لم تقتصر آثار «واقعة المتحف» على اقتحام مقر الوفاق بمنطقة القفول ومصادرة المواد المعروضة في «متحف الثورة»، بل رأينا لها ذيولاً وتداعيات.

«المتحف» لم يكن «متحفاً» بالمعنى المتعارف عليه في الشرق والغرب، وإنّما كان معرضاً فنياً يتضمن صوراً ومجسّمات لبعض جوانب الحياة السياسية في البحرين، التي تتخبط في أزمةٍ منذ اثنين وثلاثين شهراً. فمن مظاهر هذه الأزمة وجود أكثر من ألفي معتقل، وهو رقمٌ كبيرٌ بالنسبة لتعداد السكان وجغرافية الأرض، (في فلسطين مثلاً يتكلّمون عن أربعة آلاف من مجموع خمسة ملايين فلسطيني).

خلال هذه الفترة، كُتبت آلاف المقالات والتقارير عن الأزمة في البحرين وخارجها، وبُثّت مئات التقارير الصحافية والتلفزيونية، ويغصّ الفضاء الالكتروني بعشرات الآلاف من المواد، صوراً ولقطات فيديو، تصوّر التجاوزات والانتهاكات، التي رصدتها الجهات الحقوقية، وصدرت بشأنها تقارير دولية موثّقة. وما عُرض في ما يُسمّى بـ «متحف الثورة»، ما هو إلا غيضٌ من فيض تلك التجاوزات.

بعد ساعة من الواقعة (ظهر الأربعاء الماضي)، أوردت كالة (يو بي أي) خبراً بعنوان: «قوات الأمن البحرينية تقتحم مقر جمعية «الوفاق» المعارضة في المنامة وتسيطر عليه»، مشيرةً أن المقر يضم متحف الثورة، الذي يصوّر «بانوراما الحراك الذي شهدته البحرين منذ 14 فبراير2011، وهي تطالب بمزيد من الإصلاحات الديمقراطية في البلاد، وتتعرّض الاحتجاجات الشعبية في البحرين إلى قمع شديد من قبل السلطات الأمنية».

في اليوم التالي، قالت «رويترز» إن السلطات البحرينية أغلقت معرضاً فنياً عن الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، بدعوى انه ينتهك القانون ويذكي الكراهية. وأضافت ان البحرين تشهد اضطرابات منذ قادت الأغلبية احتجاجات مطالبة بالإصلاح ونصيب أكبر في الإدارة، وأن المعرض أغلق «بعد يومين من افتتاحه حيث عرضت عينات من الذخيرة المستخدمة من جانب شرطة مكافحة الشغب ولوحات وقطع فنية تمثل الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية»، مشيرةً إلى عرض صورٍ للحراك الذي استلهم انتفاضات الربيع العربي في دول عربية أخرى، وأن «لجنة تقصّي الحقائق التي شكلتها البحرين ورأسها محامي الامم المتحدة لحقوق الانسان شريف بسيوني نشرت تقريراً جاء فيه أن قوات الأمن استخدمت قوة مفرطة على نطاق واسع منها انتزاع الاعترافات بالتعذيب».

من ذيول واقعة «المتحف»، المرئية بالعين المجردة أقلاً، هو استدعاء أمين عام «الوفاق» اليوم (الأحد)، وسبقه احتجاز الأشخاص الذين قدّموا إخطاراً بمسيرة الجمعيات يوم الجمعة، التي خرجت تحت شعار: «مطالبنا عدل، مساواة، ديمقراطية». وهي خطوةٌ اعتبرتها المعارضة تصعيداً وانتهاكاً صارخاًً لحق التعبير، وإمعاناً في الحل الأمني، خصوصاً أنها انتهت بصورة سلمية تماماً.

البيان الذي صدر عن مسيرة الجمعيات، تضمّن استنكار اقتحام مقر الوفاق، وهدم «متحف فني» يمثل واقع الانتهاكات التي وردت أصلاً في تقرير محمود شريف بسيوني، وطالبت بتصحيحها وفود سبع وأربعين دولة، أغلبها من الحلفاء والأصدقاء.