العدد 4067 - الجمعة 25 أكتوبر 2013م الموافق 20 ذي الحجة 1434هـ

الأختام الدلمونية: 80 عاماً من «التسميات» الخاطئة

لاحظنا في الفصل السابق أنه بدءاً من العام 1932 وانتهاء بآخر دراسة أجريت على الأختام الدلمونية المبكرة في العام 2010م، أن الأختام الأولى التي صنعت في دلمون - البحرين واستعملها الدلمونيون الأوائل لا تسمى «أختاماً دلمونية»، بل أنها عرفت «بالأختام السندية» في بادئ الأمر واستقر الأمر على تسميتها «أختام الخليج العربي»، وهناك من اقترح تسميتها «أختام دلمون المبكرة»، إلا أن التصنيف الأكثر رواجاً والأكثر دقة للأختام الدلمونية بصورة عامة (المبكرة والمتوسطة والمتأخرة)، يلغي تسمية «دلمون المبكرة»؛ حيث تصنف الأختام الدلمونية زمنيّاً وفنيّاً في ثلاث مجموعات هي: أختام الخليج العربي، وأختام دلمون الأولية، وأختام دلمون، وتقسم مجموعة «أختام دلمون» زمنيّاً وفنيّاً إلى ثلاثة أقسام فرعية هي: الطراز الأول (ألف وباء)، والطراز الثاني، والطراز الثالث (Kjaerum 1994).

هناك تصنيف بديل ثان يرى أن تسمى المجموعات الثلاث الأساسية: أختام دلمون المبكرة, وأختام دلمون الوسطية أو المتوسطة، وأختام دلمون المتأخرة. لكن الإشكال ليس في اختيار المسمى؛ لأن التسمية تعطي الختم هوية معينة؛ وهذا يعني أن الخلاف جوهري بين تسمية «أختام الخليج العربي» و»أختام دلمون المبكرة»، فالكتاب الذين يرجحون التسمية الأولى فهو على أساس أن هذه الأختام نتاج لثقافة عامة كانت سائدة في الخليج العربي، وليست دلمون فقط، فهي تعكس ثقافة الخليج العربي المبكرة وليس ثقافة دلمون المبكرة (Buchanan 1967) ،(Porada 1971). شخصيّاً أفضل التصنيف البديل لاقتناعي بوجود هوية دلمونية مبكرة؛ وعليه أستخدم دائماً مسمى «أختام دلمون المبكرة، وليس «أختام الخليج العربي».

ثقافة دلمون أم ثقافة «الخليج العربي»

من أولى الدويلات التي نشأت على ساحل الخليج العربي والتي أسست لنفسها ثقافة خاصة بها وواضحة هي ثقافة أم النار (في دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان) (2700 ق. م – 2000 ق. م.) (Potts 2005).

وقد ارتبطت هذه الثقافة بثقافة دلمون المبكرة التي تأسست في البحرين في قرابة العام 2300 ق. م.؛ حيث تم اكتشاف نسبة كبيرة نسبيّاً من فخار ثقافة «أم النار» في المدينة الدلمونية الأولى في قلعة البحرين، وكذلك في تلال القبور الدلمونية المبكرة والتي يتشابه حتى بناؤها مع نموذج بناء القبور في ثقافة أم النار، وقد عرفت هذه القبور الدلمونية المبكرة باسم قبور «أم النار» (Bibby 1986), (Lowe 1986). ومن هنا جاء الربط بين ثقافة دلمون وثقافة أم النار، حتى أن البعض اعتبر أن دلمون الأولى التي قامت في البحرين ما هي إلا امتداد لثقافة أم النار (Vogt 1996).

لا نختلف على وجود تشابه بين حضارة دلمون والحضارات المجاورة لها في الخليج العربي، إلا أن حضارة دلمون هي الوحيدة من بينهم التي كونت دولة لها أوزانها الخاصة وأختامها الخاصة، وعلى هذا الأساس فإن الباحثين الذين يطبقون النظرية الاقتصادية «أنظمة العالم» على حضارات الخليج العربي والشرق الأوسط ووادي السند فإنهم يصنفون حضارة دلمون على أنها تلعب دور الوسيط بين المراكز المتحكمة (وادي السند وبلاد الرافدين)، والأطراف المهمشة التي تمثل الأيدي العاملة والتي صنفت من ضمنها الحضارات الأخرى في الخليج العربي (Ratnagar 2001). كذلك، فإن الدراسة التفصيلية الأخيرة التي أجراها Laursen في العام 2010م على الأختام الدلمونية المبكرة، والتي يسميها الغالبية «أختام الخليج العربي»، تثبت أن هذه الأختام صنعت في دلمون - البحرين ولم تصنع في مناطق أخرى في الخليج العربي (Laursen 2010).

