو لبنان أو فلسطين أو اليمن أو إفريقيا أو في أميركا اللاتينية، وما هي الضمانات لأن لا تتعثر في أي اختبار قادم، وتترك علاقاتها الأخرى والمستقرة في الإقليم، والتي تتسم أغلبها بالانسيابية. وهو أمر يبدو أن الأميركيين قد حسموا أمرهم ومصالحهم فيه.

ثالثاً: باعتقادي، أن هناك تبدلاً في آلية مساعي الدبلوماسية الأميركية نحو آسيا، وبالتحديد في المناطق الغربية ومناطق الوسط، وهي أساس التغيير في العلاقة مع طهران. وكل مَنْ يلاحظ الجغرافيا الإيرانية سيكتشف، أنها تمثل «قناة سويس» أرضية مع تلك المناطق الآسيوية. فهي تخفي وراءها أفغانستان وباكستان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان ومن خلفهم الصين، فضلاً عن دول الهوامش الجنوبية للقارة.

فيما خصّ دول آسيا الوسطى، تريد الولايات المتحدة أن تجعل لها خطاً جغرافياً بديلاً عن التماس الروسي، يبدأ من الجنوب، صعوداً إلى الشمال الشرقي. أما مع الصين، فيمكنها (أي واشنطن) وعبر الأراضي الإيرانية، أن تستعين بالموانئ الشرقية لإيران بدلاً من الموانئ الشرقية الجنوبية للصين، وحتى هونغ كونغ. هذا الأمر تكرَّر في علاقات العديد من الدول، وبالتحديد في دول جنوب وغرب أوروبا مع موانئ الشمال الإفريقي، وأيضاً للمسارات البحرية القصيرة والأكثر أمناً كالسويس.

في كل الأحوال، فإن العلاقة الأميركية الإيرانية الجديدة، يكتنفها الكثير من الأسرار، التي ربما تكشفها الأيام والوقائع القادمة، مع الأمل أن تبتعد هذه المنطقة عن كل صراع وتوتر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4076 - الأحد 03 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 10:31 ص

      مقال بالغ الاهمية

      السياسة هي ذكاء ومصالح في المقام الاول شكرا جزيلا دكتور

    • زائر 7 | 7:14 ص

      متابع ( سؤال بشأن موضوع الأمس ( 125 مليار ) )

      بالنسبة للاقتصاد الامريكي ، يقولون وصل الدين الامريكي الى حدود 16 تلريون دولار ، البعض يدعي ان هذا دليل على قرب تهاوي امريكا اقتصاديا ، خصوصا ان الصين فقط ( عدو امريكا ) تمتلك لوحدها سندات تلريون دولار كدين على امريكا بحيث يمكنها ان تسقط امريكا في لحظة لو طالبت بها ، . . . . فهل هذا الكلام صحيح ؟

    • زائر 6 | 7:12 ص

      متابع

      نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب لنا مقالات تتناول الأمور التالية : 1- قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) ...... 2- سوريا : الواقع الميداني ، أين تسيطر المعارضة تحديدا و أين يسيطر النظام ؟ بغض النظر عن التهويل الاعلامي لكلا الطرفين ، و أيضا من يتقدم الآن عسكريا و سياسيا ؟ أم أن الوضع شبه ثابت ؟ نسبة الاراضي التي يسيطر عليها الطرفين ؟

    • زائر 5 | 2:56 ص

      الانسحاب

      خصوصا وان الامريكان سينسحبون من افغانستان ويريدون ممرات ونظام مستقر هناك

    • زائر 4 | 1:01 ص

      واجد زيييين

      الملك انما يدوم بالعدل في الرعية مو بالاستقواء بالدول الاجنبية ع الشعب

    • زائر 2 | 11:47 م

      شكرا لكم

      مقال بالغ الأهمية، وعظيم الفائدة

    • زائر 1 | 11:05 م

      الله يصلح حالهم سينعكس اثرها على الاقليم برمته

      دولة شيدت عمرانها وتقدمها بعزة وابا اتمنى ان يتفقوا فاثرها على الخليج برمته كبير وحفظ الله هذه الجمهورية الفتية.

اقرأ ايضاً