للعنوان صلة وثيقة بالعملية الانتخابية، التي تترجم النصوص إلى الواقع العملي المرتجي، والملبي لطموحات جميع فئات المجتمع الشعبية، المنجبة عبر هذه الانتخابات، للسلطات. فالشعب بكل مكوناته من الأفراد والعوائل والطوائف والأطياف السياسية والدينية وغيرها، هو الأصل الذي لا يمتاز فيه أحد على الآخر، وهو بذلك المعني باختيار وتكليف السلطات لإدارة شئونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تنتهي بالحالة الحقوقية، التي لا تخرج عن استتباب أمن المجتمع، ونموه وتطور مقدراته بما يستفيد بها جميع أفراد المجتمع بالعدالة والمساواة.
ولنبدأ بالأمر الأميري رقم 36 لسنة 2000 بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني، الذي نلخص أمره في التالي:
1- تشكلت اللجنة عبر تعيين الملك 44 عضواً فيها، بمفردات ديباجته: « إيماناً منا... ورغبة منا... من أجل تطلعاتنا... النهوض بشعبنا... تأكيداً لما جاء في خطابنا، وكل هذه التنسيبات عائدة إلى الأمير حينها، حتى تنسيب الشعب لم يكن للبحرين الوطن بل بنون الملكية.
2- فكرة الميثاق جاءت على إثر الحالة السياسية القائمة آنذاك والمتركزة في مجلس الشورى المعين، عبر توتر الحالة السياسية من بعد إماتة دستور 1973 وفي ظل سريان قانون أمن الدولة سيئ الصيت، وبأحداث التسعينيات وتتويجها الحراك الشعبي من بعد أغسطس 1975، حين تم حل المجلس الوطني وأوقف العمل بالدستور، وأوكل السلطة التشريعية للحكومة.
3 - تشكلت اللجنة بالتعيين الأميري كما التفصيل التالي:
أ- شخصيات من العائلة الحاكمة ووزراء ومسئولين حكوميين 15
ب- أعضاء مجلس الشورى القائم حينها 13
ج- رؤساء وأعضاء مؤسسات شبه حكومية 2
د- أساتذة جامعيون محسوبون على الحكومة 2
ه- كاتب صحفي 1
و- رؤساء مؤسسات غير حكومية 5
ز- أعضاء مؤسسات غير حكومية مختارين بالتوازن 6
المجموع 44
معظم من تم تعيينهم جاءوا بمعيار القبول الحكومي لأشخاصهم بما باتوا اليوم من رجالاتها في الوزارات والإدارات وتعيينات مجلس الشورى الحالي، إلا الندرة ممن ملكوا إرادتهم وابتغوا الوطن، ومن حيث مبدأ التعيين، فقد كشفت الأحداث عقمه، وما بات مقبولاً شعبياً، وخصوصاً أن بعد تجاوز النص في المادة الخامسة- الفقرة الأولى ونصها «يُعرض مشروع ميثاق العمل الوطني على مؤتمر شعبي عام تُمثل فيه كافة شرائح المجتمع لإقراره»، فالمؤتمر الشعبي العام كان دوره فحص نصوص الميثاق بما تتوافق عليه كافة شرائح المجتمع كما نصت المادة، وإقرار الميثاق نهائياً يأتي عبر إقراره من هذا المؤتمر الشعبي العام، وعلى رغم نص نفس المادة في فقرتها الثانية ونصها «ويصدر بأمر منا تشكيل المؤتمر الشعبي ودعوته للانعقاد»، بما يفيد تشكيله بالانتخاب العام المباشر أو بالتعيين، إلا أننا لم نر له من أثر.
والمادة السادسة من الأمر الملكي ونصها «يُرفع ميثاق العمل الوطني إلينا بعد إقراره من المؤتمر الشعبي العام للمصادقة عليه» وإصداره، بمعنى أن نص الميثاق النهائي يقرّه المؤتمر الشعبي ويصدر بتصديق الأمير عليه، لذا لم يكن اللجوء للاستفتاء الشعبي قبل إقرار الميثاق من قبل المؤتمر الشعبي، إلا وسيلة للضغط على الشعب إما بقبول الميثاق بما شابه من عيوب دستورية وقانونية وحقوقية، وخصوصاً استفراد لجنة حكومية بإعداده على خلاف الأمر الملكي، وإما برفضه والعودة إلى الحال التي قبله بقانون أمن الدولة، وللحيلولة دون ذلك سعت القيادات الشعبية إلى الحصول على تأكيد بالتوقيع على وثيقة مجلس الغريفي، سداً لذرائع التفاسير المحتملة لنصوص الميثاق، والنتيجة؟
ولنأتي لما جاء به دستور 2002 خرقاً للميثاق:
المادة 51: «يتألف المجلس الوطني (وهو بالمناسبة ذات التسمية لمجلس النواب عام 1973) من مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب»، وهذه المادة وما لحقها من مواد لتفصيل صلاحيات المجلسين للعملية التشريعية، جاءت خلافاً لمبدأ الميثاق ونصه: «... بحيث يكون الأول ( مجلس النواب) على خلاف منطوق الدستور في كل مواده المعنية، بتقديم مجلس الشورى على مجلس النواب»، وقد جاء مجلس النواب في دستور 2002 في المرتبة الأخيرة بين السلطات، والثالث في السلطة التشريعية بعد الملك ومجلس الشورى، والثاني بعد مجلس الشورى، «مجلساً منتخباً انتخاباً حراً مباشراً» (والمباشر له معنى خاص سنأتي عليه) «يختار المواطنون (وليس مكتسبي الجنسية بانقضاء مدة عشر سنوات) نوابهم فيه ويتولى المهام التشريعية، إلى جانب مجلس معين» (إلى جانب وليس شراكة مع مجلس الشورى) «يضم أصحاب الخبرة والإختصاص للإستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة».
