العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ

الحج والاعتراف بالخطأ

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لحج بيت الله دروس كثيرة من شأنها أن تكون دليلاً تربوياً وأخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً لمن يفتح قلبه وعقله لها. دروس أراد الله لنا أن نحياها بكل ما تحمله من تعب ومشقة وجمال، ولكل محطة من محطات الحج درس من نوع منفردٍ وخاص به، وكأن المناسك سلسلة من عبر ودروس يتعلمها المسلم بنفسه، ابتداءً من الرغبة في السفر، وامتداداً للسفر نفسه باعتباره اغتراباً، ووصولاً لمناسك الحج، وليس انتهاءً بالعودة وفراق تلك البقاع الطاهرة والوجوه التي شاركها لحظاته، وهي التي ما ذهبت إلى هناك إلا لأن الله ناداها إليه، وانتهاءً بما بعد الحج من أيام وأعمال.

وعرفة هي بقعة من البقاع المقدسة التي تعد مدرسةً في مواجهة الذات. بقعة طاهرة تجعلنا أمام مرآة هي أكبر من أي شيء مادي، وأكثر إتقاناً في صقلها من أي مرآة؛ لنقف وقفة اعتراف مع أنفسنا، نجرد فيها ما فعلناه طوال السنوات، وما احتطبناه وراء ظهورنا من عمل يسيء إلينا قبل أن يسيء لأحد غيرنا، تحيط بنا هالة من القدسية والبياض، تدربنا على المواجهة، وأهم درس نتقنه فيها هو مواجهة أنفسنا بكل ما ارتكبناه من ذنوب وأخطاء من شأنها أن تغيّر حياتنا لو أننا التفتنا إليها وعرفناها ونبذناها وغيّرناها لما فيه خير لنا ولمن حولنا بالطبع.

في عرفة يقف الواحد منا متجرّداً من كل شيء، إلا من ضميره.. ومحبته الصادقة لله ورغبته في تغيير ذاته ابتداءً من اللحظة الأولى التي تطأ فيها قدمنا أرضها، اللحظة التي ما هي إلا امتداد لرغبة التغيير الباطنية التي ساقتنا لتلبية نداء الله سبحانه وتعالى لحج بيته الحرام، فنجتهد في قراءة الأدعية والمناجاة والسور القرآنية التي تغنينا عن سؤال أحد غير الله، لنبدأ الاعتراف الأول والأشمل: «كيف أدعوك وأنا أنا، وكيف أقطع منك رجائي وأنت أنت»، ولو أننا جعلنا هذه اللحظات عادة دائمة لا تزول بانقضاء يوم عرفة، لكنا اليوم نحسب للخطأ الواحد ألف حساب، خشيةً أن نقف عراة إلا من هفواتنا أمام أنفسنا، فنجبها الحرج.

في الاعتراف بالخطأ تدريب على محاولة تجنبه، وتدريب على معنى الاعتذار؛ فحين يلتفت أحدنا لأحد أخطائه لابد وأنه سيدرك ما يترتب عليه من أذىً نفسي وجسدي ووجداني، فيسرع إلى الاعتذار للآخر حين يتعلق الأمر به، ويحاول توبيخ نفسه ويعدها بعدم تكراره ليكون أكثر راحة واطمئناناً وبياضاً، ويكون قادراً على تهذيب نفسه، ورفعها عن كل صغائر الأمور التي قد تودي بها إلى الهاوية بعلمٍ منها أو بغفلة.

إن الوقوع في الخطأ، أي خطأ، هو أمر وارد وطبيعة بشرية، ولكن الاستمرار فيه هو الاستثناء، فكلنا بنو آدم وابن آدم خطاء، لكننا جميعاً نمتلك عقولاً تدرك الصواب، وتهفو إليه وتعرف أن الاستمرار في ارتكاب الحماقات تجاه أنفسنا وإلهنا والآخرين ما هو إلا خطأ أكبر يجب تصحيحه.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:12 ص

      صحيح

      والله صدقت ! كم نحن بحاجة اليوم لتطوير ثقافة الاعتذار حتي يصلح حال الوطن

    • زائر 4 | 5:57 ص

      مقال جميل وكلمات منتقاه..

      حج مقبول وذنب مغفور

    • زائر 3 | 3:36 ص

      ذهبوا ولكن عادوا بخفي حنين كما يقال ليش؟

      يقال الدين عند الله الإسلام كما يقال الدين معامله وقيل عاملوا الناس كما تحبوا ان تعاملوا – يعني كما قال إلإمام علي لأولاده عليهم السلام: حب لأخيك ما تحب لنفسك وإكره له ما تكرهه لنفسك. ويش يعني ها الهجاج أو الجحاج لما يحجون ولما يذهبون الى الحج؟ يعني إستغفروه إنه كان توابا أو لازم تمصلح ويستفيد مقاولو الحجاج والفنادق والتجار؟

    • زائر 2 | 3:29 ص

      الحج لمن إستطاع اليه سبيلا ولكن

      ليس بسر لكن يقال أوجب الله الصلاة والسلام على محمد وآله كما فرض حبهم بينما الحج ليس من الفرائض ولا من الواجبات. فالبعض يقول كما قال زين العابدين علي عليه السلام ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج. يعني إذا واحد عمل ذنب أو جرم الله موجود في كل مكان وليس في الكعبه أو في الحرم المكي أو المدني. أينما تولوا فثم وجه الله (...) قال جحا ليش الناس تضن أو تشك في قول الله ويذهبون الى الحج لا ليعترفوا بجرائمهم أو ذنوبهم بل الحج بأخطاء وكما تجارة قريش (...) يعني رحلة شتاء والصيف – أو سياحه وتجاره وهج ولم يحج !

    • زائر 1 | 3:22 ص

      الحج حجة

      الحج حجة على الانسان المسلم ليعرف معدنه الاصيل ليصقله بالطاعات العملية لتتبلور على حالته وملكته الروحية لتسمو نحو المراتب الكمالية اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كل عام وتقبل الله طاعاتكم واعمالكم واشركنا الله في دعاء حجاج بيته بما يصلح به احوالنا وحالاتنا

اقرأ ايضاً