كلما ازدادت حدة التوترات الداخلية والتهديدات الخارجية، واستشعر الواعون والمخلصون من أبناء وطني المملكة العربية السعودية المخاطر المحدقة بهم، انطلقت مبادرات أهلية خيّرة تهدف إلى وحدة الصف وتعزيز اللحمة الداخلية وتأكيد قيم المواطنة.
دعيت خلال الأسبوع الماضي للقاء في محافظة الأحساء ضمّ نخبةً من نشطاء ومثقفي الوطن المتحمسين لتبني مبادرة تعنى بتعزيز ثوابت المواطنة، ومعالجة كل ما يعيقها من أفكار وتوجهات وممارسات فئوية.
في هذا اللقاء الجميل، عبّر الجميع عن همومهم وتطلعاتهم بكل شفافية ووضوح، وتمنّيت أن يبث ما دار فيه حيّاً على الهواء كي يستمع جميع المواطنين لهموم بعضهم بعضاً، ويتلمسوا المخاطر والتحديات التي تعيق تحقيق حلم المواطنة الكاملة.
بدايةً يدرك الجميع أن مجتمعنا مثله مثل أي مجتمع بشري آخر، قد تتولد فيه إشكالات الفئوية والتمييز بصور مختلفة، والتي تترك آثارها في الشعور باستحواذ بعض الفئات وتمتعهم بمزايا تتجاوز مساواتهم ببقية المواطنين.
كما ندرك أيضاً أن الجهود المبذولة سواءً الرسمية منها أو الأهلية لمعالجة مثل هذه الإشكالات لم تؤتِ ثمارها المرجوة بإشعار الجميع بالمساواة والعدالة وسيادة الهوية الوطنية الجامعة حتى الآن.
الشعور بخطر تنامي هذه الأزمة عبر استعراض أنماط وأشكال من تجلياتها على الصعيد الاجتماعي والثقافي، دفع الجميع إلى التفكير في البحث عن خيارات المعالجة للوقوف أمام هذه المشكلة والإمساك بها قبل أن تستفحل وتكبر.
لم يغب عن أذهان الحضور المصاعب التي تقف أمام الإقدام على خطوات العلاج، كجمود البيئة القانونية التي من شأنها أن تحمي حقوق المواطن وتثبتها، وتجرّم كل فعل أو توجّه يمكن أن يساهم في التحريض على الكراهية أو التمييز والإساءة.
مثل هذه المبادرات الأهلية التي تهتم بتعزيز مفاهيم المواطنة ومعالجة معوقاتها، هي عمل حضاري ووطني نابع من الشعور بالمسئولية تجاه الوطن. وعلى الرغم من إخلاص القائمين على هذه المبادرات وحماسهم الكبير، إلا أن ذلك لوحده لا يكفي لتحقيق الأهداف الخيّرة لهذه المشاريع. فهي إضافةً إلى ذلك، بحاجةٍ إلى تخطيط سليم يشمل بلورة رؤى وأهداف محددة وواضحة وبرامج عمل واقعية، وتحتاج أيضاً إلى عمل جاد ودؤوب لتصحيح عديد من المفاهيم المغلوطة حول قضايا المواطنة وشروط تحقيقها.
تواجه هذه المبادرات الوطنية تحدياً حقيقياً في قدرتها على أن تتحوّل إلى مشاريع مؤسساتية حقيقية، قادرة على الانفلات من الشخصانية والانضواء ضمن مؤسسات المجتمع المدني التي تحقق بالفعل أنموذج المواطنة من خلال التعددية والتمثيل المتوازن فيها.
تستلزم هذه المشاريع تنسيقاً في جهودها مع المؤسسات الرسمية المعنية بهذه القضايا، كمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي من المفترض أن يحتضن مثل هذه المبادرات، وكذلك مجلس الشورى المعني بصياغة التشريعات والقوانين.
أشدّ على أيدي جميع من يعمل في هذا المجال الوطني المهم بكل حماس وإخلاص، على الرغم من التحديات والمصاعب القائمة والمحتملة، آملا أن تشكل هذه المبادرات رافعةً لمبادئ وقيم المواطنة، وتكون قادرةً على الوقوف أمام توجهات الفئوية والتمييز بين المواطنين.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4069 - الأحد 27 أكتوبر 2013م الموافق 22 ذي الحجة 1434هـ