ماذا نعني نحن، من أطباء وعاملين صحيين من كادر تمريضي وغيره، بالحالة الطبية المستعجلة أو العاجلة؟ كيف نعرف تلك الحالة بالمفهوم الذي يرقي لادراك المريض؟ كيف نصل في رسالتنا الخدمية الصحية للمستوى المتوقع من قبل المريض؟
كيف ومتى نستشعر أن ما نقدمه صحيا قيمة مجتمعية مضافة؟ ما هى مرأتنا ومنطلقنا الرئيس؟
أسئلة كثيرة هي وهواجس صحية تبحث ليس فقط عن اجابات بل عن متسعات من الحلول الجذرية يسبقها بطبيعة الحال حالة من العصف الذهني البناء سعياً لخلق واستحداث آليات عمل منتجة قادرة على الارتقاء والتميز فى المؤشرات الصحية المجتمعية. إضافة لذلك نحتاج لرسم لخطط عمل محددة وموجهة مهنيا لتحقيق أهداف مسبقة ومكملة للاستراتيجية الصحية على مستوى الفرد والمجتمع.
بداية تعرف الحالة الطبية العاجلة أو المستعجلة، من منظور طبي بحت، على أنها أية حالة صحية يتعرض لها الانسان وتحدث إعتلالات في واحد أو أكثر من أعضاء أو أجهزة الجسم، وبمقدورها تعريض حياة الفرد لخطر الوفاة أو الاعاقة الجزئية أو الكاملة، اذا لم يتم التدخل الطبي الآني والفاعل، ويشمل ذلك التعريف كذلك أية حالة صحية لها القدرة الكامنة
على التحول والوصول إلى مستوى يهدد الفرد صحياً فى حياتة أو فاعليته الوظيفية.
يتضح مما سبق أن مفهومنا للحالة الطبية المستعجلة يضع الإطار الطبي المهني ويتبقى علينا ترجمة المعنى ووضعه المنظور الفردي والمجتمعي في رحلتنا التوافقية المشتركة مع ولأجل المريض فهو هاجسنا الأول ورسالتنا السامية.
ولكن دعنا قبل ذلك، نعرف الحالة المستعجلة أو العاجلة من منطلق مفهوم المريض، فبالنسبة له، انها أية حالة تستدعى فى مجملها العام مراجعة الطبيب أو أي مرفق صحي بغض النظر عن مستوى خطورة أعراض تلك الحالة ووقت طلب الحصول عليها. فعندما يواجه أي فرد ارتفاع في درجة الحرارة أو يعاني من ألم بغض النظر عن مدعاة ذلك الألم أو نتائجه صحياً، بالنسبة له هي حالة طارئة وتستدعي التدخل الطبي العاجل والآني والذي قد لا يكون بالضرورة حالة طارئة تتطلب فعلًا التدخل الطبي العاجل لإنقاذ حياة أو منع تدهور حالة صحية، وهنا يكمن المحذور في فهم المعنى للحالة الطارئة أو المستعجلة بين قطبي العملية العلاجية الأهم، المريض وهو متلقي الخدمة والمحور الدافع وبين الطبيب المعالج موفر الخدمة.
فىي سبيل ذلك وواحدة من أهم أدوات الإدارة الطبية في كافة أقسام ومراكز الحالات المستعجلة والعاجلة، أي خدمات الطوارىء الطبية، يبرز نظام تصنيف المرضى انطلاقاً من واستناداً على مفهوم الحالة الطبية العاجلة أو المستعجلة من الناحية العلمية الطبية المهنية، فما هو نظام تصنيف المرضى؟
قد تكون البدايات الأولى لمفهوم التصنيف المرضى راجعة لبدايات القرن التاسع عشر في أيام الحروب وخاصة أيام الحرب الفرنسية عندما بدأ جلياً أن الحاجة لاسعاف وتقديم الخدمة الطبية في الميدان لعدد محتمل كبير جداً مقارنة بما يتوفر من خدمات صحية طبية محدودة، لا يفي ولا يقدم خدمة صحية ورعاية كافية للعدد الكبير من المصابين الذين يسقطون في وقت قصير جدًا لا يتيح لمقدم الخدمة الطبية أوالضابط الطبي كما جرت العادة على تسميته، لا يتيح له تقديم خدمة عاجلة وفاعلة ووقتية لإنقاذ حياة مريض أو أياً من أطرافه من البتر أوالاعاقة الجزئية أو الكاملة، أي بمعنى أدق يبقى عامل الوقت والنتائج السلبية المحتملة والمؤثرة في حياة المريض هي القاسم المشترك والأهم فى تحديد أولووية تقديم الرعاية الطبية العاجلة والمستعجلة.
لذا انطلاقاً من المفهوم الأولي للتصنيف المرضي برزت ثلاثة مستويات لتقديم الخدمة الطبية المستعجلة، تلك هى ترتيبا من (الحالة المستعجلة) الأكثر أهمية ثم الأهم (العاجلة) وانتهاءًا بالأقل أهمية (الغير عاجلة).
يتضح لنا مما سبق أن المريض بغض النظر عن مستوى تصنيف حالته المرضية أو شكواه، يبقى فى سلم أولويات تقديم الرعاية الصحية مع فارق جوهري ومهم هو أن وقت تقديم الخدمة الطبية في تفاوت زماني تحدده أولًا حياة مريض يكون في أمس الحاجة لتلك الرعاية وهو تعريفاً ما ينطبق على الحالة المستعجلة وما يفرضه المنطق والمعرفة المهنية والطبية، وذلك هو محور بل وفلسفة التخصص والممارسة المثلى في مجال طب الطوارىء والحالات الحرجة.
بقى هنا أن نعرف أن ربط وقت تقديم الخدمة الطبية من هذا المنطلق بحالة المريض وحاجته الأنية يستوجب علينا مسئولية مجتمعية راقية وحضرية، حيث أننا أفراد ومجتمعات لن نتوانى ولو للحظات عن تقديم من هم فى حاجة مآسة لخدمة ما، لتقديمهم على أنفسنا في تلقي المساعدة والرعاية الصحية، فعلينا جميعا استشعار وممارسة ذلك فلسفة وغرسها مفهوما وطبيعة مستمرة وعادة مستدامة.
خلاصة هي تصنيفًا مستويات ثلاثة، مستعجلة وعاجلة وغير عاجلة تحكم وتحدد رعايتنا الطبية الطارئة، ومفهوما عامل الوقت ونتائجه سلباً أو ايجاباً في حياة وسلامة المريض ما يدفع ويوجه خدمات الطوارىء الطبية، وهدفاً وعاملاً فاعل للتميز الخدمي الصحي استشعار الفرد والمجتمع لمسئولياتهم الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4073 - الخميس 31 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي الحجة 1434هـ
ترسيخ الثقة ..... تكمله
لذلك ينبغي على مقدمي الخدمات الصحية ممثلين بوزارة الصحة اتخاذ كافة الاجراءات والقرارات التي ترمي لإعادة الثقة بين المريض والطاقم الطبي للوصول في النهاية لتقديم خدمات صحية متكاملة وترسيخ واقع صحي سليم لصالح المواطنين والمقيمين في المملكة.
ترسيخ الثقة
في البداية لك الشكر والتقدر دكتورنا العزيز على هذا المقال المهم والمفيد. في اعتقادي ان المشكلة تكمن في فقد الثقة بين المريض او اهل المريض والطاقم الطبي وخصوصاً في الآونة الأخيرة وذلك نتيجة لعوامل عديده لا يسعنا ذكرها في هذا التعليق المستعجل. لذلك نلاحظ في احيان كثيرة وخصوصاً في قسم الطوارئ عدم تقبل المريض او أهله القرارات او العلاجات او التشخيصات المتخذه من قبل الطاقم الطبي والتشكيك في جدواها وهذا راجع كما اسلفنا لإنعدام الثقة بين الطرفين اي المريض والطاقم الطبي.