ما الأفق في حياة الناس؟ ما الأفق في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية والتخطيط وحتى اللهو؟ هل هو مزاج؟ هل هو منام يصحو منه أحدهم ويدخل ضمن الخطط الخمسية؟ عرّفوا لنا الأفق الذي أدمنتم سيرته في وسائل إعلامكم ومنتدياتكم وحوار حضاراتكم وعواصمكم وجلساتكم السرية واللقاءات الثنائية التي لم يتغيّر فحوى ما يدور فيها: بحث سبل تعزيز العلاقات، لما فيه خير الشعبين!
هل ذلك هو الأفق؟ هل الأفق ما تتفضّل به نشرات الأخبار الرسمية؟ هل ما يعوي وينبح به الشتّامون المتسوّلون الذين لولا الأزمات والكوارث لن تجد نجم نجومهم في هذه المرحلة قادراً على إقناع إشارة ضوئية بالسماح له باحتلال ناصية فيها لبيع المناديل وقناني المياه لأنه سيصيبها بالعار! لا نتحدث عن إقناع بشر. عن أشياء!
هل الأفق إطلاق يد الغرباء المجلوبين إغراء لبلد لا يعرفون شعبه وعلى استعداد لقتله مادام ذلك سيوفر لهم أفق عيش وحياة ولو كانت مضمّخة بدم أبرياء وعذابات ثكالى وحنين يتامى بفقد يحيونه صباح مساء؟
هل الأفق يتضح ويتبدّى بآلة إعلامية تمارس الفجور والإفك وتضرب عراقة إعلام يقترب من القرن إلا قليلاً في الممارسة؛ ليعيدها الصبْية والمنتفعون والانتهازيون والباحثون عن الربح السريع والحرام، مئة عام إلى الوراء؟ أفي التراجع أفق؟ أفي الانحدار والانسلاخ عن الآدمية والضمير والبسيط مما تبادر به مخلوقات الله غير الآدمية، أدنى أفق أو ما يدل عليه؟
من يتحدثون عن الأفق المغلق اليوم هم الذين يحاصرون أفق الناس في كل مفصل من مفاصل حياتهم. من المهد إلى اللحد. خنْق الأفق وإغلاقه يتبدّى ويتضح في قوانين تحمي «الكبار» بحسب التصنيف الفاسد؛ وتسلّط قوتها على «الصغار» بحسب التصنيف الفاسد أيضاً! من الذي جعل «الكبار» كباراً في ذلك التصنيف؟ من الذي جعل «الصغار» صغاراً في ذلك التصنيف أيضاً؟ هل هو أفقٌ من عدل وضمير وذمة وأخلاق ومُثُل واقتداء بنموذج مُعتبر؟
الذين يحاصرون آفاق الناس في دنيا اليوم، مازالوا مقتنعين أن الله صمّم هذا الوجود بكل تفاصيله ودقائقه وروعته وعظمته وإعجازه لهم؛ بحسب مقاساتهم وأمزجتهم وتمنياتهم وشهواتهم؛ وما عداهم محْض تكْملة عدد ومشْهد لا غنى عنه لتأكيد مركزيتهم في الوجود.
من الذي يسهم عن حق وصدق في تحديد ورسْم وتحقيق أفق الناس؟ هل يفعل ذلك المستفيد والمتنطّع والمنافق والمتسلّق والوصولي والانتهازي ومن باع ذمّته في مناخات ليست بريئة ولن تكون؟ هل يحدد أفق الناس من يسْتميت ويقاتل من أجل أن يكون للناس أفقهم الحق والضروري من دون منّة من أحد، من لا يحيا من دون وشاية، ولا أهمية تذكر له دون نجاحه في ذلك، ولا قيمة ترْصد له مهما كانت عصيّة على الرؤية بالعين المجرّدة، من يرى في استقرار البشر اضطرابه، ومن يرى في اتفاقهم وائتلافهم تمزّقه وتشرذمه، ومن يرى في سعادتهم شقاءه؟
هل يصنع أفق الناس الذي يحصي أنفاسهم ويفترض نواياهم ويتوهّم انقضاضهم ويخترع انحرافهم ويتجنّى عليهم مبتدعاً أصولهم؟ هل في ذلك أدنى أفق أم هو في الصميم من المصادرة، والخنْق والإلغاء والنفي والمحو؟
البشر ليسوا مسرح عرائس يتم تحريكها ووضع الحوار على لسانها والتعبير عن انفعالاتها أمام صبْية وفتيات من النُّظّارة؛ كي تُحْتَلَب جيوب ذويهم. البشر ليسوا فائضاً يتم التخلُّص منه إما في مكبّ النفايات أو في المُهمل من زوايا البيت ومخازنه. البشر كبرياء من دونه يصبحون رياء، ونقاء من دونه هم شقاء، ومعجزة في تكوين من دونه هم شاهد عجز وعِبْرة. هل في ذلك أفق بمنأى عن ذلك؟
لا يصنع أفق الناس من يُشرِّع إهانتهم وتسفيههم واستحلال كراماتهم ودمائهم. لا يصنع أفقهم من يجد في كلمة احتجاج انقلاباً وخروجاً. لا يصنع أفق الناس من يُصادر حقهم في التنفّس، وحقهم في مستقبل حقيقي وليس اعتباطياً تسوّق له آلة إعلام لا ماضي لها كي نتحدث عن مستقبل افتراضي تسوّق له وتدَّعيه!
يمتاز العالم الثالث؛ وخصوصاً العربي منه، أنه كلما دخل في عقد جديد؛ أو عانق مئويةً جديدة، أسرف في الحديث عن الأفق. تتمعّن ملامح الأداء والواقع من حولك لتكتشف أن الأفق الذي يتحدثون عنه لم يدنُ من أفق في مغارة، في عصر ربما لم يدشّن مئوية إحساسه بالوجود، مع بدء الخليقة وما قبل تشكّل الاجتماع البشري!
بعد ذلك: ضعوا الذين سرقوا أحلام الناس في العالم العربي، واغتصبوا حقهم في الحياة بحرية وعدالة وكرامة، في الأمكنة التي تستحق، بعيداً من الشمس، كي لا يتلوث ضوؤها، ويصاب البشر بسُعار ذلك الانحطاط الأخلاقي. ضعوا الذين انتزعوا الأرواح في أمكنتهم الطبيعية إما في معزل عن حياة البشر على هذه الأرض، أو تحت ترابها. ضعوا الذين يسرقون قوت الفقراء ويتباهون ويتبارون في تقديم شيء من الفتات الذي سرقوه في صور تكافل اجتماعي كاذب ومنافق وانتهازي، ضعوهم في الأمكنة التي يستحقون. حينها يمكن أن نزيل الشمع من آذاننا كي ننصت إلى السيد: الأفق!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ
كلامك عين الحقيقه
كلماتك ياجعفر حبيبي بلسم على الجرح هولاء الناس لا يستحقون ان نسميهم بشر
الحمدلله على السلامه
هؤلاء لا يستطيعون سرقة احلام ومبادئ الناس هؤلاء لا يستطيعونقتل قيم ومعنويات المرتفعه للناس لان الله في قلوبهم ورفيقهم ....