العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ

ظهور الأختام الدلمونية المبكرة: كيف ومتى وأين؟

مما سبق أن ذكرناه في الفصل السابق عن تقسيم الأختام الدلمونية المبكرة (المسماة أختام الخليج العربي)، يتضح لنا أن أول الأختام التي صنعت واستخدمت في دلمون - البحرين هي الأختام الدلمونية المبكرة التي تحمل النقوش السندية، وتعرف باسم الأختام الدلمونية المبكرة ذات الطراز السندي.

هذه الأختام يرجح أنها بدأت تُصنع في دلمون ما بين العامين 2100 – 2050 ق. م. ثم تطورت هذه المجموعة إلى المجموعة الأخرى من الأختام الدلمونية المبكرة التي لا تحتوي على النقوش السندية. وقد استمر تصنيع الأختام الدلمونية المبكرة في دلمون حتى قرابة العام 1923 ق. م. وبعدها ظهرت الأختام الدلمونية الوسطية ثم الأختام الدلمونية المتأخرة.

بلا شك، أن فكرة صناعة الأختام في دلمون هي فكرة مستوردة، ويبدو أنها انتقلت إلى دلمون عبر شعوب حضارة وادي السند وذلك أن أول الأختام التي ظهرت في دلمون تحمل نقوشاً سندية، وبالتالي تحمل هوية سندية. كذلك فإن هذه الأختام شبيهة بأختام عثر عليها في إيران وحضارة وادي السند، والتي يرجح أنها استخدمت في الحقبة ما بين 2200 و 2095 قبل الميلاد.

ويرى البعض أن هناك دوراً لعبته حضارة بكتريا – مارجيانا (المسماة BMAC) في تطور هذه الأختام، فقد أثرت هذه الحضارة على حضارات إيران ووادي السند وبلاد الرافدين وانتقلت تأثيراتها (ربما بصورة غير مباشرة) إلى دلمون وبقية الثقافات على شواطئ الخليج العربي.

دلمون وحضارة بكتريا - مارجيانا

يقع موقع حضارة بكتريا - مارجيانا حاليّاً في أفغانستان وتركمنستان، وقد تأثرت هذه الحضارة بحضارات وادي السند وبلاد الرافدين (Sarianidi 1999) ،(Winckelmann 2000)، وقد كونت لها مع الزمن ثقافة ذات هوية واضحة ومميزة. وهاجرت أعداد كبيرة من شعوب هذه الحضارة إلى العديد من الدويلات التي ظهرت في إيران وشبه القارة الهندية وأثرت فيها بصورة كبيرة، كما أنها أثرت على حضارات الخليج العربي (Possehl 2007).

وقد قامت During-Caspers بدراسة العلاقة بين بكتريا - مارجيانا وحضارات الخليج العربي، ونشرت عدة بحوث رصدت فيها تأثيرات هذه الثقافة في دلمون (During-Caspers 1992, 1994, 1996). وقد خلصت من هذه الدراسات إلى نتيجة مفادها أن ما عثر عليه في البحرين من أدوات تعتبر خاصة بحضارة بكتريا - مارجيانا، هي في الواقع ليست أدوات مستوردة وإنما هي «تقليد»، أي أنها صنعت في دلمون بأيد دلمونية؛ ولذلك فإن هذه الأدوات لها هوية مختلطة بين حضارة بكتريا – مارجيانا وبلاد الرافدين مع وجود لمسة دلمونية خاصة (During-Caspers 1996). وهذا يعني أنه لم تحدث هجرات من بكتريا – مارجيانا إلى دلمون وإنما حدثت عملية انتشار لبعض معارف واختراعات هذه الحضارة إلى دلمون؛ وذلك بسبب التجارة النشطة بين هاتين الحضارتين وكذلك بين دلمون والحضارات الأخرى المتأثرة بحضارة بكتريا - مارجيانا (During-Caspers 1996).

لهذه الأسباب، وغيرها من الأسباب التي سنذكرها لاحقاً، يرجح البعض أن الأختام الدائرية، التي أصبحت النموذج الذي اقتبست عنه الأختام الدلمونية، تم تطويرها أولاً من قبل شعوب بكتريا – مارجيانا أو الشعوب المتثاقفة معها وبالخصوص تلك الموجودة في وادي السند (During-Caspers 1996) ،(Parpola 1994)، (Laursen 2010).

أختام وادي السند والأختام الدلمونية

ظهرت أختام حضارة الهارابا (في وادي السند) المربعة الشكل والتي تظهر عليها نقوش بالكتابة السندية في الفترة من 2800 إلى 2600 ق. م، بينما ظهر أول ختم في هذه الحضارة، عليه نقوش بالكتابة السندية المبهمة في الفترة من 2600 إلى 2400 ق. م. (Laursen 2010).

وقد ظهرت أيضاً، في وادي السند, أختام شبيهة تماماً بالأختام السندية السالفة الذكر إلا أنها دائرية الشكل وليست مربعة وهي الأختام الشبيهة بأختام دلمون المبكرة والتي تحمل نقوشاً بالكتابة السندية، ويرجح أن هذه الأختام ظهرت بين العامين 2200 – 2000 ق. م. (Laursen 2010).

المرجح، هنا، أن الأختام السندية مربعة الشكل قد تطورت لتأخذ الشكل الدائري وذلك في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، وربما حدث ذلك في منطقة ما في وادي السند، أو منطقة قريبة منه.

وما يعزز هذا الترجيح هو العثور على عدد من كبير من دمغات الأختام الدائرية في منطقة Gilund في الهند يعود تاريخها للألف الثالث قبل الميلاد (Ameri 2010) ،(Possehl et. al. 2004). وقد أثبتت الدراسة التي أجريت على فن النقش في هذه الدمغات وجود رابط كبير بينها وبين فن النقش في حضارة بكتريا – مارجيانا، وكذلك بينها وبين أختام دلمونية متأخرة تعود للعام 1900 ق. م. عثر عليها في البحرين وفيلكا (Ameri 2010) (Potts 2005). هذا وقد تم ربط عدد من الأختام الدلمونية المتأخرة وكذلك عدد من الأختام غريبة الشكل (كالمربعة، والمنشور الثلاثي) بأختام بكتريا - مارجيانا (Potts 2005), (Crawford and Al-Sindi), (Winckelmann 2000), (Parpola 1994), (Durin-Caspers 1994).

النقوش السندية وقرى ميلوخا

تختلف نقوش الكتابة السندية التي تظهر على أختام دلمون المبكرة من ختم إلى آخر؛ فبعض تلك النقوش تمثل تسلسلاً لغويّاً له معنى في حضارة وادي السند، وبعضها الآخر لا تمثل تسلسلاً لغويّاً له معنى في حضارة وادي السند، بينما النقوش السندية على الأختام الدائرية التي عثر عليها في وادي السند جميعها تمثل تسلسلاً لغويّاً له معنى (Parpola 1994).

هذه الحقيقة أدت إلى العديد من التساؤلات، منها: هل هذه النقوش تمثل لغة مشتقة من اللغة السندية وتستخدم رموزها؟ هل هي لغة شعوب حضارة بكتريا - مارجيانا؟، هل هي لغة سامية كتبت بحروف سندية؟. أيّاً تكن الإجابة على تلك الأسئلة؛ فمن الواضح أن وجود هذه الرموز دليل على تواجد شعوب متثاقفة (سامية - سندية) في دلمون، وهم أحفاد المهاجرين الأوائل من حضارة وادي السند والذين كونوا لهم قرى في بلاد الرافدين عرفت باسم قرى ميلوخا وسبق أن تناولناها بالتفصيل في فصول سابقة.

كذلك؛ فإن تسلسل تطور النقوش السندية على هذه الأختام يعكس تطور شعب حضارة دلمون. فالشعوب الأولى التي أسست دلمون كان من ضمنها أفراد من حضارة وادي السند (أو قرى ميلوخا في وادي الرافدين) وهم من نقلوا تقنية صناعة الأختام الدلمونية المبكرة والتي تحمل نقوشاً بالكتابة السندية لها معنى واضح عندهم (Laursen 2010)، كذلك قاموا بنقل نظام أوزان حضارة وادي السند والذي تم تطويره في دلمون وعرف باسمها (مينا دلمون) وقد تناولناها بالتفصيل في فصل سابق.

أما الطبقة الثانية من شعوب دلمون فهم أحفاد الدلمونيين وأحفاد شعوب وادي السند وقرى ميلوخا وهم المتثاقفون الذين حافظوا على هوية أجدادهم بوضع رموز سندية على أختامهم، وإن كانت لا تمثل جملاً ذات معنى (Laursen 2010) ... يتبع.

العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً