في الأوقات الصعبة، تظهر معادن الناس، فيكون كل واحد على سجيته من غير أقنعة أو مساحيق تجميل. وقد صنف القدماء السفر ضمن هذه الأوقات التي يمكن للشخص معرفة الآخرين من خلاله بشكل جيد، فيكتشف إيجابياته وسلبياته، وما الحج إلا واحداً من أهم هذه المواقف التي قد تمر بالإنسان ويتعرف من خلالها على من هو معه بشكل قد يضيف له مجموعة من الأخوة والأصدقاء، أو في بعض أحيان قد يكون سبباً في ابتعاده عنهم.
ما يسديه الحجاج من خدمات لبعضهم بعضاً، هو واحد من الأسباب التي تجعل كثيراً من غير المسلمين يلتمسون الأخلاقيات التي يحث عليها الدين ويجعلهم يشعرون بعظمته، وهو ما حدث مع أحد الحجاج حين كاد زميله المسيحي يبكي تأثراً حين رأى تسجيل فيديو لإحدى الحملات، كان خلالها أحد الكوادر العاملة في الحملة يحاول جاهداً أن يخرج عجوزاً من وسط الزحام أثناء رمي الجمرات، وهو يحمي وجهها بيديه عاقداً حلقة حوله كي لا تصاب برمية من إحدى الجمار على وجهها في حين لم يكن يحمي نفسه بشيء. هذا الموقف جعل المسيحي يتساءل عن الأجر الذي يأخذه هذا الحاج نظير خدمته هذه، فأخبره أن الأجر سيلقاه يوم الحساب من الله عز وجل، وأنه ليس المسلم الوحيد الذي يقوم بهذا، ولا هذه هي الخدمة الوحيدة التي قد يقوم بها.
بعض هؤلاء جاءوا عمالاً بأجر لدى الحملات في حين يحاول كثير من الحجاج أنفسهم خدمة غيرهم من غير مقابل أو أجر منتظر. يخدمون من يحتاج إليهم لأنهم يشعرون بالسعادة ويسعون لإرضاء أنفسهم ونيل مرضاة الله ورحمته برحمتهم من في الأرض.
وهو ما وجدته جلياً خلال فترة الحج هذا العام؛ إذ اضطررتُ وإحدى الزميلات في الحملة للإنضمام إلى حملة أخرى أثناء طواف الحج ورمي الجمار في اليوم الحادي عشر، وهالني ما رأيت منهم، ابتداءً من صاحب الحملة الذي أخجلنا بكرمه؛ وصولاً للمرشد الديني الذي لم يبخل علينا بنصيحة أو دعاء أو إجابة على سؤال، ومروراً باثنين من العمال في الحملة، شكّلا جداراً عازلاً مع أحد الحجاج، ليكون واقياً لنا أثناء الطواف من أي زحام أو التصاق بالرجال؛ وليس انتهاءً بالحاجات اللاتي استقبلننا بحفاوة تنم عن طيب أخلاقهن وروعة ضيافتهن.
هذه الأخلاقيات التي جعلت هذا الطاقم وإحدى المسافرات يخرجون بعد منتصف الليل ليكونوا برفقة حجاج لا يعرفون منهم إلا أشكالهم، فآثروا معاونتهم على نومهم وراحتهم، يجعلنا نشعر بالامتنان والفخر لأننا ننتمي لهذا الدين الذي علم هؤلاء وغيرهم كيف يكونوا بشراً ينتمون للإنسانية قبل أي شي آخر، ويؤثرون غيرهم على أنفسهم وهم راضون غير مجبرين.
ولو أننا جميعاً نلتزم بهذه الصفات طوال حياتنا ولا نجعلها مقترنةً بفترة فقط من أيام السنة تنقضي بانقضاء المناسبة، لما وُجد محتاج يبحث عن معين له، ولما وُجد من لا يجد له نصيراً يلبّي حاجته وقت ضعفه وضيق حاله. قال تعالى في سورة الحشر: «والذين تَبَوَّءُوا الدَارَ والإيمانَ من قبلِهِم يُحِبُّون مَنْ هاجر إِلَيهِمْ ولا يجِدونَ في صدُورِهِمْ حاجةً ممَّا أُوتُوا ويُؤثِرونَ على أَنفُسِهِمْ ولو كان بِهِمْ خَصاصةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نفسِهِ فأولَئكَ هُمُ المُفلحونَ».
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4076 - الأحد 03 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ
كنتم ايضا متميزون استاذة
كنت معك في الحج ووجدت منك الخصال الجميلة استاذة سوسن جمعنا واياكم في هذه البقاع المشرفة مرة اخرى ورزقنا حج بيته في كل عام
نتشرف بخدمتكم
استاذه سوسن الفاضله كان لنا شرف خدمتكم رئيس الحمله وجميع المنتسبي يتشرفون بخدمتكم
ابوسلمان
احسنتي