في دراسته التربوية عن «مفهوم المؤسسة المتعلِّمة: أية دروس لتحسين جودة المدرسة؟ يطرح الباحث المغربي العربي الهداني سؤالين مهمين، الأول: هل تحتاج المدرسة إلى التعلّم وهي التي تمنح خدمة التعليم إلى الجميع؟ والسؤال الآخر: توظِّف المدرسة موظفين ذوي مؤهلات مهمة يحملون معهم معارف متخصصة وملائمة لتسيير دواليب (أركان ومفاصل) المؤسسة ولتقديم خدمة التربية، فكيف تحتاج المدرسة إلى تعلّم؟
يرى الهداني بأن مدرسة الأمس كانت ملائمة للأهداف التربوية التي وُضعت من أجلها في الماضي وهي بلا شك ليست كمدرسة اليوم، وإن كان البعض لدينا لا يزال يبكي على اللبن المسكوب، وبأن مخرجات الماضي كانت أفضل بكثير من الآن، ولا يضيره إن كان المتعلّمون اليوم واعين لحقوقهم ولحقوق الآخرين، نشطين ومتفاعلين مع ما يتعلمونه أم لا!
«التعليم حقٌ وضرورة لكل فرد مدى الحياة»، هذا هو المبدأ الجديد الذي أخذ ينتشر بقوة على المستوى العالمي، وبدأ يؤثر بشكل ملحوظ في قناعات الأفراد وسياسات الدول والحكومات وتنافسها من أجل بناء مجتمع معرفي متماسك يشقُّ طريقه نحو مستقبل واعد.
وفي ضوء هذا المبدأ، فإن المدرسة المتعلّمة لحقوق الإنسان هي تلك المؤسسة التربوية التعليمية التي يُتَعَلَّمُ فيها استراتيجيات التعامل مع المعطيات والأفكار والتحديّات المجتمعية الجديدة، مثل: محاربة الأميّة، فقد نصّت المادة (9) من قانون رقم (27) لسنة 2005 بشأن التعليم، على أن «محو الأمية وتعليم الكبار مسئولية وطنية هدفها رفع مستوى المواطنين ثقافياً واجتماعياً ومهنياً، وتتولى الوزارة ـ التربية والتعليم ـ تنفيذ الخطط اللازمة للقضاء على الأمية»، وعدم التمييز بين الأفراد كما أشارت المادة (2) من القانون نفسه: «التعليم حق تكفله المملكة لجميع المواطنين...»، والتعلّم مدى الحياة، حيث أشارت المادة (5) البند 14 «دفع العملية التعليمية لتبني استراتيجيات فاعلة لمفهوم التعلّم مدى الحياة». والتعليم في كل وقت، والتعليم بصيغ متنوعة، والتعليم داخل وخارج أسوار المدرسة، والتعليم لكل الفئات، خصوصاً للفئات الأكثر تعرُّضاً للانتهاكات في مجال حقوق الإنسان كالطفل والمرأة وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، وغير ذلك من القضايا التي تمسُّ جوهر الحقوق والتي هي من صميم مهام واختصاصات المدرسة المتعلّمة لحقوق الإنسان التي ينبغي أن يضمّنها المشرّع البحريني في السياسات التربوية، وكذا أن تكون متمثّلة في سلوك وممارسات المسئولين والقيادات التربوية وجميع أفراد المجتمع المدرسي.
من المنطلقات الرئيسية في المدرسة المتعلّمة لحقوق الإنسان الوعي والإرادة، فالوعي سلاح عندما يدرك المتعلمون أن بإمكانهم تبادل التعلّم، بأن يتعلّموا معاً حقوقهم المشروعة التي أقرتها كافة المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إلى جانب الإرادة التي تنمِّي لدى المتعلمين روح المبادرات في تعرّفهم على حقوقهم؛ لكي يتمكنوا من الدفاع عنها وفق هذه الرؤية الجامعة.
إن الرؤية والرسالة من المرتكزات الأساسية للمدرسة المتعلّمة، فالرؤية لابد أن تتضمن مسئولية الدولة في توفير تعليم عالي الجودة للجميع كحق أصيل من حقوق الإنسان، وإعداد المتعلمين وتنشئتهم وفق مبدأ المواطنة الحقة في مجتمع المعرفة على أساس وجود عقد اجتماعي يقوم على مبدأ العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وتأسيس نظام تعليمي لا مركزي يدعم مفهوم الشراكة المجتمعية والحوكمة الرشيدة، بحيث يضمن إصلاح التعليم بطريقة فاعلة على مستوى المؤسسة التعليمية والمستويات الإدارية كافة.
أما رسالة المدرسة المتعلّمة فتتمثل في توفير فرص متكافئة وعادلة أمام جميع المتعلمين للحصول على تعليم عالي الجودة، يمكنّهم من الوصول إلى مستويات التفكير العليا كالتفكير الناقد والتعلم مدى الحياة وحل المشكلات والتزود بالمهارات الحياتية اللازمة؛ ليكونوا مواطنين نشطاء وفاعلين ومشاركين إيجابيين في المسيرة التنموية بالبلاد، وفي مجتمع عالمي يموج بالمتغيرات والتحديات.
ولكي تقوم المدرسة المتعلّمة بالدور المنوط بها، فإن من الأهمية بمكان وجود القيادة المهنية المحترفة في تهيئة الفضاء المدرسي المناسب لتعلّم أفراد المدرسة منظومة حقوق الإنسان، وذلك لن يتحقق إلا عندما تقوم المدرسة المتعلّمة بدورها في جذب المتعلمين نحو التعرّف على القيم المدرسية المنشودة وتمثّلها، والقدرة على إشباع ميولهم وطاقاتهم وتوجهاتهم الفكرية واحترام عقولهم؛ ليكونوا عناصر نشطة وفعاّلة في عملية التعلّم.
رغم أهمية المبنى المدرسي وتهيئته من حيث التجهيزات والقاعات والفصول الدراسية والملاعب وغيرها، إلا أن إيجاد البيئة الاجتماعية الإنسانية الحميمية هي التي تضمن الفرص التعليمية المتكافئة للجميع، كما وتوفّر لهم بيئة تعلّم تعزز قيم الحوار البناء وتقبل الاختلاف في وجهات النظر.
إن المجتمع المحلي معني بكل ما يدور داخل المدرسة المتعلّمة لحقوق الإنسان؛ لأنها تؤثر وتتأثر به بشكل يومي ومباشر، لذا كان لزاماً إشراك المجتمع المحلي في اتخاذ المدرسة المتعلّمة لقراراتها وتقويم برامجها وأنشطتها لكي تتناسب مع هموم وتطلعات المجتمع.
وانطلاقاً من أن العملية التعليمية تبادلية تشاركية، فإن المجتمع المحلي معني بنشر الثقافة الحقوقية وجعلها أولوية لا يضاهيها شيء، وفي هذه الحالة فإن المدرسة المتعلّمة لا تستطيع العمل بمفردها دون التواصل المباشر مع الأسر وأولياء الأمور، وجعلهم شركاء فاعلين في تحسين مستوى تعليم أبنائهم وتنمية سلوكهم.
حتماً، هذا الطريق ليس مفروشاً بالورود والرياحين، لأننا سنواجه ببعض المعوقات نتيجة تضارب المصالح أو عدم الجدية في التعاطي مع مثل هذه المبادرات التعليمية ذات الطابع الحقوقي، إلا أننا نعوّل على الوعي المجتمعي الذي تستمد المدرسة المتعلّمة لحقوق الإنسان مشروعيتها منه، وذلك في قيادة مجتمع مدرسي يؤمن بالتغيير لصالح الإنسان وحقوقه المشروعة.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 4068 - السبت 26 أكتوبر 2013م الموافق 21 ذي الحجة 1434هـ
حال يرثى له
مع بداية العام وحتى يومنا هذا وحال مدارسنا كارثي شارف الفصل على الانتهاء ولم يتعلم اطفالنا شي جديد في اغلب المواد فابني في مدرسة الوادي منذ شهر ومدرسة الرياضيات في اجازة وضع ولا يوجد بديل اما مدرسة الانجليزي فقصتها غامضة لم يتعلم منها الاطفال ما هو جديد وللاسف في ظل منع الكوادر البحرينية من العمل والاستعاضه عنها بوافدين وهو في نهاية المطاف سيضيع مستقبل ابنائنا بسبب عناد السلطة المتنفذة في الوزارة