العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ

الفنان بوسعد يبدد عتمة الأشياء بضوء الإنسان

في معرضه «أسود أبيض - حفر»

خلال افتتاح المعرض
خلال افتتاح المعرض

بتداخل اللونين الأبيض والأسود، والعتمة والضوء، حيث تتبدد عتمة الأشياء بهالة الضوء التي يبعثها الإنسان، يصنع إبراهيم بوسعد تصاميمه الإبداعية هذه المرة عبر ست وثلاثين لوحة فنية، وذلك في معرضه (أسود وأبيض/ حفر) الذي افتتح في 21 أكتوبر/ تشرين الاول 2013، بتنظيم من وزارة الثقافة في المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وبالتعاون مع صالة بوسعد للفن التشكيلي، والذي خصص ريعه كاملاً لصالح جمعية البحرين لمكافحة السرطان، في بادرة إنسانية تحسب للفنان بتعزيز دور الفن في صنع الأمل والغد الأفضل.

في معرض (أسود وأبيض/ حفر) حيث امتزجت العتمة بالضوء والإنسان بالأشياء، وعبر ستة وثلاثين لوحة فنية، وفي بادرة إنسانية ينجز الفنان إبراهيم بوسعد جهوده الإبداعية ويسم مشروعه الفني ببصمة إنسانية، وذلك حين يسهم في صنع الأمل وتبديد الألم، بالشراكة مع جمعية البحرين لمكافحة السرطان، ليأخذ الفن موقعه الإنساني الجميل في رفد القيم الحضارية الراقية، وتعزيز مكانته في الحياة المدنية المأمولة.

الأبيض يبدد عتمة الألم

في معرض (أسود وأبيض/ حفر) تأخذك الست والثلاثون لوحة التي أنجزها بوسعد إلى تبديد عتمة الألم بضوء الأمل، وذلك عبر مجموعة من التصاميم الفنية الطباعية التي تتفرد أحيانا، وتتكرر في بعض اللوحات، وتكبر تارة أخرى لتشكل حوارية بين الإنسان والطير عبر عنصر الألفة والأنس، أو تعكس التضاد بين الإنسان والأشياء من خلال الأبيض والأسود، وعبر خطوط دقيقة وغليظة، متقوسة ومستقيمة عمودية وأفقية، متراوحة بين العتمة والضوء بما يجعل هذا التضاد الملح في كل لوحة يصنع الإيقاع النابض الحيوي الذي يبرز بصمة موسيقية في الأعمال الفنية لهذا المعرض.

أنسنة الأشكال والخطوط

ثمة حالة من الأنسنة للأشكال والخطوط يحاول الفنان إضفاءها في اللوحة، فمن بين التصاميم المختلفة في المعرض انتخب بوسعد تصميم الرجل المقعد الذي يرفرف بين يديه عصفور صغير في ألفة وأنس وتمازج وانسجام ليكون هذا التصميم اللوحة الأولى في المعرض، ومنذ البداية يستقبلك الايقاع الذي صنعه بوسعد في معرضه عبر هذه اللوحة التي اتخذ الأسود فيها شكل الزخرفة الموسيقية بما يخفف من وقع سواده وقتامته، ورغم أن الأسود كان يحدد شكل الإنسان بما له من دلالة في التأويل إلا أن البياض الذي تأطر باللون الأسود دائما ما كان يحاول تجاوز الإطار إلى خارج حدود الشكل وبين الأبيض والأسود يتشكل المعنى فثمة تخفيف من قتامة الأسود بتشكيله بالزخرفة بما هي تلوين للحياة، وثمة تخفيف من وقع الأسود بالأبيض بما عكس التخفيف من الأمل بهالة النور التي تنبعث من الإنسان.

العلامات تنطق بالتأويل

هكذا دائما ثمة تأويل يتسرب من علامات صغيرة في الشكل خفية في الملاحظة يبثها الفنان في اللوحة ويلتقطها المتلقي فيصنع المعنى الذي يريد، وليس أدل من ذلك على امتلاء العلامات بالمعنى وقدرتها على صناعة التأويل من خلال الألفة التي تشع في التصميم عبر أنس الطير بالإنسان، والزخرفة المأخوذة من أشكال أوراق الشجر التي تموسق حياة الإنسان وتعود به إلى الطبيعة الأم، والأبيض الذي يخفف من وقع سواد الألم، وينضح بالأمل والغد المشرق.

وفي تصميم آخر ثمة مربعات ودوائر، وخلفية سوداء تؤطر الشكل الأبيض، بما يعكس الحياة السوداء من حول الإنسان، وكأن هذا السواد دائما هو الذي يشكل حياته فهل يستطيع التغلب عليه ويرسم خطوط قدره، وهنا تتبدى رؤية الفنان في محاولة الانفلات من الأسود بتخفيفه وتلاشيه أحيانا أو تغليب الأبيض عليه أو أنسنته وإضفاء عنصر الألفة حيث في أغلب التصاميم تحضر الأشجار بأوراقها أو الطيور بكل ألفة وتتبادل مع الإنسان اللحظات السعيدة.

رسوم في صيغة سردية

وفي لوحة أخرى ثمة امرأة جالسة ووجه رجل في الأعلى كمن يحتوي المنظر في أبوية تامة، أو صورة رجل في لوحة أخرى بما يستحضر صورة الحبيب في حالة ألفة وحنو وتواؤم بين الخطوط والأشكال، وثمة لوحات أخرى هي أشبه برسوم طفولية حيث يتحول الطير إلى ما هو أشبه بطائرة، وتصاميم انتقل فيها الفنان من إطار المربع إلى إطار المستطيل وقد وضع فيها مجموعة مختلفة من العناصر بما يشكل ربما شيئا من سردية إنسانية تعكس قصة الإنسان في تصادمه أو انسجامه مع الأشياء، وثمة لوحتان حادتا أيضا عن المعتاد في هذا المعرض وانفردتا بشكلين مختلفين هما في الأولى شكل وجه حصان بصورة واضحة وفي الثانية شكل حمامة جالسة ناشرة ريشها في اطمئنان تام وربما في هذين الشكلين ما يؤكد ما ذهب إليه التأويل من تعزيز عنصر حضور الطبيعة الحية أو الجامدة لتعزيز حياة الإنسان والتخفيف عنه تماما كما صنع الفنان حين أنسن الخطوط والأشكال ولعب إيقاعيا بشكل متميز في توظيف اللونين الأبيض والأسود.

هكذا يستطيع التأويل أن يتلقى العلامات المنبثة في العمل الفني ليستحضرها في صنع المعنى سواء كان ذلك بقصد من الفنان أو عن غير قصد فإن العلامات لا يمكنها إلا أن تنطق وخصوصا إذا تعبأ الجهد الإبداعي بمعنى إنساني يسعى فيه الفنان لمشاركة الآخرين أملهم والتخفيف عن ألمهم بما يعكس القيمة الإنسانية للإبداع الفني.

العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:43 ص

      النقد والتحليل بعيون فاحصة

      عزيزي حبيب  لقد سعدت بمقالك حول معرضي الشخصي أسود وأبيض - حفر ، والذي أعطاني شعوراً ، قاطعاً الشك باليقين بأنك مشروع محلل وناقد يشار له بالبنان ، مما تمتلكه من مؤهلات تجعلك متميزاً في هذا المجال وفقك الله وسدد  خطاك مع تحياتيابراهيم بوسعد2/11/2013

اقرأ ايضاً