في حديث على طاولة العشاء، انتقد الروائي باولو كويلو الكُتّاب والمثقفين الذين لم يقتحموا عالم الإعلام الاجتماعي، وقال إنهم لا يُدركون بأن الفجوة بينهم وبين الناس تزداد اتساعاً كل يوم. فمن لا يعرف ماذا يدور في ساحات الإعلام الجديد، أو البديل كما يحب البعض تسميته، يصعب عليه اليوم أن يفهم مجتمعه، والمجتمعات الإنسانية بشكل عام.
ناهيك عن أن هذه الوسائل مكّنت الأفكار من التكاثر والانتشار بطريقةٍ لم تشهد الإنسانية مثلها من قبل. ولذلك، تجد كثيراً من المُفكّرين التقليديين مُربَكين، وكثيراً من الأفكار والأطروحات والأيديولوجيات التي ظن أصحابها بأنها باقية، قد أُحبِطَت وصارت محط نقد وتهكّم وإهمال من الناس.
وفي مقابل هذه الفئة، برزت رموز جديدة ترفض صفة النخبة، وفضّلت أن تبقى في القاع الشعبي الذي نشأت منه. ادخل إلى برنامج «كييك» على سبيل المثال، وانظر إلى نجومه وأعداد متابعيهم، وستكتشف بأن هناك عالماً آخر يتشكل ويتسّع كل يوم. مئاتٌ مِن مقاطع الفيديو تُنشر كل ساعة، ومئات الآلاف من التعليقات والتفاعلات تُسجّل كل دقيقة. أسماء جديدة، بسيطة، شابة، لم تنل حظاً من علمٍ أو خبرة في الحياة، ولكنها أصابت من النجومية ما لم تُصبه أسماء لامعة في سماء الأدب.
ولقد بدأت شركات الإعلانات والقنوات الفضائية تتهافت على توظيف هؤلاء المشاهير الشباب، الذين ينحدر غالبيتهم من السعودية، بعد أن طارت شهرتهم في الآفاق. والملاحظ أن معظمهم لم يتجاوزوا الثلاثين سنة، لكن تأثيرهم في الوسط الشعبي الاجتماعي أصبح أكبر بكثير من أساتذة ومفكرين قد لا يحضر محاضراتهم وندواتهم عُشر من شاهد «كييكة» واحدة لأولئك الشباب. وليس مفاجئاً أن فتياناً وفتيات في ريعان العُمر تتجاوز مشاهدات «كييكة» واحدة لهم، مدتها 36 ثانية، أكثر من مليوني مرة! وعلى الضفة الأخرى، فلا أظن أن مقالاً يمكن أن يُقرأ مليون مرة، أو حتى، مئة ألف مرة!
ولقد صدق أستاذنا عبد الله الغذامي عندما تنبأ قبل سنوات بسقوط النخبة وبروز الشعبي، وقال بأن «سقوط النخبة أدّى إلى سقوط الوصاية التقليدية ورموز الثقافة التقليديين الذين كانوا يحتكرون الحق في التأويل وإنتاج الدلالات!» فكلام النخبة وكتاباتهم ولقاءاتهم التلفزيونية لم تعد اليوم تُغري الناس كما في السابق. وهذا ليس عندنا فقط، بل في جميع أنحاء العالم.
ادخل إلى قائمة أكثر الكتب مبيعاً في أمازون وستجد بأنها لم تُكتب من قِبَلِ أساتذة جامعات، أو مفكّرين، بل من ممارسين وهواة، يشتركون فيما بينهم بصفة «الشعبية». حتى مالكوم جلادويل، الذي تصدّرت جميع كتبه قائمة أفضل المبيعات، لا يملك شهادة عليا في الدراسات الاجتماعية التي يكتب فيها. وما يُميز كتبه، التي يُستعان ببعضها في التدريس في الجامعات، بأنها وضعت نظريات اجتماعية علمية في قالب قصصي «شعبي» بسيط يمكن لأي شخص استيعابه.
إن ما يُميّز هذه الفئات الشعبية، التي انتصرت على النخبوية وتكاد تسحقها، أنها غير مؤدلجة، وغير منتمية إلى تيارٍ سياسي أو فكري. فهي حُرّةٌ تماماً، تقول ما يخطر على بالها دون مراعاةٍ لشيء أو لأحد. ولا يهمني هنا أن أحكم عليها بالصواب أو بالخطأ، ولكن لا يمكننا أن نتجاوز عن حقيقة أنها فئة ثائرة، لا تتعايش مع القيود والأعراف، وترفع شعارات حُرية تعبير، والهوية الكونية، وتعترف بأن ما تقدّمه ليس ذا نفع أو فائدة. إلا أن الناس تتابع، وتتفاعل، وتشتم، وتمدح، وأعداد المتابعين والمتأثرين تزداد كل يوم.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن هذه الطبقة الثائرة، الرافضة، المتسائلة، المُطلعة على تقنيات العصر وآخر صيحات الموضة، تتقاسم مع أقرانها في مختلف أصقاع العالم كثيراً من هذه المشتركات، ما يجعل الصفات التي ذكرتها تَغرِس جذورها في ثقافة المجتمع أكثر، وربما، تُسطّح ذهنية أفراده وتُفرغها من المعنى الحقيقي.
لا أدري كيف سيؤول حال الثقافة والفِكْر والأدب، فالناشرون في كل العالم مرتبكون وما عادوا ينشرون مثل السابق لأن القارئ يريد الاختصار والبساطة، ويشتري رواية الفانتازيا والخيال أكثر من الأعمال الأدبية الرصينة. بل إنه يفضّل أن يشاهد الفيلم على أن يقرأ القصة، ووَجد في «تويتر» بديلاً عن «المعرفة» وقراءة الكتب والمجلات. أما الصحف فصارت تطالب الكُتّاب بتقليص عدد كلماتهم، وخصّصت صفحات لنشر التغريدات وصور إنستغرام. وهذا ليس على مستوى الأدب فقط، بل في كل شيء متعلق بالإبداع تقريباً، فمن كان يستخدم أفضل الكاميرات وأغلاها صار يُصوّر بالهواتف النقالة، ومن كان يظهر في التلفاز استعاض عنه بالظهور في «يوتيوب».
المشكلة ليست في سقوط النخبة، ولكن في سقوط فكرتها. الفرق بينهما أن النخبة محصورةٌ في فئةٍ من المثقفين أو المبدعين الذين صنّفهم الناس رموزاً للمجتمع، وفي ذلك إجحافٌ كبيرٌ للثقافة عندما تكون حصراً على مجموعة من الناس، مهما بلغوا من علم ومعرفة. أما فكرة النخبة، فتعني الأفكار التي تحرّك المجتمعات، وتشكّل القيم، وترسّخ مبادئ الوعي والتنوير والتنمية. وسقوط هذه الأخيرة يعني إرباكاً حضارياً مخيفاً.
إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"العدد 4074 - الجمعة 01 نوفمبر 2013م الموافق 27 ذي الحجة 1434هـ
الغرب وأفكارهم الجهنميه يقال ليس تقدماً لكن عوده الى الجاهليه!
يقال ما بعد العولمه أو ما بعد الثوره الصناعيه أو تكنولوجيا تدمير الطبيعه وتلويث البيئه بالسموم ومنها عوادم السيارات والمصانع! هنا في البحرين تجار البترول – يعني محطاة بنزين تبيع وقود ملوث كما تجار السيارات تبيع سيارات ملوثه للبيئه. كما أن شركة ألبا والبتروكماويات وتكري النفط كلها متهربه من ضرائب تلويث البيئه لكن يقال مدخولها عالي. فهل فرضت ضرائب بيع البترول الملوث للبيئه ونسي أن يسحب من مدخول الشركه مبلغ لميزانية الدوله؟
الحرب على الشركات المتهربه من الضرائب قال قرعويه ليش؟
كشفت الفوضى في البحرين بأن الشركات لا تدفع ضرائب لكن يقال بحرب يا سر كما يقال حاسر يعني مكشوف الرأس! هنا قد لا يقال أن النخبه منتخبه من أفضل أو أجود أو أحسن الناس لكم من ... وهذا ما لم يخضع لقانون ولكن بالمزاج وبحسب الصالح الخاص وليس العام. لذا يقال لا يستوي الذي يعلم كما الذي لا يعلم. فالعمل بلا علم لا يقود الى أفعال زينه لكنها أقرب من الشينه. قال ليش جحا؟