المادة 56: «يتألف مجلس النواب من أربعين عضواً ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر» (وللانتخاب العام معايير لم تطبق في انتخابات الفصول التشريعية الثلاثة الماضية، وسنأتي لهذه المعايير في فقرة لاحقة)، «وفقاً للأحكام التي يبينها القانون» (والقانون تسنّه السلطة التشريعية في نيابتها عن الشعب وبتكليف منه عبر الانتخاب العام الحر المباشر، وليس ما يسن بمراسيم).
إلا أن السلطة استبقت إصدار التعديلات الدستورية التي نص عليها الميثاق تحديداً في موضوعين، واستبقت انتخاب مجلس النواب، الذي كان يتوجب أن يكون على أرضية دستور 1973 الذي مازال قائماً حينه، استبقته وأصدرت حزمة مراسيم بقوانين، وحصنتها مسبقاً في مسودة الدستور، كما (المادة 121 البند ب)، «... يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما صدر من قوانين» (لا غبار على القوانين) «ومراسيم بقوانين ومراسيم...». وعدم الدستورية هنا فيما يخصّ تحصين المراسيم بقوانين، المتوجب عرضها على السلطة التشريعية حسب (المادة 38) المستثنى منها هذه المراسيم، ونصها «ويجب عرض هذه المراسيم على كل من مجلس الشورى ومجلس النواب خلال شهر... فإذا لم تعرض زال ما كان لها من قوة القانون بغير حاجةٍ إلى إصدار قرارٍ بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلسان زال كذلك ما كان لها من قوة القانون».
مسودة الدستور تلك صدرت بعيداً عن حق الشعب المكتسب في دستور 1973، الذي خص التعديلات الدستورية بآلياته في المجلس التأسيسي المنتخب، ونصوصه حسب مادته 104.
أما التعديلات الدستورية التي نص عليها الميثاق حصراً فكانت كما التالي نصاً:
«... فإنه يلزم ما يلي:»
«أولاً: مسمى دولة البحرين: يُقرِر التعديل الدستوري التسمية الرسمية لدولة البحرين بناء على» (بشرط) «الطريقة التي يقرها الأمير وشعبه».
«ثانياً: السلطة التشريعية: تعدل أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور (1973 القائم) الخاصة بالسلطة التشريعية، بحيث يكون الأول (مجلس النواب) مجلساً منتخباً انتخاباً حراً مباشراً يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولى المهام التشريعية...» . نقطة ولا ثالثاً لثانياً. إنتهى.
وبهذاد دخلنا في أزمة دستورية، لا مناص من تجاوزها إلا بالعودة إلى دستور 1973، وانتخاب مجلس دستوري أو دعوة المجلس الوطني المنحل 1975 وإكمال عدد أعضائه بنفس آلية انتخابه، أو إجراء انتخابات لمجلس وطني جديد بآلية دستور 1973، وذلك لإجراء التعديلات الدستورية التي أوردها الميثاق في تعديلين حصراً، وربما تعديل بعض نصوص مواده من مثل تلك التي جرى حولها اللغط ما بين مفهومها الديني والسياسي، في مفردة «المواطنين» مثلاً، وإتباعها بكلمتي «رجالاً ونساءَ».
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4064 - الثلثاء 22 أكتوبر 2013م الموافق 17 ذي الحجة 1434هـ
العدالة
الله يحميك
اي خبره واى اختصاص
هل كل من قال شعرا ( الله العالم بعد من وين ) اصبح من أهل الخبره والإختصاص هههه
أأصيل
تحياتي لك أستاذي الجليل لما تبذله من جهد في التحليل وإلقاء الضوء على الأزمة الدستورية التي نعيشها وهو خط لم نألفه وفي نتظار المزيد من هذه المقالات أجدد شكري لك أيها الطني اشريف
شكلك ايها الاستاذ الشريف تطالب بالعدالة والمساواة
انت ترجع لنصوص الدستور ونصوص الميثاق الوطني الأصلية . والتي تنص على المساواة بين المواطنين ولكن هذا المطلب اي مطلب العدالة والمساواة لا تريده السلطة بتاتا . ولهذا وصلنا الى الحال التي يعيشها البلد الآن