تحليل أشكال أختام دلمون المبكرة

ذكرنا في الفصل السابق أنه عثر، حتى الآن، على قرابة 121 ختماً تم تصنيفها على أنها أول الأختام الدائرية التي ظهرت في الخليج العربي وبلاد الرافدين وإيران ووادي السند، وصنفت كلها في مجموعة اشتهرت باسم «أختام الخليج العربي» (غير أننا نصر على تسميتها أختام دلمون المبكرة) (Laursen 2010).

وقد قام Laursen بالاستعانة ببرنامج خاص تمت تغذيته بأبعاد هذه الأختام، ومن هذه الأبعاد: قطر الختم، ارتفاع القرص، ارتفاع الحدبة، وغيرها. وبذلك تمكن Laursen من تقسيم هذه المجموعة غير المتجانسة في الأبعاد في مجموعات متجانسة من حيث الشكل، ثم أضاف معايير أخرى وهي التوزيع الجغرافي، الحقبة الزمنية لظهور الختم، وجود نقوشات سندية من عدمه، وغيرها. نتج من هذه الدراسة وجود خمس مجموعات مختلفة من هذه الأختام التي لاتزال تسمى بمسمى واحد. من هذه الخمس مجموعات توجد مجموعتان فقط مرتبطتان بدلمون المبكرة أما المجموعات الأخرى فيجب أن تستثنى من تصنيفها ضمن أختام دلمون المبكرة.

أولى المجموعات المستثناة هي الأختام التي عثر عليها في فيلكا (4 أختام)؛ حيث إنها تختلف في الشكل، وكذلك يعتقد أنها ظهرت في حقبة متأخرة وهي تنتمي إلى مجموعة أختام دلمون المتأخرة. أما المجموعة الثانية فهي الأختام التي اكتشفت في إيران (4 أختام) ويعود تاريخها إلى الحقبة 2118 – 2095 ق. م. ويرجح أنها صنعت في إيران. والمجموعة الثالثة وهي التي اكتشفت في حضارة وادي السند (5 أختام) ويعود تاريخها إلى الحقبة 2200 – 2000 ق. م. ويرجح، كذلك أنها صنعت في حضارة وادي السند.

بقيت النسبة الأكبر من الأختام وهي التي عثر عليها في البحرين (93 ختماً)، وشرق الجزيرة العربية (3 أختام من تاروت والخبر والظهران، وهي جزء من دلمون)، ومدينة أور (12 ختماً) في بلاد الرافدين. وهذه الأختام يرجح أنها صنعت في دلمون - البحرين، وهي تقسم بحسب الشكل إلى قسمين: الأختام التي عليها نقوش سندية وتضم 7 أختام من البحرين وجميع أختام بلاد الرافدين، وهذه تتشابه في الشكل وقد صنفها Laursen في مجموعة واحدة، وأمكن تحديد حقبة زمنية تقريبية لها وهي 2100 – 2050 ق. م. أما المجموعة الثانية فتضم بقية الأختام التي ليس عليها نقوش سندية والتي أمكن تحديد حقبة زمنية تقريبية لها وهي 2050 ق. م. – 1923 ق. م.

الخلاصة

من خلال دراسة Laursen، يمكن القول، وبنسبة كبيرة من المصداقية، إن هناك قرابة 108 أختام صنعت في دلمون - البحرين واستخدمت من قبل الدلمونيين الأوائل، وهذه الأختام، وإن تم اقتباس فكرة تصنيعها بهذا الشكل من ثقافة أخرى، لم تصنع في أية منطقة أخرى في الخليج العربي. وهذه الأختام تقسم إلى مجموعتين فرعيتين: ذات النقوش السندية، وهي المجموعة الأقدم، تليها المجموعة الثانية التي ليس عليها نقوش سندية.

وختاماً، ولكل ما تم ذكره من أسباب، يمكننا اعتبار أن تلك الأختام المبكرة التي سميت «أختام الخليج العربي» تمثل ثقافة دلمون؛ وعليه، فإنني مع الرأي الذي يشجع تسمية أختام دلمون المبكرة.

العدد 4067 - الجمعة 25 أكتوبر 2013م الموافق 20 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً